fbpx .
بحث | نقد | رأي

هعمل اللي في نفسي | دبل زوكش

رامي أبادير ۲۰۲۱/۰۳/۱۹

بينما كانت أغنية دبل زوكش الجديدة تجذب سماعات متزايدة خلال الأيّام التالية لإطلاقها، تابعنا مشهدًا بات مألوفًا مؤخرًا، حيث يخرج جمهور الراب من الشرفة ويسكبون سيلًا من اتهامات السرقة والنحت والشف والتقليب، وكأنّ هناك نارًا يحاولون إطفاءها. في هذه الحالة، كانت الأصابع تشير إلى بيت الأغنية المأخوذ من هاف مِرسي للرابر الأمريكي كوردي، وهي إشارة في محلها، إذ أنّ البيت هو ذاته في الأغنيتين ولو استثنينا بعض التعديلات الطفيفة، مثل قيام دبل زوكش بخفض طبقة الصوت وزيادة إشباعه (saturation) ليصبح أكثر عنفًا وحدّةً، إلى جانب خفض الطبقة (pitch) والاستغناء عن قسم الدروب في مقابل إضافة بعض عيّنات الهاي هات. على كلٍّ، لا تكفي هذه الملاحظة لتفسير موجة الاحتجاج، التي تأتي دائمًا من جمهور الراب نحو موسيقيي المهرجانات.

شهد الراب العربي، والمصري، خلال الأعوام الماضية العديد من التطوّرات، من بينها قفزات كبيرة متأخّرة في نسب السماعات، كانت عادةً ما تقترن مع صعود رابرز ومنتجين قادرين على التحرّر من اختزال الراب بالنموذج الأمريكي، وإنتاج صوت منفتح على مصادر الإلهام المحليّة وتيّارات الموسيقى العالميّة. لم يتعارض ذلك مع استخدام الكثير من الرابرز لبيتات مشاع إبداعي من الإنترنت، أو رصّ باراتهم على بيتات متداولة لمنتجين عالميين، ولا عيب في أيٍّ من الأمرين. سجّل شب جديد كحل وعتمة على بيت من الإنترنت، وكذلك فعل سمارا في ما دايم والو؛ فيما شهدنا تداول وتدوير بيت لوك آت مي! في الراب المصري لوحده حتّى بات تقليدًا من نوعٍ ما.

صحيح أنّ دبل زوكش وقعوا في خطأ عدم ذكر مصدر البيت الأصل، إلّا أن كل من من ويجز ومروان موسى ومروان بابلو وقعوا بأخطاء شبيهة، حتّى كانيه وست عندما استعان بعينة من تراك فرش لكريم لطفي. في هذه الحالات، مال جمهور الرابرز للدفاع عنهم، غالبًا من وجهة نظر أن حدود حقوق الملكيّة الإبداعيّة لا تزال ضبابية، وهي وجهة نظر لا تخلو من منطق، وتنسجم مع تيّار التحرّر من تقييدات الملكيّة الإبداعيّة أو الدعوة إلى تعامل لا مركزي مع حقوق الملكيّة. اشترك دبل زوكش إذًا مع غيرهم من الرابرز المصريين والعالميين في إهمال ذكر مصدر البيت أو العيّنات، وحصل معهم كما حصل مع الجميع، حيث انتبهت ثقافة الإنترنت إلى المصدر بشكلٍ شبه فوري، وتمّ تداول هذه المعلومة.

إلّا أنّه على خلاف باقِ الرابرز، لم تنته الحملة على دبل زوكش هنا. استخدم جمهور الراب سرقة البيت كحجّة، أمّا النبرة فحملت استخفافًا وتعاليًا لا يخلو من طبقيّة، من شأنه رفض تداخل المهرجانات مع الراب. عادةً ما تستخدم عبارة “يا معلم التراك حلو، بس ده مش راب”، التي توحي بأنّ سمّيعة الراب يلعبون دور حرس البوابة ويمنعون مرور الدخلاء. لاحظنا ردّة الفعل نفسها عندما شارك علاء فيفتي في سايفر المعادي.

تبدو حقوق الملكيّة الإبداعية ضبابيّة لأننا نستطيع تمييز بيت أو مقطع غنائي أو تدفق أو عينة مسروقة، لكن كيف نميّز أسلوبًا مسروقًا، سواءً كان أسلوبًا في الكتابة أو الإلقاء أو الإنتاج؟ انخفضت نسبة استخدام بيتات الإنترنت مع صعود المزيد من المنتجين في مشاهد الراب المحليّة، إلّا أنّ شف الأداء وموضة اللبس والتدفقات والآد ليبس من التراب الأمريكي لا يزال حاضرًا بقوّة. نلاحظ نفس المشكلة في القوافي والأوزان ومواضيع الكلمات والفيديوهات، فمثلًا أصبح الكثير من التراب العربي والمصري يتحدث عن دواء الكودين، لمجرّد انتشاره كمخدّر بين نجوم التراب الأمريكان. حتّى بعد أفول نجم التراب في أمريكا، وبحث العالم في تيّارات بديلة وتجريبيّة مثل الدريل والجرايم واللو فاي والكلب راب (club rap)، ظلّ جزءٌ كبير من الراب المصري عازمًا على الشف والتقليد من التراب. لا يخفى علينا أن جمهور الراب يلاحظ مسؤولية الرابرز والمنتجين إزاء كل هذه السرقات والنسخ والتقليد، إلّا أنهم يطبقون معاييرًا مختلفة على المهرجانات.

هناك على الجهة الأخرى منتجون ورابرز مثل مولوتوف ووزة منتصر وعنبة والباور العالي والوايلي، يخوضون في منطقة مثيرة تمتاز، للمفارقة، بتقريبها بين الراب المصري والمهرجانات؛ للخروج بصوتٍ جديد صايع وغير مسموع من قبل في العالم. وإلى درجةٍ أو آخر، هذا ما يحققه دبل زوكش في أغنيتهم الجديدة، إذ أن محتوى الأغنية جاء من السياق المصري، دون أن يتكل على الثقافة الأمريكيّة أو يتقيد بها، كما ضمّت الأغنية قوافٍ وتدفقات صايعة ساهمت برواجها.

إن توجيه الاتهامات لفناني مهرجانات يحاولون شق طريق في مجال الراب لن يمسهم أو مشهد المهرجانات في شيء، فهم لا يبالون، حيث قامت المهرجانات منذ ظهورها على الاستعانة والتحوير في أعمال شعبية وإصدارات بوب سابقة، بمنطقٍ إبداعي يختلف عن منطق مشهد الراب. في المقابل، يمكن لبعض الجهود البسيطة في تعزيز أهميّة ذكر المصدر عند الاستعارة، يمكن أن تمنح الراب المصري مزيدًا من الزخم والحيويّة عبر التقاطع مع المهرجانات.

المزيـــد علــى معـــازف