.
يُروى في الأثر أن الرسول دخل بيته صباح العيد، فوجد جاريتان تغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش، وحين دخل أبو بكر في أثره انتهرهما، وقال: “مزمارة الشيطان عند النبي”، فأقبل عليه الرسول وقال: “دعهما يا أبا بكر، إنّ لكلّ قوم عيدًا؛ وهذا عيدنا.”
كان موقع الموسيقى والغناء في الإسلام دائمًا موضع جدلٍ، بين من يعتبره شكلًا من أشكال التعبير الفني المباح، وبين من يحرمه ويغالي في تحريمه استنادًا إلى نصوصٍ دينية وآراءٍ فقهية. لكن المواقف تجاه الموسيقى تختلف بشكل كبير في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، حيث تتأثر بالعادات المحلية، والتأثيرات التاريخية، والديناميكيات الاجتماعية.
في المجال الإسلامي غير العربي، في تركيا وإيران وجنوب آسيا، تلعب الموسيقى دورًا محوريًا في الحياة الدينية والدنيوية، وتحظى أصناف منها، لا سيما الصوفية، بقبول واسع ويُحتفى بها. كما تدمج دول مثل إندونيسيا وماليزيا الأنماط الموسيقية المحلية مع الطقوس، وتُحيي فرق الدانغدوت والغاميلان حفلات موسيقية في حفلات الأعراس والمهرجانات، ما يعكس تعايشًا متناغمًا بين الإيمان والثقافة. كذلك الشأن في المجتمعات الأفريقية المسلمة، حيث للموسيقى ارتباط وثيق بالروحانية.
في المقابل يبدو الجدل أشد في المجال الإسلامي العربي، بسبب تأثيرات الصحوة الإسلامية منذ نهاية السبعينات، حيث لم يكن هذا الجدل قويًا قبل ذلك، بل جاء أغلب كبار الغناء من أوساط النشيد الصوفي وترتيل القرآن. إلا أن ارتباط العيد بالغناء والمرح، يبدو أقوى من كل حواجز الفقه والأعراف.
في عيد الفطر، تتجاوز الموسيقى هذه الاختلافات بتوحيد الناس من خلال مشاعر مشتركة من السعادة والشكر. سواءٌ من خلال الأناشيد الدينية أو الألحان الشعبية أو الأغاني المعاصرة، تعكس أغاني العيد تنوع الثقافات الإسلامية، وتعزز في الوقت نفسه قيم الترابط الثقافي. في هذه القائمة نرصد لكم أغانٍ من ثقافاتٍ ولغاتٍ مختلفةٍ تدور حول الاحتفال بالعيد.
منذ أن غنتها في فيلم دنانير عام ١٩٤٠، أصبحت أغنية أم كلثوم يا ليلة العيد آنستينا جزءًا أساسيًا من أجواء العيد، في مصر وعموم العالم العربي، حيث دأبت الإذاعات على بثها في هذه المناسبة.
أيضًا، هي الأغنية التي كانت طالع سعدٍ على كوكب الشرق، إذ منحها بفضلها الملك فاروق وسام الكمال ولقب صاحبة العصمة، بعد أن غنتها له ليلة عيد الفطر ١٣٦٣ هجري، ١٧ سبتمبر عام ١٩٤٤ في حفل للنادي الأهلي المصري. ربما فتحت أم كلثوم بذلك تقليدًا في غناء الأعياد، خلافًا لما كان سائدًا من سيطرة السماع الصوفي والأناشيد الدينية على مثل هذه المناسبات.
من أرق من غنى في العيد اليمني فؤاد الكبسي، في أغنيته آنستنا يا عيد. ينحدر الكبسي من عائلة مهتمة بالعلم والأدب والشعر، فقد كان والده عبد الله هاشم الكبسي من أشهر شعراء الأغنية اليمنية، والذي كتب الشعر الحكمي الفصيح والحميني الشعبي. كما برع نجله فؤاد في الغناء والعزف على العود وأتقن المقام الصنعاني.
أما في تونس فقد ذاعت شهرة أغنية السيدة نعمة الليلة عيد، منذ أن غنتها لأول مرةٍ في الستينات، حتى أصبحت الأغنية الرسمية للعيد في البلاد.
كانت نعمة (اسمها الحقيقي حليمة الشيخ) من المغنيات اللواتي صعدن في الخمسينات، عندما انضمت إلى المعهد الرشيدي للموسيقى التونسية، حيث رعاها الموسيقي صالح المهدي تحت جناحه بعد أن سمع أحد عروضها، وأعطاها اسمًا فنيًا عرفت به منذ ذلك الحين؛ كما قام بتأليف أول أغنية لها من كلمات محمد الجموسي وهي الليل آه يا ليل.
