آيكون تي باين أوتوتيون معازف ملف akon t pain آيكون وتي-باين
الأوتوتيون

آيكون وتي-باين لم يستطيعا الانتظار

عمار منلا حسن ۱۵/۱۰/۲۰۱۸

في بداية الألفينات، أدرك الرابرز فجأةً أن أغانيهم ستدخل قوائم المبيعات بسهولة أكبر في حال احتوت على لازمة آر آند بي غنائية تكسر نبرة الراب الأحادية. لعدة سنوات كان الاسم المهيمن على غناء هذه اللازمات هو آيكون. ما بين ٢٠٠٥-٢٠٠٩، كان من المستحيل تفادي آيكون على الإذاعات التجارية في الولايات المتحدة، فإلى جانب النجاح الواسع الذي حققته ألبوماته الطويلة الثلاثة وسيل مكستايباته، ظهر آيكون مع الجميع: إمِنِم، ليل واين، دي جاي خالد، ريك روس، سنوب دوج، مايكل جاكسون، جوين ستيفاني، يانج جيزي، فيفتي سنت، ثري سيكس مافيا، باستا رايمز … الجميع.

كان واضحًا أن صوت آيكون عامل رئيسي في هيمنته، لكن كان فيه شيء مراوغ وغامض، دفع الجميع للتساؤل: هل يستخدم آيكون الأوتوتيون؟ أتت الخدعة من كون صوت آيكون حادًا وجافًا، أنفيًا ومتهدجًا بشكلٍ خلق رنينًا داخليًا طبيعيًا، أخطأه العديدون على أنه تأثير الفايبراتو الناتج عن الاستخدام المسرف لمعالجات الصوت الإلكترونية. إلى جانب صوته، كان هناك أسلوبه النادر والسبّاق في الأداء، الذي لم يكن بخشونة وتقطع الراب ولا بانطلاق وتحرر الآر آند بي التقليدي، كان شيئًا وصفه آيكون نفسه دائمًا بكونه أحد “الرابرز الذين يغنون.” هو إلى حدٍ بعيد، لو رجعنا إليه اليوم، شكلٌ مبكر من التراب الغنائي الذي أصبح من المستحيل تفاديه على الإذاعات التجارية اليوم.

هذا لا يعني أن آيكون لم يستخدم الأوتوتيون على الإطلاق، بل يعني فقط أننا في معظم الأحيان لم نكن قادرين على الجزم بما إن كان يستخدمه أم لا. في كل مرة تسَلّقت بها إحدى أغانيه قوائم المبيعات، بدا الأمر كعرض سحر، حيث يجتمع الحاضرون بدهشة محاولين تخمين ما الذي يحدث. في معظم الأوقات انفضّوا عاجزين عن الإجماع على أي نتيجة، دون أن ينقص ذلك من استمتاعهم. أصر الكثيرون على أن آيكون يستخدم إعدادات خاصة به على الأوتوتيون جعلته يولّد ذلك الصوت الزلق الذي لم يسهل تمييزه عن صوت غنائه الطبيعي. عند مواجهته بسؤالٍ عن هذه “الإعدادات الخاصة” في مقابلة، قال آيكون: “الصراحة، هذه موهبة طبيعية، لإن تون صوتي تجامل تون الأوتوتيون بشكلٍ مثالي، ليس هناك أي (إعدادات) خاصة، أستخدم نفس الأوتوتيون الذي يستخدمه الجميع.”

