.
ظهر المقال الأصل لكاتبه دايفد براون في مجلة رولينج ستون، في تشرين الثاني / نوفمبر ٢٠١٥، وترجمه فريق معازف.
نادرًا ما لعبت فرقة ذ فلفت آندرجراوند موسيقاها في مكاتب عمل، لكن عضوي الفرقة لو ريد وجون كايل اتخذا استثناءً واحدًا على الأقل قبل حوالي خمسين سنة. حاملين معهما جيتار ريد وفيولا كايل الكهربائية ومكبر صوت، نصب الاثنان معداتهما في مكتب منتج تنفيذي في مقر تسجيلات كولومبيا الرئيسي، ولعبا اثنتين من أغاني الفرقة الجديدة غير المسجلة: هيروين وذ بلاك آينجلز ديث سونج. لو سمع أي منتج تنفيذي هذه الأغاني في تلك الفترة لربما زحف تحت مكتبه أو ركض إلى الخارج صارخًا، لكن هذا المنتج كان مختلفًا. “نصبنا معداتنا وأسمعناه ما لدينا” يتذكر كايل، “قال لنا: ׳واو، أحببت الفيولا – هناك إثارة حقيقية تنبثق من صوتها.׳ قلت لنفسي: من النادر العثور على منتج كهذا!”
كان كشّاف المواهب المنفتح هذا توم ويسلون، الشخص الذي سيتعاقد في نهاية المطاف مع ذ فلفتس في أول صفقة تسجيل لهم (لصالح تسجيلات إم جي إم التي عمل فيها توم بعد كولومبيا)، وينتج بعضًا من تسجيلاتهم المبكرة. على كلٍ، لم يكن تبني هذه الفرقة الأيقونية وتمهيد الطريق لها إلى عالم التسجيل – بما تضمنه ذلك من إيقاد الشعلة المبكرة لما سيصبح لاحقًا الروك البديل أو المستقل – سوى إحدى المفاخر العديدة لـ ويلسون. فهو المنتج الذي قاد بوب ديلان من الموسيقى الهوائية إلى الكهربائية، وصنع نجومية سايمون وجايرفنكل، وتعاقد مع فرانك زابا وفرقته ذ موذرز أف إنفنشنز واحتفى بأسلوبهم، كما أسس شركة تسجيل جاز مستقلة شهدت انطلاق مسيرات سيسيل تايلور وصن را. لو سمعتم أغانٍ مثل لايك أ رولينج ستون وسبتيرانيان هومسيك بلوز لـ بوب ديلان، سانداي مورنينج لـ ذ فلفتس، النسخة الكهربائية من ذ ساوند أف سايلنس لـ سايمون وجايفرنكل، أو ألبومات سابقة لعصرها مثل ألبوم فريك آوت! الهلوسي الملوّن لـ موثرز، أو تحفة موسيقى الكابريهات القوطية تشيلسي جيرل لـ نيكو، فقد سمعتم عينةً من عمل ويسلون.
كان ويسلون، الذي توفي عام ١٩٧٨، شخصيةً مهابةً في أوساط زملائه من المنتجين، ولدى المستمعين الحريصين على قراءة كتيبات الألبومات ومعرفة من يعمل فيها. لكن لسببٍ ما، يبقى حتى اليوم أحد أكثر منتجي الروك المغمورين بشكلٍ مجحف – بالرغم من إنجازاته، ورغم كونه رجلًا أمريكيًا ذو أصول إفريقية يقف وراء إنتاج إصدارات هامة في الروك خلال فترة محورية من تاريخ الموسيقى. “كان من المحير كيف لرجلٍ أمريكي ذو أصول إفريقية في ذلك الوقت أن يتعاقد مع فرق مثل موذرز وذ فلفتس، وأن يصبح منتج ديلان” يقول مدير تسجيلات وارنر بروذرز السابق جيف جولد. “لم يحقق أي أحد إنجازًا مماثلًا من قبل. أما توم فقد كان يحقق مثل هذه الإنجازات، الواحد تلو الآخر.”
