.
تناقلت الشعوب العربية أغاني الأعراس من جيلٍ إلى جيل، حتى أصبح الكثير منها يُدرج ضمن تصنيف الأغاني الفلكلورية. على الضفة الأخرى، صدرت الكثير من الأغاني التي تمجد العزوبية، وتحكي عن حرية الفرد والمصاعب التي يواجهها في الزواج، لكن بقي العدد الأكبر من هذه الأغاني حبيس زمنه، ولم نعلم الكثير عنها بسبب عدم تناقلها لجرأتها وخروجها عن المألوف. إليكم سبع أغانٍ تهتف ضد الزواج وتهلل للعزوبية.
أوديت كعدو واحدة من أوائل المطربات اللواتي غنّين في بداية الإذاعة اللبنانية، لتبدأ مسيرتها الفنية عام ١٩٣٦. في منتصف الخمسينات، تركت لبنان لتنتقل إلى أمريكا، وتابعت مسيرتها في بلاد الاغتراب بإقامة العديد من العروض الغنائية للجالية اللبنانية، كما أثمرت تعاوناتها مع أهم الملحنين اللبنانيين في تلك الحقبة عددًا كبيرًا من الأغاني، ما جعل أوديت حاضرة بقوة في ذاكرة الإذاعة اللبنانية.
من هذه التعاونات أغنية أبجد هوّز، التي لحنها فيلمون وهبي وكتب كلماتها توفيق الباشا. أعطى وهبي الجمل الغنائية حقها، لينفرد صوت أوديت بهدوئه المتزن، ويأتي صوت المزمار بين المقاطع لينذر العازبين من الزواج وكأنه يدق ناقوس الخطر. كلمات الأغنية بعيدة كل البعد عن النمطية، فليس سهلًا أن تقول لأحد في فترة الخمسينات بهذه الطريقة الصادمة ألا يتزوج، لكن الباشا استطاع، وغنتها أوديت بنبرة ساخرة لكن ودية:
“إلعب وحدك واقطف وردك مين بيعرف شو مخبالك؟”
في مونولوج المهر وهم المهر، اجتمع ثلاثة من أهم روّاد الأغنية الليبية: الشاعر الغنائي أحمد الحريري، الملقب بشاعر الألف أغنية، الموسيقار عبد الرحمن القنيوة، صاحب مئات الألحان التي طُبعت في ذاكرة الليبيين، والمونولوجيست يوسف الغرياني المعروف بـ قزقيزة.
قُدمت هذه الأغنية في إحدى برامج شهر رمضان في فترة السبعينات، حيث يحكي الغرياني عن عدم قدرة العازبين على الزواج بسبب المهر العالي، سائلًا بالنيابة عن الشباب الليبي: “منين يجيب ألفين جنيه؟”، إذ مرّت ليبيا في تلك الفترة بعدد من الأزمات الإقتصادية التي أضعفت عملتها وجعلت المعيشة غالية.
حنان حايك هارون مطربة لبنانية بدأت حياتها الفنية بالغناء مع الرحابنة في الأربعينات، لتترك لبنان في نهاية الخمسينات وتهاجر إلى أمريكا. تحوم الكثير من المغالطات حول اسم المطربة، نظرًا لتشابهه مع مطربة سورية اختفت أيضًا في الخمسينات ولم تظهر ثانية، عرفت باسم الآنسة حنان.
بفضل قرابة حنان من الموسيقار اللبناني رفيق حبيقة، لم تبتعد كليًا عن الساحة الفنية، فعادت عام ١٩٧٨ بأسطوانة قدود شرقية. في أغنية العزوبية، التي لحنها حبيقة، يستبدل الشاعر مارون كرم ثيمة الخوف من الزواج بتصوير حياة العزوبية بأجمل حللها، ويتحدى الجميع بصوت حنان الذي تفرّد بأداء الكلمات بكل القوة المطلوبة للمواجهة والتمسك بالحرية:
“قضت عمرا وحدا الشمس وبقيت حلوة صبية
عزوبية يا عزوبية ما رح يقدروا عليي”
https://youtu.be/ZkovBVLjqbM
في نهاية شباط الماضي، أطلق سعد المجرد أغنية آسف حبيبي برفقة فريق فناير، وعلى الرغم من وجود تنويه في نهاية الأغنية بأن كلماتها مستوحاة من فرقة غنائية مراكشية، إلا أن التعليقات على الفيديو المصور في مدينة مرّاكش اتهمت سعد والفريق بسرقتها. ربما يعود ذلك إلى فقدان المجرد ثقة جمهوره بعد مثوله المتكرر أمام المحكمة خلال السنوات الأخيرة بتهمة الاعتداء الجنسي.
