يأبى الشيطان إلا أن يكون حقودًا | بيتهوفن عن بداية صممه

كتابةمعازف - March 26, 2018

من بيتهوفن إلى صديقه فرانس فيجلر أستاذ الطب في مدينة بون بألمانيا،

تحريرًا في فيينا في ٢٩ حزيران / يونيو سنة ١٨٠١،

عزيزي المحبوب فيجلر!

يأبى الشيطان إلا أن يكون حقودًا، وإلا أن يضيف إلى سوء حالتي الصحية سوءًا آخر يحز في النفس ويقطع في القلب، ذلك ما أحسه منذ ثلاثة أعوام من ضعف مستمر في حاسة السمع. وإن الذي كنت تعمله من مرض معدتي قد ضاعفه هذا المرض الجديد حتى سبب لي إسهالًا مستمرًا، وضعفًا غير اعتيادي. ولقد شاء فرانك أن يصلح تلك الحالة فوصف لمعدتي دواءً، ولسمعي زيت اللوز. ولكن هيهات! فإني لم أصب تحسينًا إذ استمر سمعي في طريق الضعف تدريجيًا، وظلت حال معدتي على ما تعانيه من الضعف، فلما كان خريف العام الماضي وصف لي بعضهم وصفة طبية هي الاستحمام بالماء البارد، ونصح لي آخرون بالاستحمام في ماء نهر الدونا الدافيء، وهذا الأخير قد نفعني نوعًا وتحسنت معدتي. أما سمعي فلم يزل على ما به من سوء، بل هو سائر فيما أعتقد إلى أسوأ.

وإني أستطيع أن أقول لك إني سائر في حياتي إلى شقاء أليم. بل إني لأتجنب منذ عامين مجالس الناس لأني لا أقوى على القول لهم إني أصم. ولو كانت لي مهنة غير الموسيقى لهان مصابي، أما ومهنتي السماع فإن الخطب عظيم … ماذا يقوله أعدائي ــ وهم كثيرون ــ عند سماع الخبر!

إني لمصور لك صممي العجيب فأقول أنني في عملي في المسرح لابد أن ألتصق تمامًا بالفرقة الموسيقية حتى يكون في مكنتي فهم الممثلين. ولقد أصبحت لا أستطيع سماع الأصوات المرتفعة الصادرة من الآلات أو المغنين إذا ابتعدت قليلًا.

ومن العجيب أن تعلم أن كثيرًا من الناس لم يلحظوا للآن في معاملاتي اليومية معهم أنني أصم، وذلك لأنهم أعتادوا أن يروني مشرد الفكر، فهم لذلك يحملون عدم انتباهي لكلامهم على هذا المحمل.

وإني في الواقع أصبحت لا أستطيع تمييز كلام من يخاطبني إذا كان في درجة اعتيادية، ولكني أسمع مجرد صوت لا تعبير فيه. فإذا صاح أحد في وجهي فإنني لا أستطيع تحمله، وماذا يكون مصيري إذًا؟ علم ذلك عند الله وحده.

وكم ضاقت الدنيا في عيني حتى سئمت الحياة، وحاولت التمرد على مصيري، ولكني لا ألبث أن أدرك أنني مخلوق ضعيف.

أرجو ألا تبوح بسري هذا لسواك، حتى ولو للورا الصغيرة زوجك، فهر سر قد ائتمنتك عليه، على أن لا بأس أن تتراسل في هذا الشأن مع فيرنج.

ولئن استمر حالي على هذا المنوال لقد أحضر إليك في الربيع القادم فتستأجر لي بيتًا جميلًا في الريف أقضي به نصف عام في عيشة فلاح، وربما كان لذلك أثر في حالي. إنها لحالة سيئة تفيض أسى.

وأرجو أن تغفر لي إن حملتك مشقة آلامي فوق ما أنت فيه من عناء.

ودمت في خير، يا عزيزي المحبوب فيلجر،

المخلص بيتهوفن


ظهر هذا المقال للمرة الأولى في مجلة الموسيقى والمسرح، العدد رقم ١٢، ١ يناير ١٩٤٨