هذا الأسبوع، سيسلَّط المزيد من الضوء على الدور الذي لعبه ويلسون في تطور موسيقى ديلان، مع صدور ذ كاتينج إدج ١٩٦٥-١٩٦٦، أحدث إصدار من سلسلة ذ بوتلج سريس (سلسلة إصدارات لتسجيلات غير منشورة، حيّة أو بديلة لأغاني بوب ديلان)، والذي يوثق جلسات تسجيل ألبومي برينجينج إت أول باك هوم وهايواي ٦١ ريفيزتد، إلى جانب التسجيلات المبكرة لألبوم بلوند أون بلوند، التي سبقت إتمام تسجيل الألبوم في استوديوهات سي بي إس في ناشفيل. كون ويسلون كان المشرف على تسجيل برينجينج إت أول باك هوم، إلى جانب أغنية لايك أ رولينج ستون، بإمكاننا سماع صوته في عدة مواضع من التسجيلات، كسؤاله لديلان عن أسماء الأغاني قبل تسجيلها (عادةً ما كان ديلان يمازحه عبر الإجابة بالأسماء الخاطئة)، وضحكته المتفجرة والمعدية التي بإمكاننا سماعها في التسجيل المبكر من أغنية حلم بوب ديلان الـ ١١٥.
بشكلٍ مشابه لديلان، لم ينتمِ ويلسون إلى أيّ تصنيفٍ تقليدي. ولد ويلسون في تكساس عام ١٩٣١، لأبٍ يعمل كنائب مدير لشركة تأمين، وأم تعمل في مكتبة، ما جعله على احتكاك بالأمور الموسيقية والمالية على حدٍ سواء منذ عمرٍ مبكرة. لعب الترامبون والتشيلو في المدرسة الثانوية، ثم انتقل إلى الدراسة في هارفرد، حيث اختص في الاقتصاد، وانضمّ إلى نادي الجمهوريين الشباب. “كان جمهوريًا في الحقبة التي وجد فيها جمهوريون ليبراليون”، يقول صديقه لفترة طويلة جون ريتشو. “لكن مع قانون حقوق التصويت واستراتيجيات الجنوب، ودّع (ويلسون) انتماءه هذا، وأصبح ديمقراطيًا ليبراليًا.”
بعد التخرج بمرتبة شرفية من هارفرد، أطلق ويلسون شركة التسجيل الخاصة به، ترانزيشن، مدفوعًا بطموح أول العشرينات وبحبّه للجاز، ليصدر ألبوماتٍ لـ تايلور وصن را وآخرين. بعد أن أقفلت الشركة، انضم ويلسون إلى تسجيلات كولومبيا في منصب كشَّاف مواهب – حيث أصبح أول منتج أسود في تاريخ الشركة. رغم خلفيته في الجاز وعدم اكتراثه في البداية للفولك، تم تكليف ويلسون، الذي بدأ بالعمل لكولومبيا في ١٩٦٣، بإتمام تسجيل ألبوم بوب ديلان الثاني الذي استغرق سنواتٍ من العمل، ذ فريويلن بوب ديلان. “أتذكر أنه أخبرني ذات مرة عن حبه للجاز، وأنه عندما تم تعيينه من قبل كولومبيا، كلفوه بالعمل مع ديلان” يقول ابنه، توم ويلسون الثالث. “أخبرني: ׳كنت أنظر إلى هذا الفتى، مغني فولك صغير ومهزول … لكن كان لديه ما يقوله.׳”
كان ويلسون طويلًا وأنيق الملابس، يلعب التنس وذو شغفٍ بكرة القدم، يقود سيارته الزرقاء الرشيقة من طراز آستون مارتن خلال عطل نهاية الأسبوع متنقلًا بين عمله في منهاتن ومنزل أسرته في ماساشوستس. “لو لم يكن أوباما رئيسًا، لكان توم” تقول فيليس سميث، التي عملت كمساعدة لويلسون في إحدى المرّات. (“أسلوبه في اللباس صايع” يضيف كايل.) بموازاته بين الإقبال على المغامرات الصوتية والإلمام بسوق الموسيقى، يتفق الجميع على أن ويلسون كان المنتج الصحيح ليعمل مع ديلان في السنين المبكرة من مسيرته. “كان ويلسون ذكيًا، مبدعًا، ومتأهبًا دائمًا.” يقول مساعد ديلان، بوب نيوورث، “لم يتدخل بطريقة مسرفة حتى في التوزيع، لكنه كان يشرف على كل شيء على مستوى الموسيقى، هو وبوب انسجما مع بعضهما. فهما بعضهما. كان توم منفتحًا على ما يقوم به بوب، وكان بوب يحترم توم. ليس هناك مجال للتقليل من مساهمة توم (في أعمال ديلان).” (في وثائقي المخرج دي آي بينيبايكر، دونت لووك باك، والذي يتتبع ديلان في جولة حفلات، يمكن رؤية ويلسون في الخلفية، يقف مشاهدًا بينما يكتب ديلان أغنية.)
