أغاني المساجين العرب

قائمة من اثنتي عشرة أغنية أُلِّفَت وراء القضبان أو ارتبطت وقائعها بأحداثٍ جرت هناك.

صورة الغلاف أخذت في سجن فرنسي في الجنوب التونسي عام ١٩١٦.

في سجن النساء | غناء صنعاني مجهول الهوية

يعود هذا التسجيل إلى مجموعة من النسوة اليمنيات يتقدمهن صوت مميز ترافقنه البقية ترديداً وتصفيقاً ونقراً. تتناول الأغنية محنة السجن التي تعيشها هؤلاء النسوة، ثم تتخلص صاحبة الصوت إلى مضامين الرغبة التي تسكن النساء وراء القضبان إلى لقاء أحبابهن لتسترسل في مقاطع إباحية تكسر الخطوط الحمراء التي تعترضهن خارجاً في المجتمع. لا تذكر المصادر واقعة التسجيل ومكانها، لكن الواضح أنه قد تم تهريبه من داخل أحد سجون النساء باليمن.

مقطوعة حنين | مجيد مرهون

انضمَّ الموسيقار البحريني مجيد مرهون إلى جبهة التحرير الوطني البحرينية في الستينيات، وتم الزج به في السجن سنة ١٩٦٦ بعد تنفيذه عملية تفجير سيارة ضابط المخابرات البريطاني بوب لانغديل. حكم عليه بالمؤبد وقضى ٢٢ سنة في السجن. تم حرمان الموسيقار وعازف الساكسفون من الآلات الموسيقية داخل السجن ما دفعه للتثقيف الذاتي وتعلم النوتة. انكبَّ على تعلم تفاصيل التلحين وسير الموسيقيين ودراسة النظرية الموسيقية ليتمكن من فك رموز النوتة والتمرس على تدوينها مستدلاً خلال ذلك بأذنه الموسيقية وذكائه. انطلق بعد ذلك إلى مغامرة التلحين من دون آلة، معتمداً فقط على خياله فالإنسان مضطر إلى الخيال بطبعه مثلما قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي. ألف مرهون العديد من المقطوعات داخل السجن، وصادف أن يكون الدكتور عبد الهادي خلف مرافقاً له في سجنه، فقام بتهريب النوتات التي ألفها عن طريق زوجته التي كانت تعمل في معهد سويدي للموسيقى، واستطاعت إيداع النوتات لدى مدير المعهد الذي انبهر بها ومررها إلى الموسيقي السويدي سفن يفافيد ساندستروم الذي اهتم بها كثيراً وحرص على إخراجها اعترافاً بعبقرية مرهون على التلحين من دون آلة وبشكل عصامي بعيداً داخل السجن عن التمرس بالصوت والنوتة.

إرحل | محمد عثمان حسن وردي

عندما انفجرت ثورة مايو في السودان واعتلى النميري جعفر النميري الرئيس الخامس للسودان. بدأت رئاسته في ١٩٦٩ إثر انقلاب عسكري  السلطة، كان الفنان محمد عثمان حسن وردي من ضمن مسانديه الأقوياء، لكن سرعان ما وقف ضده أثناء انقلاب سنة ١٩٧١ ليغني راكب هنتر وعامل عنتر، ما كلفه ما يقارب عامين في السجن. حاول وردي مراراً وتكراراً أن يسترجع عوده داخل السجن لكن إدارة السجن رفضت كل مرة. في تلك الفترة كتب الشاعر التيجاني سعيد قصيدة وجدانية بعنوان اِرحل، وأصر على أن يلحنها وردي. لم يتمكن الشاعر من إرسالها كاملة إلى وردي نظراً للمراقبة المفروضة من إدارة السجن، فجازف بإرسال مقاطع منها في كل مرة أثناء زيارة الأهالي في علب السجائر.

يا حريمة | حسين نعمة

مع جيل من الشعراء جمعهم المكان نفسه، تحول سجن نقرة السلمان في العراق إلى مدرسة شعرية. إذ ضم في الستينيات مظفر النواب وعزيز الدجيلي وعريان السيد خلف وناظم السماوي وآخرين كان لهم الإسهام الأبرز في القصيدة العراقية. حين كان الأخير نزيلاً في النقرة خلال الستينيات، صدف أن التقى بفتاة جميلة كانت تأتي لزيارة شقيقها في نفس السجن. تسرد يا حريمة وقائع قصة حب صامتة بين الطرفين انتهت بانقطاع الزيارات من طرف الفتاة، ليعلم السماوي إثرها بأن أهلها قد زوجوها قسراً. ألهمت الحادثة قصيدة يا حريمة وتحولت إلى شيء أشبه باللعنة، فالملحن أموري بدأ العمل على تلحينها إثر وفاة زوجته، وغناها حسين نعمة بعد أزمة عاطفية مع زوجته السابقة.

