.
تصدّرتْ أسماءٌ مثل النقشبندي وصباح فخري ولطفي بوشناق مشهد ابتهالات ومدائح رمضان لعقود فائتة، بما لا يترك حاجة لتكرار الإشارة إليها في نفس السياق. في هذه القائمة نسلّط الضوء على أصواتٍ تركت أثرًا بنفس العمق، لكن ضمن محيط أكثر محليّة. جمعنا أسماءً من نواحي الوطن العربي، تنوّع أداؤهم بين الإنشاد والإلقاء الشعري والتلاوة والطرب، وحضروا الموالد النبوية واقترن ذكرهم بروحانيات رمضان.
أدت الفنانة التونسية صوفية صادق أغنياتٍ طربية مثل أروح لمين وقصائد مثل يا سيدي أسعِف فمي التي غنتها للملك حسين، وابتهالاتٍ دينية أشهرها أجرني إله العرش، كتب كلماتها الشاعر عبد المجيد بن جدو، ولحّنها الموسيقار الناصر صمود. أسفل مقاطع صوفية على يوتيوب، تلاحظ كتابات المعلّقين الذين يستعيدون ذكرياتهم على صوتها ويشيدون به لارتباطه في الذاكرة الجمعية بوقت قبيل الإفطار.
عُرِف الشاعر اليمني جابر أحمد رزق بعزفه على القنبوس مع أداءٍ للشعر الحميني، وهي التسمية اليمنية للزجل الذي تختلف تسمياته باختلاف المنطقة التي يأتي منها مؤدّيه. كتب رزق العديد من الكتب عن الشعر وله دواوين شعرية وقصائد بالتركية، إذ كان موظفًا حكوميًا لدى الأتراك في منطقة الحديدة غرب اليمن. تأثر عند انتقاله إلى مناطق نفوذ الأتراك بالصوفيّة، وتوجّه إلى الإنشاد الديني. يُعد من أهم أسماء الشعراء اليمنيين في القرن التاسع عشر، ولا يزال إرثه الشعري المقترن بشهر رمضان يُردد حتى اليوم، ليضعه بين أهم الأصوات الرمضانية رغم ندرة التسجيلات الباقية بصوته.
برز صوت عبد الرحمن المؤذن ضمن الأصوات الستة التي كانت تصدح بالأذان في جنبات الحرم المكيّ في ذات الوقت. سُمّي بالأبلاتين لقوة صوته ووسع مداه، إذ كان يملأ مساحة الحرم دون الحاجة لميكروفون، فعُدَّ صوتًا أصليًا مثل الذهب الأبيض / البلاتين. أدّى المؤذن العديد من الموّالات والأناشيد في المجالس، ورتّل القرآن برفقة حسن لبني. من أشهر أداءاته الموّال الحجازي أنساك كيف أنساك، وعلى العقيق اجتمعنا. لُقِّب عبدالرحمن المؤذن بملك المجسّات، والمجسّ هو أسلوب شعري امتاز به أهل الحجاز وأتقنه أشخاص مثل الملحّن الشيخ حسن جاوه والشيخ حسن لبني.
أسس محمد الدوب فرقة خاصة حملت اسمه لتأدية المالد، الفن المرتبط بمدائح النبيّ في الكويت، وكانت أكثر الفرق شهرةً ويُطلَبون في المنازل والديوانيات. يُلقي رئيس الفرقة شعره منفردًا ثم ينضم له باقي الأعضاء والحضور بالترديد الإيقاعي مع حركة أجسادهم يمينًا ويسارًا. عُرِف الملّا بمزجه بين الدارجة العامية مع أبيات شعرية معروفة، مثل قصيدة الله وليّ، وله قصائد محفوظة في الذاكرة الجمعية مثل صلى عليك الله يالعدناني، والتي استعادها منشدون مثل مسعود كرتس. يتحدث الملّا في هذه المقابلة عن طلب الناس لفرقته ليلة استقبال الشهر لتأدية المدائح في منازلهم، واستمرارهم على نفس الوتيرة طوال الشهر.
من جيل المقرئين الأول في المجالس والمحافل في مكّة. درس القرآن في المدرسة الفخرية على يد الشيخ حسين مرداد، ثم تلّقى القراءات السبع في الشاطبية، وانتقل بعدها إلى المدرسة الصوليتية. له تسجيلات في العديد من المجالس تتنوع بين القصائد المتغنيّة بشهر رمضان، والمدائح النبوية. رافق العديد من مشايخ مكة المعروفين وأسس مع السيد محسن المساوى مدرسة دار العلوم الدينية في مكّة.
بجانب لطفي بوشناق وصوفية صادق، يكمّل علي البراق الثلاثي الرمضاني التونسي. عُرف علي البرّاق كصوتٍ للأذان لا زال يُذاع حتى اليوم في تونس. يمتاز أسلوبه بالسكينة وقِصر المد في جمله، ليكون أحد أرّق الأصوات التي تؤدي المدائح والابتهالات. أشاد به طه حسين حين قال: “إنّ صوته يُعيدنا إلى الزّمن الأوّل لنزول القرآن وبدء الحضارة العربيّة”، وأُعجِبت به أم كلثوم حين سمعت ترتيله في مقرّ شركة النغم للأسطوانات لدى زيارتها لتونس عام ١٩٦٨.
فشل نصر الدين طوبار في اختبارات الإذاعة المصرية ست مرّات، قبل أن يصبح واحدًا من أهم أصوات الابتهالات المصرية. يعدّ صوته ركيزة شهر رمضان في مصر، إذ تبثه الإذاعة قبل المغرب وعند السحور. كان الشيخ مقرئًا في مسجد الخازندار في شبرا، وقدّم ما يتجاوز مائتي ابتهال عالق في ذاكرة المصريين مثل يا مجيب السائلين ويا مالك الملك.
من أولى الأصوات التي وصلت إذاعات سوريا في الإنشاد، له رصيد كبير من التسجيلات الدينية وتاريخ حافل بالتعاونات مع منشدي جيله مثل فرقة مُسَّلم بيطار. ارتبط اسم المنجّد بشهر رمضان في سوريا لأن الإذاعة كانت تبث تلاوته وقت السحور، وصار يؤدي الموالد وجلسات المدائح بعد أن ذاع صيته وفرقته في أوساط دمشق. ظلّ المنجّد رئيسًا لرابطة المنشدين التي أسسها مع فرقتي حمزة شكور وسليمان داوود حتى وفاته عام ١٩٩٨.