مع الوقت، أنتج ويلسون ألبومي ذ تايمز ذاي آر أ تشاينجن، وأنذر سايد أف بوب ديلان (واقترح عنوان الألبوم الأخير، الذي كان ديلان غير مرحبٍ به في البداية). رغم أن تسجيلات ديلان في فترة ما قبل ويلسون قد ضمّت موسيقيين مساندين، إلا أن آخر ألبوم أنتجه له ويلسون بالكامل، برينجينج إت أول باك هوم، كان أول خطوة حقيقية لديلان نحو الروك آند رول الكهربائي.
على عكس المنتجين الذين يتدخلون بشكلٍ سافر مثل فيل سبيكتر، كان أسلوب ويلسون بالعمل أكثر أريحيةً نسبيًا. الصورة التي يتذكرها معظم الناس عن ويلسون، أنه كان يجلس في حجرة التحكم – يجري مكالماتٍ هاتفية، يتصفح المجلات، ويستقبل زواره (غالبًا إناث) فيما يبقي عينًا واحدة على الموسيقى التي يتم تسجيلها على الجهة الأخرى من النافذة الزجاجية. “كان شخص رواق” تقول فيليس سميث مع ضحكة حميمية. “أتخيله وهو يسند رأسه للخلف، وعيناه مغلقتان، يستمع للموسيقى ويستوعب كل ما يدخل أذنيه.” في هذا السياق، مهد ويلسون الطريق للمنتجين اللماحين وقليلي التدخل الذين أتوا من بعده: “لقد حدد دور نوعٍ محددٍ من المنتجين” يقول المنتج الحائز على جرامي كريج ستريت. “المنتج الهادئ الذي يجلس في الخلف، مثل ريك روبين أو تي بون برنيت. قبل توم، لم يكن هذا النموذج موجودًا.”
خلال عمله مع ديلان وموسيقيين آخرين، من بينهم ديون وبيت سيجر، أشرف ويلسون أيضًا على ألبوم سايمون آند جايرفانكل الأوّل. عندما أخفق الألبوم تجاريًا، انفصل الثنائي، وكان سايمون يلعب عرضًا في إحدى أندية الفولك في إنكلترا عندما تفاجأ لسماعه تسجيل ويلسون لجيتارات كهربائية وبايس وطبول على أغنيتهم التي كانت هوائية بالأصل، ذ ساوند أف سايلنس. (تمت إضافة بعض الآلات على هذه الأغنية من قبل بعض الموسيقيين بعد انتهائهم من إحدى جلسات تسجيل لايك أ رولينج ستون لديلان.) أصبحت الأغنية المفعمة بالروك أولى أغاني سايمون آند جايرفنكل التي تتصدر قوائم المبيعات، وأنقذت مسيرة الثنائي. لا يزال يتذكر ابن ويلسون اليوم الذي حضر فيه والده حفل تخرجه من الصف الثامن في المدرسة، حيث كان التلاميذ يغنون ذ ساوند أف سايلنس. انتبه ويلسون الابن إلى مشهدٍ غير مألوف وهو ينظر إلى الجمهور: دمعة تسيل على خد والده. “كان مشهدًا لا يتفق مع شخصيته إلى مدىً بعيد” يقول ويلسون الثالث. “قلت له: بابا، هذا ليس سوى حفل تخرج الصف الثامن – لا يزال هناك الكثير من هذه الحفلات على الطريق. لكنه أخبرني: ׳لا مان، ليس (ما يبكيني) حفل التخرج – إنهم يغنون أغنيتنا هنا. لقد أصبحت أغنية تخرج تقليدية.׳ كانت لحظة هامة جدًا بالنسبة له.”