يا المنفي | آكلي يحياتين

تروي الأغنية معاناة الثوار الجزائرين مع المنفى إثر انتفاضة ١٨٧١، واعتقالهم من قبل سلطة الاحتلال الفرنسي ليتم ترحيلهم إثر ذلك إلى كاليدونيا الجديدة بالمحيط الهادي حيث عاصروا مساجين كومونة باريس. أُفرج عن الأخيرين وعادوا إلى بلادهم بينما بقي الجزائريون في الأسر، ولم يدخل العفو الصوري الصادر أواخر القرن التاسع عشر حيز التطبيق.

ظل المساجين يرددون تلك الأغنية ويتوارثونها عبر أجيال من المقاومين، إلى أن تلقفها الفنان القبايلي آكلي يحياتين الذي عايش تجربة السجون أيضا أثناء الاحتلال الفرنسي. كان الفنان القبايلي أول من قدم الأغنية إلى الجمهور، ليستعيدها رشيد طه من بعده.

موال الأسير | فتحي صبح

تعود قصة هذه الأغنية إلى أحداث الثورة الفلسطينية الكبرى في مواجهة الاحتلال البريطاني عام ١٩٣٦. كاتبها هو زجال فلسطيني من قرية الجية جنوب المجد يدعى سبيتان عوض، تم إلقاء القبض عليه وأُودِعَ الزنزانة في انتظار إعدامه عقاباً له على أعماله الفدائية بعد أن باع حلي زوجته لشراء السلاح. اشتهر سبيتان بزجله في القرية حيث كان يتبارى مع أخويه اللذان نفذ فيهما حكم الإعدام شنقاً من قبل الإنجليز، ليصبح فيما بعد ثالث ثلاثة إخوة نفذ فيهم نفس الحكم.

في ليلته الأخيرة داخل سجن عكا وقبيل تنفيذ حكم الإعدام، كتب سبيتان بالفحم على جدار الزنزانة قصيدته الشهيرة موال الأسير التي قام توفيق زياد بنشرها في سبعينيات القرن الماضي من خلال جهوده في جمع التراث الفلسطيني، ليغنيها فتحي صبح فيما بعد.

نيران جاشي شاعلة ميقودة | صالح الفرزيط

وجد مغني المزود صالح الفرزيط نفسه مناضلاً رغم أنفه بعد أن احتك بجماعة العامل التونسي في سجون بورقيبة، وألهمته تلك التجربة أغنية اِرضى علينا يا لميمة. إلا أن قصصه مع السجن لم تتوقف عندها، فعاد مرة أخرى إلى ذلك العالم من غير نافذة السياسة، بل من خلال أغنية وجدانية لشاعر عاش تجربة مريرة خلف القضبان.

تسرد الأغنية وقائع حقبة من سجن الشاعر، حيث جالد محكوميته الثقيلة بفضل زوجة جميلة بقيت على وفائها له، تزوره وتشد أزره وتحمل إليه قفة المؤونة. غير أن مدير السجن الذي أعجب بالزوجة ظل يتربص بها ويغويها بترك زوجها، مذكراً إياها بجمالها الذي آل إلى الفناء بفعل الزمن وتجاعيده. أذعنت الزوجة لإغواء مدير السجن، وقبلت أن تترك زوجها لأجل صاحب السلطة. فَطِنَ الشاعر لغياب زوجته المفاجئ ما أصابه بكرب شديد وأغرقه بدوامةٍ من الحزن.

كان من عادة مدير السجن أن يستغل السجناء خارج القضبان ويجبرهم على القيام بأشغال لمصلحته الشخصية. شاءت الصدف أن يكون الشاعر الملتاع أحد هؤلاء، وبعد العمل ساعات طويلة تحت الشمس الحارقة في حديقة مدير السجن، تظلل بشجرة بعد أن أنهكه التعب والعطش فيما همت زوجة المدير بحمل الماء والطعام إليه، وكان على إثر ذلك الفاجعة.

عاد الشاعر إلى الزنزانة، ومن فرط الألم بقي يردد أبياتا لقصيدة اكتملت فصولها تحت عنوان نيران جاشي شاعلة ميقودة. بقي رفاقه في السجن يرددون الأغنية من دون أن يعلموا القصة التي تختفي ورائها. قبيل الإفراج عن الرجل طلب منه أن يكشف سر القصيدة، فروى القصة وأعاد عليهم شريط الأحداث ليتمكن منه الألم ولا ينجو ليلته الأخيرة.

الليلة يا سمرا | محمد حمام

ولدت هذه الأغنية في سجن الواحات بمصر أوائل أيلول / سبتمبر ١٩٦٢، حيث التقى الشاعر فؤاد حداد بالمحامي زكي مراد والملحن أحمد منيب والفنان النوبي محمد حمام. كانت المناسبة عيد ميلاد زكي مراد، فأصر رفاقه على الاحتفال به رغماً عن قتامة ظروف السجن وتدهور الأوضاع في تلك الحقبة من تاريخ مصر. من البديهي أن يسفر التقاء ثلاثة شعراء بملحن عن أغنية، وهو ما تم خلال تلك المناسبة، إذ أبدع فؤاد حداد قصيدة عنونها بالليلة يا سمرا، فيما عمل أحمد منيب على استنباط الألحان وتكفل محمد حمام بغناء النص، لتكون الأغنية هدية للمحامي اليساري الذي احتفل بعيد ميلاده الخامس والثلاثين في ذلك الوقت.