بقدر ما عرف آيكون أن نجاحه آتٍ من موهبة طبيعية عرف كيف يطوعها، بقدر ما تنبأ أنه عاجلًا أم آجلًا سيأتي آخر جديد من الـ “رابرز الذين يغنون” ويزاحمه في السيطرة على السوق. لم يعانِد، بل قرر ببساطة العثور على هذا الرابر قبل بزوغه للشهرة والتعاقد معه في شركة تسجيلاته الخاصة، لتبقى المصلحة داخل العائلة كما يقولون. على مدى الأعوام، اكتشف آيكون وتعاقد مع عدد من أهم الرابرز ومغني الآر آند بي والبوب الإلكتروني. حملت العديد من الأغاني المبكرة لـ لايدي جاجا وسي هاي ذ برِنس وفرِنش مونتانا بصمة آيكون الصوتية وهو يهتف باسم شركة التسجيل الخاصة به: كونفِكت ميوزك. لكنني لا أزال أعتقد أن اكتشافه الأهم كان عام ٢٠٠٤، حين استمع آيكون إلى أغنيته التي أدت لشهرته، لُكد آب، يؤديها مغنٍّ مغمور بعد أن جذبها نحو الهيب هوب قليلًا. كان هذا المغني هو فهيم رشاد نجم، أو كما عرف لاحقًا باسمه الغنائي: تي-باين.

تعاقد آيكون مع تي-باين مباشرةً، وأشرف على إنتاج ألبومه الأوَّل رابا ترنت سانجا (رابر تحوَّل إلى مغني) الذي أصبح أول ألبومٍ يصدر عن تسجيلات كونفِكت ميوزك الخاصة بـ آيكون. على خلاف آيكون، لم يداري تي-باين استخدامه للأوتوتيون، بل هرس الفوارق بين الراب والجوسبل والآر آند بي تحت ثقل الأوتوتيون المستخدم بإسراف. كان رابا ترنت سانجا ألبومًا أغضب البعض وأرقص الجميع، عُثر على معجبيه في الأندية الراقصة أكثر مما عُثر عليهم على حلقات النقاش الإذاعية. كان إحدى الحالات التي يصح فيها المثل: أي تغطية صحفية هي تغطية جيدة.” كلما تعرض تي-ياين للهجوم من باب أنه يلجأ للأوتوتيون لعجزه عن الغناء، كلما ثبت موقعه كـ عميد الأوتوتيون في أمريكا.

ضمّ آيكون وتي-باين صوتيهما في أكثر من مناسبة، لعل أشهرها أغنية بارتندر التي صدرت في ألبوم تي-باين الثاني (وثالث الألبومات الصادرة عن تسجيلات كونفكت) إبيفاني. كانت بارتندر نقطة فارقة في الحرب التي خاضها الأوتوتيون وانتصر بها رغم كل شيء، بمبيعات تجاوزت المليون نسخة واحتلال غاشم للأندية الليلة. بعد عامين من صدور بارتندر، وصل الفيديو الخاص بها إلى يوتيوب، وكان الجمهور لا يزال متعطشًا للأغنية التي شوهدت حوالي ١٣٠ مليون مرة حتى اليوم.

على كلٍ، لا أعتقد أن بارتندر هي أهم تعاون بين الاثنين. عند تسجيل ألبومه الأوّل، قرر تي-باين استثناء أغنية مغرقة بالأوتوتيون حدّ الثمالة اسمها يو آند مي، ربما استثناها لأنه لم يرد التمادي. سمع آيكون الأغنية وأعاد تسجيلها مع تي-باين، لتصدر في ألبوم آيكون الثاني وأحد أكثر ألبومات العقد أيقونيةً، كونفكتد. بينما يتنقل آيكون على طول الأغنية بين ثلاث طبقات متجاورة في الصوت، يظهر الأوتوتيون بوضوح في إحداها وبخجل في الثانية ولا يظهر في الثالثة، يجلس تي باين على البيانو عازفًا كورداتٍ بلوزية جزلة، ومغنيًا الأسطر التي قد تكون وضعت يد الجوسبل على كتف الأوتوتيون، ومهدت الطريق لمعالج الصوت لدخول الكنيسة والغناء الديني. ساعد على ذلك كون آي كانت وايت من أغاني آيكون وتي-باين المشتركة النادرة، ربما الوحيدة، التي تحتفي كلماتها بحبٍ رومنسيٍ ساذج (نسبيًا) بدلًا من مجازات الغزل السوقي.