كان ويسلون حاضرًا في الاستوديو أيضًا عندما سجّل ديلان أغنيته الأسطورية لايك أ رولينج ستون، لكن هذه الأغنية أصبحت آخر تعاونٍ يجمع الاثنين. لا يزال من غير الواضح لم قرر ديلان الانتقال إلى منتجٍ آخر (بوب جونستون) لإنهاء تسجيل ألبوم هايواي ٦١ ريفيزتد. يقول أحد المصادر أن ديلان بدأ يشعر بالنزق وبحث عن تغييرٍ موسيقي. (“قال: ربما علينا أن نجرب العمل مع فيل سبكتر” تذكر ويلسون لاحقًا.) تقول رواية أخرى أن ديلان تعب من رؤية ويلسون يجري مكالماتٍ هاتفية خلال جلسات التسجيل، وقال لأحد زملائه: “لو دخلنا الاستوديو وعثرنا عليه على التلفون، ستكون نهاية عملي معه.” عندما كان ويسلون يعمل مع ذ فلفت آندرجراوند بعد ذلك بفترة قصيرة، قال كايل إن لو ريد كانت لديه مخاوف مماثلة حول ويلسون: “لم يعتقد لو أن ويلسون كان يركز معنا. كان يستقبل الزوّار في الحجرة الخلفية.”
في مقابلته مع ديلان عام ١٩٦٩، سأل محرر مجلة رولينج ستون، جان وينر، ديلان عن هذا التغيير، وأجابه ديلان: “حسنًا، لا أستطيع التذكر جان. لا أتذكر … كل ما أعرفه أنني كنت أسجل في إحدى الأيام، وكان توم هناك دائمًا – لم يكن لدي سبب يدفعني للتفكير بأنه لن يكون هناك – وعندما رفعت رأسي رأيت بوب (جونستون) مكانه.” عندما سأل وينر حول ادعاء ويلسون بأنه السبب وراء تحول ديلان إلى الموسيقى الكهربائية، أجاب ديلان: “هل قال ذلك؟ طيب، لو قال هذا … (يضحك) حلال عليه. (يضحك) لقد كان مسؤولًا (عن انتقالي للموسيقى الكهربائية) بالفعل إلى مدىً ما. هذا حقيقي. لقد كان مسؤولًا عن ذلك بالفعل. لقد كان لديه صوت (محدد) في باله.”
في ١٩٦٦، حين كان يشعر ويلسون بأنه لا يحصل على التقدير الكافي في تسجيلات كولومبيا وفقًا لرواية البعض، غادر الشركة وانضم إلى تسجيلات إم جي إم، حيث تعاقد مع ذ فلفتس وذ موذرز أف إنوفايشنز لصالح Verve، شركة التسجيل الفرعية التابعة لـ إم جي إم، في حركة تدل على دعم ويلسون لصوت الروك الحاد والحديث آنذاك. أشرف آندي وورهول على تسجيل ألبوم الفرقة الأول، ذ فلفت آندرجراوند آند نيكو، لكن ويلسون أمسك بزمام الأمور في الألبوم الثاني، وايت لايت / وايت هيت، وسمح لأعضاء الفرقة بحرية إبداعية مطلقة، خاصةً في أغنيتهم ذات السبعة عشر دقيقة، سيستر راي. “لم نكن منبهرين بعمله على ساوند أف سايلنس بقدر ما انبهرنا بما حققه مع ديلان” يقول كايل حول قرار الفرقة بالعمل مع ويلسون. “نظرنا بطموح إلى ديلان. كنا نجرب فكرة أن نكون الفرقة التي ترتجل أغانيها في كل حفل. أردنا أن نوسع صوتنا – ورأى توم ذلك مثيرًا للاهتمام.”