أدت نعمة برعاية المهدي عروضًا في حفلات المعهد التي بُثت على الإذاعة. لكن شهرتها بدأت في حفلات ليالي رمضان التي كانت تقام في قاعة الفتح بباب سويقة، مع فرقة رضا قلعي.
استمر العيد في الأغاني العربية المعاصرة موضوعًا حاضرًا بقوةٍ؛ حيث تشكل المناسبة فرصة للمغنين لتقديم أغانٍ من شأنها أن تخلد إذا جذبت الناس لاستعادتها في كل عيد. كما في حالة جانا العيد لـ عبد المجيد عبد الله والليلة عيد للمصري حكيم وأغنية ماجد المهندس العيد هل بفرحته.
في المجال الإسلامي غير العربي – والذي لا نعرف الكثير عن تقاليده الموسيقية المرتبطة بالأعياد – تحظى الأعياد والموالد بعناية فائقةٍ من الناحية الاجتماعية، وتحتفظ بموقعٍ أساسي في هوية المسلمين هناك، سواء في شبه القارة الهندية أو في جنوب شرق أسيا أو إيران أو كردستان أو أفريقيا.
تهيمن في تلك الأقاليم دائمًا مشارب إسلامية لا تحرم الموسيقى، بل وتدمجها في الطقس الديني؛ كما يشكل حضور التصوف القوي في هذا المجال دفعًا قويًا للموسيقى والغناء في الثقافة الإسلامية.
في دول مثل باكستان والهند وبنغلاديش وأفغانستان، يرتبط عيد الفطر بالتقاليد الموسيقية النابضة بالحياة والمتجذرة في الصوفية والقوالي؛ إذ تحظى أغاني القوالي، وهي أغانٍ روحية تُؤدى عادةً في الأضرحة والتجمعات، بشعبية خاصة خلال العيد. تُصدر فرق القوالي الشهيرة، مثل الإخوان صبري ونصرة فاتح علي خان، أغانٍ خاصة بهذه المناسبة.
كما اخترقت الاحتفالات عيد الفطر في شبه القارة الهندية السينما، كما فعل الممثل سلمان خان في فيلم تومكو نا بهول بايينج (٢٠٠٢) عندما قدم لوحة غنائية راقصة مع سوشميتا سين احتفالًا بالعيد، عنوانها عيد مبارك، غناها سونو نيجام، ولحنها الشقيقان ساجد وواجد علي خان.
أما في إيران، ونظرًا للسياق الثقافي والديني المختلف للبلاد، غالبًا ما تكون أنواع الموسيقى المرتبطة بالعيد متجذرةً في الروحانية الإسلامية والشعر الفارسي والأشكال الموسيقية التقليدية. لكن الشكل الأساسي للاحتفال بالعيد هو الأناشيد، والتي غالبًا ما تُؤدى بدون موسيقى أو مصحوبة بآلات إيقاعية بسيطة مثل الدف، بسبب تحريم المذهب الجعفري للموسيقى.
على المستوى الشعبي يحضر العيد في أغاني التسنيف، وهي نوع موسيقي فارسي تعود جذوره للزرادشتية، وقد انتشر بقوة في عهد الدولة القاجارية. تتميز هذه المقطوعة بتوزيعات موسيقية معقدة باستخدام التار والستارة، ما يخلق جوًا هادئًا ومبهجًا. غالبًا ما تُعزف في التجمعات العائلية.
كما هو الشأن في إيران، يتوزع السماع في عيد الفطر في تركيا على مستوى ديني أساسه التصوف، الذي يمتلك حضورًا قويًا في الثقافة التركية، وتستلهم العديد من أغاني العيد من الشعر والأناشيد الصوفية.
على مستوًى شعبي أكثر صخبًا، تُعدّ الأغاني الشعبية التقليدية، أو توركو، عنصرًا أساسيًا في احتفالات عيد الفطر في تركيا. تعكس هذه الأغاني التنوع الإقليمي والتراث الثقافي، وغالبًا ما تُغنى في المنازل أو التجمعات العامة، والتي تستخدم فيها الآلات الموسيقية التقليدية مثل الباغلاما (العود التركي)، والكمينسة (آلة وترية مقوسة)، والزورنا (آلة نفخ خشبية). يكون بعضها مصحوبًا برقصات تقليدية مثل الهالاي أو البار.
من أشهر أغاني العيد في تركيا أغنية الفطر التي غنتها نيلوفر ساريتاش، التي لعبت دورًا مهمًا في تقديم الموسيقى الروحية للأجيال الجديدة. أما في كردستان فقد غنى للعيد فنان الكرد الكبير شيفان بروير، والذي ظلت أغانيه ممنوعة في كثيرٍ من دول المشرق العربي وإيران وتركيا بسبب ميوله القومية.