عندما صدرت آي كانت وايت ضمن ألبوم كونفيكتد عام ٢٠٠٦، استمعت إليها مرارًا وتكرارًا. كانت قنوات الأفلام الأجنبية الشائعة كـ إم بي سي تو ودبي وَن قد هيأتني للاحتفاء بفيديو الأغنية وهذه النسخة من الرومنسية سهلة الرواج، فاعتقدت أنها أفضل شيء حدث في الموسيقى المعاصرة آنذاك. منذ ذلك الوقت حصل الكثير، انحرفت مسيرتَا كانيه وست وليل واين نحو الأوتوتيون، وبحلول ٢٠٠٩ أصبح الأوتوتيون خطًا فاصلًا بين الجيل الجديد والقديم في الراب. بدا ذلك واضحًا عندما افتتح جاي زي ألبومه بلوبرينت ٣ بأغنية موت الأوتوتيون (دي أو إيه)، التي جاء سطرها الأوّل بتوعد: “هذا موت الأوتوتيون، موت الرينجتون”، مشيرًا إلى تي-باين وآيكون بالترتيب، كون آيكون قد عرف بـ ملك الرينجتون نظرًا لتحقيقه مبيعات هائلة في سوق نغمات رنين الهواتف الجوالة. ثم استهدف جاي زي بكلامه تي-باين مباشرةً: “صرتوا تغنوا زيادة / إرجعوا للراب، قلبتوها تي-باين زيادة.”

لكن أحدًا لم يرجع إلى الراب.

استمرت الهجرة نحو الراب الغنائي والأوتوتيون. حتى الرابرز الذين امتدحهم جاي زي في هذه الأغنية ذاتها كـ ليل واين انقلبوا عليه في إفاداتٍ علنية، وأخذوا صف تي-باين صراحةً. قيل إن كانيه، أحد منتجي ألبوم بلوبرنت ٣، لم يكن سعيدًا بالأغنية بدوره. لم يمر الكثير من الوقت حتى بدأ جاي زي بتهدئة الإفادة العنيفة التي أتت بها الأغنية، وأشاد خلال مقابلة بكل من تي-باين وليل واين وكانيه، واستخدامهم للأوتوتيون.

بعد كل هذه الانتصارات والمزيد منها، قرر تي-باين منذ بضعة أعوام تفجير مفاجأة أخيرة. ظهر في عدة عروض غنائية حية، وغنَّى بصوته الحقيقي. أيام وغرق الإنترنت بمقالات حملت عناوينًا من قبيل: ندين لـ تي باين باعتذار بعد سماعنا صوته من دون الأوتوتيون، ليثبت مرةً وللأبد أن ما قام به كان دائمًا تفضيلًا جماليًا وأسلوبيًا، لا هربًا من صوتٍ يعاني ضعفًا في الخامة أو المجال الديناميكي.

عندما عدت إلى آي كانت وايت مؤخرًا وأنا أعمل على المقال، توقعت أن أحبها لأسبابٍ نوستالجية، وأن ألاحظ بوضوح المسافة الشاسعة التي قطعها الغناء بالأوتوتيون منذ ذلك الوقت، لكن ذلك لم يحصل. عودة سريعة إلى آي كانت وايت كانت كافيةً لإدمانها مجددًا، وأن أدرك أن آيكون وتي-باين ليسا رائدين فحسب، وإنما فنانين أصيلين وموهوبين. عند الحديث عن الأوتوتيون اليوم، تُذكر أسماء شير وكانيه وليل واين وفيوتشر ويانج ثاج، وننسى أنه في عام ٢٠٠٦، سجَّل آيكون وتي باين هذه التحفة المبكرة، لأنهما لم يستطيعا الانتظار.

المزيـــد علــى معـــازف