لطالما قال زابّا، المعروف لكونه موسيقيًا متطلبًا، كلماتٍ مفعمة بالاحترام حول ويلسون، الذي لم ينتج ألبوم فريك آوت! وحسب، بل أنتج ألبومي موذرز التاليين. “كان روحًا حماسيةً – كاريزماتي، مرموق، ومصدر للطاقة لكل من حوله” قال زابّا عن ويلسون. “كان من المذهل كيف جمع بين كونه خريج إحدى الجامعات المرموقة وامتلاكه ذكاء الشوارع في ذات الوقت.” خلال عمله مع تسجيلات إم جي إم / فيرف، أنتج ويلسون أيضًا ألبوم تشيلسي جرل (نيكو) وألبوم بروجكشنز لفرقة بلو بروجكت (كان عازف الكيبورد في الفرقة، آل كوبر، أحد أصدقاء ويلسون المقربين)، كما كان وراء حقبة النجاح الثانية التي عاشتها فرقة ذ آنيمالز بعد أن أصبح اسمها إريك بردون آند ذ آنيمالز، لتعود الفرقة إلى قوائم المبيعات مع أغاني سكاي بايلوت وسان فرانسيسكان نايتس، التي دفعت بالفرقة إلى اعتناق الأسلوب الهلوسي لتلك الحقبة بالكامل.
رغمًا عن نجاحه كشخص أسود في ذلك الوقت، لم ينظر ويلسون إلى إنجازاته على أنها إنجازات سياسية بالضرورة. “لم يكن يفكر بعقلية: ׳سأكون أول من يحقق هذا النوع من النجاح׳” يقول ابنه، “بل كان أقرب للتفكير بعقلية: ׳لا يبدو لي أن هذه الأمور من غير الممكن إنجازها.׳ كان أقرب من روح الدهشة والريادة من أن يكون ساخطًا ضد السلطة. لم يكن ينتمي لحركة الضد تأسيسية (anti-establishment)، بل أراد أن يكون متحكمًا بقدره.”
بعد أن ترك إم جي إم في ١٩٦٨، أسس ويلسون شركته الخاصة – التي كانت هجينًا بين شركة إنتاج ونشر وشركة كشف مواهب – علاوةً على ذلك، أسسها في حي بروكلين الذي كان حيًا غير جذاب أو عصري آنذاك. لكن مسيرته كمنتج تسجيلات لم تعد كما كانت من قبل. معظم الفنانين الذين عمل معهم لم يقتربوا حتى من إنتاج تسجيل ضارب. (باستثناءٍ واحد، أغنية دونت بوجارت مي لفرقة فراترنتي أف مان، والتي ظهرت ضمن الموسيقى التصويرية لفيلم إيزي رايدر.) “عندما كان يعمل مع شركات تسجيل، كان ينتج لفنانين متعاقدين مع شركات التسجيل” يقول ريتشو، “لكن عندما انتقل إلى مؤسسته الخاصة، كان يتبنى مواهب خام ويحاول تطويرها لتتحول إلى فنانين قادرين على النجاح. هذا ليس بالأمر السهل، وفرص أن تصدر تسجيلًا ضاربًا من فنان تعمل عليه من الصفر، ليست بالفرص القوية كأن تنجح مع فنان أسس نفسه بالفعل.” وفقًا لأحد أصدقاء ويلسون، فإن عوامل أخرى في أسلوب حياته (التي أدت إلى طلاقه في نهاية المطاف) قد تكون قد أضرّت بمسيرته بالمثل. “صاحب توم نساءً بيضاوات” يقول صديقه، “وكان ذلك بمثابة مشكلة تغلي تحت السطح لدى مدرائه ولدى الفنانين.”
