يوم ورا يوم | سميرة سعيد وشاب مامي

شكل دخول الألفية الجديدة ارتباكًا موسيقيًا، حيث أصبحت القطيعة ناجزة مع زمان الطرب، وفي نفس الوقت بدأ يخفت نجم حميد الشاعري صانع أهم نجوم وفن جيل التسعينات الذي أقفل باب الطرب. بدأ الجميع بالبحث عن أغنية العام ٢٠٠٠، وتوجهت الأنظار إلى عمرو دياب وسميرة سعيد، نجمَي البوب الأذكى والأكثر ثوريّة، واللذَين اختتما التسعينات بخطوات سريعة نحو القمة، عمرو بـ نور العين وعودوني وقمرين وخليك فاكرني، وسميرة بـ ع البال وحالة ملل وروحي وآه بحبك. كان الاثنان يدخلان دماءً جديدة واعدة باستمرار في أعمالهما، فانتقل عمرو دياب من العمل مع حميد الشاعري إلى طارق مدكور، بينما لجأت سميرة سعيد إلى محمد مصطفى. قدم عمرو دياب ملحنين جدد من أمثال عمرو مصطفى ومحمد رحيم وشريف تاج، لتجابههم سميرة سعيد بـ أشرف سالم وخالد عز ومحمد مصطفى أيضًا. جاء عام ٢٠٠٠ وأصدر عمرو دياب ألبوم تملي معاك، وأصدرت سميرة سعيد ألبوم ليلة حبيبي. رغم احتواء ألبوم سميرة على عدة أغاني ضاربة حتى اليوم مثل ليلة حبيبي وميلاله وتقدر تقوللي، انتصر عمرو دياب وكان صاحب أغنية الألفية، تملي معاك. كان علينا انتظار عامَين آخرين حتى تجد سميرة سعيد أغنيتها القادرة على أن تقف بجانب تملي معاك على باب الألفية، يوم ورا يوم.

يحتاج المرء إلى الحذر للكتابة عن هذه الأغنية، ليكون منصفًا ولا يسقط في فخ النوستالجيا قبل تحليل العمل بعد كل هذه السنين؛ إلا أن إغفال الحنين ليس بالأمر الصحي تمامًا، فالحنين جزء من الموسيقى والأذن، وتأثيره السحري يشكل دافعًا للإنتاج وكذلك دافعًا للاستماع. لذلك يمكن أن نراوح بين معطيات الحنين وقوام العمل نفسه لنخرج بمسار نقدي حقيقي.

قضت سميرة سعيد عامَين على طريق أغنيتها للألفية، انتقلت خلالهما من شركة ميجا ستار بعد آخر ألبوماتها معها – ليلة حبيبي – إلى عالم الفن. حمل الألبوم عنوان الأغنية الكبرى: يوم ورا يوم، من كلمات خالد تاج وألحان عمرو مصطفى وتوزيع طارق مدكور. بدا كل شيء في هذا العمل جديدًا، بدايةً من مشاركة الشاب مامي لسميرة سعيد في الغناء، لتعتبر هذه الأغنية انطلاقته الحقيقية، نحو المشرق العربي على الأقل. كلمات الأغنية مكتوبة باللهجة المصرية، في فترة بدأ خالد تاج أو خالد تاج الدين بالتألق والانتشار من خلال تعامله مع أسماء كبيرة بعد عمله مع حميد الشاعري الذي كان يتمتع بشبكة واسعة من العلاقات. طغت اللكنة المغاربية على الأغنية بفضل كل من سميرة ومامي. منح هذا المزيج بين المشرق والمغرب الأغنية حظًا إضافيًا، حيث صار المشرقي الذي لديه مشكلة في فهم لهجات المغرب يستطيع أن يفهم أغنية هجينة، ويقنع نفسه أنه يستمع لأغنية مغاربية.

وضع عمرو مصطفى اللحن، واستطاع استغلال الأجواء التي تبدّت من الكلمات المصر-مغربية، حيث اختار مقام النهاوند، مقام مخاتل حمال أوجه. بنى مصطفى لحنًا مواكبًا لمرحلة انقلاب موسيقي، معززًا إياه بإيقاعات قوية تتبدل من المذهب إلى الكوبليه، ثم أوكل ما تبقى للموزع؛ حيث استطاع طارق مدكور (الذي وزّع تملي معاك) أن يستخدم المؤثرات المتاحة بشكل لائق ويمزجها مع الموسيقى الخفيفة، لينتج جسدًا خفيفًا ومكينًا في الوقت نفسه، وأصوات باردة ولاذعة أيضًا. استخدم مدكور مثلًا أصواتًا تشبه تنبيهات البرمجيات التي رافقت مشغل ويندوز آنذاك، والذي كان يسيطر على مناحي الواقع والحلم أيامها.

لاحقًا، لعب التوزيع الجديد نفسه وباستخدام المؤثرات نفسها دورًا هامًا في أغنيات عدة، كما في أوعى تكون زعلت لـ نجوى كرم (٢٠٠٢)، وطب ليه لـ راغب علامة وسحر عيونه لـ نانسي عجرم (٢٠٠٣). استطاع اللحن والتوزيع اللافتان أن يبُثّا روحًا جديدة في أداء كل من سميرة ومامي، سواء في اللازمة السريعة الإيقاعية “يوم ورا يوم / حبيبي ما جاني نوم / حبيبي واديني جيت”، أو في الغناء التقليدي الذي نجده في مقطع “يلا نكون سوا حبيبي وتجمعنا الحياة … “، مطعمًا بدخول مامي على غناء سميرة بكلمة واحدة مثل حبيبي، والعكس أيضًا، ما شكّل دفقة حسية حلوة تدفعك إلى إعادة الأغنية.

كانت يوم ورا يوم صدمة فنية في وقتها، مهدتنا للتعامل مع ما تلاها من تشكيلات موسيقية مبنية على تطلعات لإنتاج الجديد والبكر، وزرعت فينا استعدادًا لفترة موسيقية جديدة. شكلت تلك الفترة غربالًا لأسماء كبيرة، منها من غير مساره ونجح، ومنها من أسقطه تغيير مساره، ومنها من أسقطه التمسك بمساره.