أعطى أحمد منيب إيقاعاً نوبياً للأغنية يلائم خامة الصوت القوية واللكنة الجنوبية لمحمد حمام. كما يعتبر نص الأغنية من النصوص التي أحدث بها فؤاد حداد ثورة في القصيدة المصرية العامية، مخرجاً إياها من معطف بديع خيري وبيرم التونسي ومعتمداً فيها على التخييل.

يا ضابط السجن | عبد الرحمن عبد الله

نشأت هذه الأغنية التي تغنى بها عبد الرحمن عبد الله من علاقة طريفة جمعت السجين بالسجان. بدأت القصة باعتقال نظام النميري للشاعر السوداني محمد حامد آدم وزجه في سجن الأبيض، على إثر ما سمي بحركة يوليو التي اعتقل فيها الكثير من الشيوعيين. انقضت خمسة أشهر من الاعتقال، وعند سماح السلطات بالزيارة لأول مرة في شهر تشرين الثاني / نوفمبر من سنة ١٩٧١، لم يحظَ الشاعر بزيارة واحدة من ذويه. بعد انتهاء الوقت المخصص لذلك، قدمت فتاة تريد رؤية محمد حامد لكن ضابط السجن يحيى ساتي المهدي منعها آنذاك. ترجته الفتاة باكيةً لكن الضابط أصر على منعها. بلغ الأمر الشاعر الذي كتب قصيدته تحت وطأة القهر وسلمها إلى الضابط في ورقة دفتر، معاتباً إياه على فعلته: “صبرك لحظة واحدة، إذنك مرة واحدة يا ضابط السجن، أزّود بنظرة وأرجع أنسج“. وصلت القصة إلى الفنان عبد الرحمان عبد الله الذي كان في نفس السجن، فأصر على غناء القصيدة التي اشتهرت واقعتها فيما بعد، خاصة وأن الشاعر محمد حامد آدم لم تكن له علاقة بحركة يوليو بل تطابق اسمه مع شخص آخر حسب رواية الضابط المعني.

أقول وقد ناحت بقربي حمامة | ناظم غزالي

أوقع الروم بأبو فراس الحمداني في إحدى المعارك الطاحنة بين الحمدانيين والروم. كان جريحاً ومصاباً بسهم، وسجن في سجن الروميات. هناك نظم أجود قصائده سميت بالروميات على اسم السجن. في هذه القصيدة التي غناها ناظم الغزالي، يشكو الحمداني دهرياته ويناجي حمامة حطت بالقرب من زنزانته في سجن القسطنطينية.

يا فاطمة بعد النكد والغصة |الشيخ العفريت

تعود الأغنية إلى أحد مساجين تونس، وهو قدور النيغاوي الذي تغنى بمعشوقته فاطمة. اختلفت المصادر في أصل القصة، وأشارت بعضها إلى أن النيغاوي كان يسرد قصة زوجة تزور زوجها في السجن وخانته مع السجان الفرنسي. تناولت الأغنية مضامين الخيانة، لكنها أشارت في نفس الوقت إلى عالم السجن الذي تخلص من الخطوط الحمراء عبر استعمال الصور الحسية في الدلالة على الرغبة الجامحة التي تتأجج في صدر السجين.

يا المقنين الزين | محمد الباجي

لم يكن طائر المقنين الذي تغنى به محمد الباجي المشهور بلقب الباز، عدا عند الشاعر نفسه عندما كان في سجون الاستعمار الفرنسي ينتظر حكمه بالإعدام بعد انخراطه في الكفاح المسلح. تم إلقاء القبض على الباز إثر مشاركته في إضراب الطلبة الشهير سنة ١٩٥٧ في أوج الثورة، ليودع سجن سركاجي، أحد أقدم السجون الجزائرية والذي عرف أيضاً بإسم بربروس. تزامن اعتقال الباز مع زميل له في الزنزانة لم يتجاوز العشرين من عمره كان ينتظر هو الآخر حكم الإعدام بالمقصلة. تشير المصادر التي تناولت سيرة الأغنية إلى أن السلطات الاستعمارية زورت وثائق الشاب المسكين لتشريع عملية اعدامه، وهو ما دفع الباز إلى كتابة إحدى أروع قصائده متناسياً محنته الشخصية أمام ما وقع لذلك الشاب الذي كان يحمل خاتماً لحبيبته مريومة التي يذكرها الباز على لسان صديقه في آخر الأغنية.

أعاد كثيرون أداء الأغنية مثل أعمر الزاهي ونعيمة الدزيرية وبوجمعة العنقيس، غير أن محمد الباجي تفرد باستعماله الجيتار، ما أعطى لأغانيه هوية مختلفة عن أصوات الشعبي التي دأبت على استعمال المندول.