في بداية السبعينات، انتقل ويلسون إلى لوس آنجلس وكان من الشركاء المؤسسين لتسجيلات ريكورد بلانت، إحدى أكثر الاستوديوهات انشغالًا في المدينة. استمر بالعمل كمنتج في الاستوديو، لينتج أعمالًا لـ جيل سكوت هيرون وكانتري جو وذ فيش، لكنه في ذات الوقت بدأ بالتفكير بالحياة خارج حدود إنتاج التسجيلات، وتضمن ذلك مسرحًا، شاشة وعدة أجهزة إسقاط ضوئي. في خطابٍ ألقاه في مؤتمرٍ موسيقي ذلك الوقت، قال على نحوٍ تنبؤي: “نحن ندخل عصرًا من وسائل التواصل المعقدة والمختلطة، حيث ستصبح المعلومات على اختلافها – من صور وأصوات ورموز – مدمجةً في أنماط ترفيه جديدة مترابطة.” آخر الذكريات التي تجمع كايل بـ توم كانت لقاءهما خلال عرض فيلم في لوس آنجلس. “ظهر لي توم، تبدو عليه الدماثة، يحمل حقيبة بريدية صفراء عملاقة متخمة بالسكريبتات” يقول كايل، “أخبرني: ׳لدي هذا الشيء هنا وذلك الشيء هنا.׳ يالها من صورة! لكن هذه الصورة التي تحتاجها لتنجح في هوليود.”
في سبيل ما كان يمكن أن يصبح مشروع شغفه، بدأ ويلسون العمل على أوبرا آر آند بي: مايند فلايرز أُف جوندوانا. “أحب توم الموسيقى، لكنها لم تكن غايته المطلقة،” يقول ريكو. “أراد أن يكون مبدعًا خالقًا.” كُتبت الكلمات ووُضعت الموسيقى، وكان في ذهن ويلسون فريق مؤدين ضمَّ جلاديس نايت وميني ريبرتون وذَ رايتشَس برذرز. للأسف، بُتر الفصل التالي من مسيرة ويلسون بشكل تراجيدي. عانى من متلازمة مارفان، مرضٌ يسبب ضعفًا في الشريان الأبهر ويصيب عادةً طوال القامة النحيلين وأصحابَ الأضلاع الطويلة، مثل ويلسون. أصابت ويلسون أول سكتة قلبية في ١٩٧٦ وتعافى منها، لكن الثانية التي أصابته بعد عامَين قتلته عن عمر السابعة والأربعين. رغم اختلافاتهما السابقة، حضر ديلان تأبين ويلسون.
لعقودٍ لاحقة، ضاع اسم ويلسون من مكانه في التاريخ. حتى اليوم، لا تكسب أسرته من حقوق الملكية الفكرية للتسجيلات التي عمل عليها، حيث وقّع ويلسون على عقود العمل في حقبة لم يحصل فيها المنتجون على حقوق مماثلة. اسم وصورة ويلسون مغمورين لدرجة أن بعضًا من العاملين في صناعة الموسيقى لم يعرفوا أنه كان ذو أصول إفريقية. قبل حوالي عشرين عامًا، كان المنتج كريج ستريت والصحفي كريج تايت يشاهدان فيديو يظهر ويلسون فيه، وانصدم كلاهما عند معرفة ذلك. “قال كريج: ׳هل كنت تعرف أنه كان أخًا (brother)؟׳” يتذكر ستريت. “كنا مصعوقين. بالنسبة لكلينا، كان وكأن السماء قد انفتحت لنا.”
قد يصل حق ويلسون إليه أخيرًا في الذكرى الخمسين لصدور لايك أ رولينج ستون، إحدى أغنيتي ويلسون المفضلتين من عمله مع ديلان (الأخرى سبتيرانيان هومسيك بلوز)، حيث أطلق المؤرخ والصحفي الموسيقي إروين تشوسيد موقعًا بحثيًا موسعًا يفصّل مسيرة ويلسون وأرشيف أعماله. يستكشف المخرج مارشال كرنشاو فرصة تسجيل وثائقي عن حياة ويلسون، فيما يبحث الكاتب المسرحي من أتلانتا، كالفين رامزي، تحضيرًا لمسرحية مبنية على الحياة والمسيرة الفذتين لويلسون. بالنسبة للموسيقيين الذين عملوا معه، يحيى ميراث ويلسون في التسجيلات التي أنتجها. “لقد فهم ما كنا نحاول قوله” يقول كايل. “كان ضمن التيار الحداثي التجريبي، ورأى ما وراء توزيعنا. استمرينا بدفع الحدود والارتجال، ولم يتردد ويلسون (في دعمنا).”