تعود الأغنية الأصلية إلى فرقة حميد الزاهر التي تأسست سنة ١٩٥٧، وانطلقت بنوع غنائي جديد مستوحى من فن الدقة المرّاكشية، مستلهمةً أشعارها من التراث المرّاكشي، ليُعرف هذا الفن بالتقيتيقات. يجلس حميد الزاهر في زاوية المسرح، يحمل عود الرمل (نسخة مغربية مختلفة من العود)، ويرافقه بقية أعضاء الفرقة بلباسهم التقليدي في تنظيم الإيقاع باستخدام الطعريجة والقراقب والأيادي للتصفيق. يلاحق المغني محمد كعير الإيقاع المراكشي بأدائه الزخم بالتفاريد والتلاوين، ليصف المتزوجين بالمساكين، ملقيًا هذه الكلمات وفي صوته شيءٌ من السخرية:
“راه دغية طلق مسكين (طلّق بسرعة المسكين)
وقال الجواز كلو خطية”
يركض الإيقاع في منتصف الأغنية ويتسارع، يرتفع التصفيق، تعلو العيطات التي رافقت الأغنية بين المقطع والآخر، وتنتهي الأغنية بإلقاء اللوم على أهل الحومة (الحي):
“شهدوا يا ناس الحومة هادشي راه حشومة (هذا الأمر معيب)
أنا ما عليا لومة كل شي منكم انتوما”
شهدت السبعينات في مصر خروج عدد من الفرق المختلفة عن نمطية الفنان الواحد في المقدمة والفرقة الكاملة في الخلفية. سنة ١٩٧٧، أسس الموسيقار هاني شنودة فرقة المصريين، وفي الألبوم الأول جاءت أغنية ما تحسبوش يا بنات. يحكي شنودة في إحدى مقابلاته أنه سمع كلمات هذه الأغنية في مدينته طنطا، من سكان الأرياف المجاورة الذين كانوا يجلسون في عربيات الكارو، وبما أن الكلمات الأساسية كانت متسلسلة على الشكل التالي:
“أول سبوع يا بنات في الفرش مرتاحة،
تاني سبوع موزة وتفاحة
تالت سبوع إلى حماتها روّاحة”
أخذ شنودة هذه الكلمات إلى الشاعر صلاح جاهين، وطلب منه التعديل عليها، لتتحول الأغنية إلى حوارية بين الرجال والنساء. تبدأ الأغنية بصوت كورال ذكوري يحكي للبنات عن انعدام الراحة بعد الزواج، ليأتي بعدها صوت المغنية إيمان يونس بأبيات جاهين:
“قولونا يا نصاح مين في الحياة مرتاح”
خرجت ما تحسبوش يا بنات عن عباءة الأغنية المصرية التقليدية، بعد أن أضفى عليها شنودة معالم التجديد، من صوت إيمان الذي يرافقه صدى خفيف، إلى إيقاع الطبول السريعة وصوت الكيبورد الكهربائي الذي يلمع بين المقاطع.
زهرة حاج نبي هو الاسم الحقيقي للفنانة التونسية حسيبة رشدي، التي ولدت سنة ١٩١٨ في ولاية بنزرت، لتدخل عالم الفن في بداية الثلاثينات وتعتبر من أوائل الفنانات اللواتي جمعن التمثيل والغناء معًا. تأثرت في بداياتها بالأغنية البدوية الشعبية، ويظهر هذا جليًا في تعاوناتها مع أهم ملحني هذه الأغنية من محمد التريكي إلى محمد الجموسي، وحتى الهادي جويني. أثمر تعاونها مع التريكي عددًا من أهم الأغاني الشعبية التونسية، منها العشاقة ومحلاها تدبيلة عنيك.
“التوزيع الفني الأستاذ محمد التريكي” هكذا يبدأ تسجيل أغنية العازب قلبه متهني. بحسب تسجيلات البشير الرصايصي تعود الأغنية إلى سنة ١٩٥٣، وقد راجت في هذه الفترة الأغاني الخليعة في تونس، ما أعطى لحسيبة الجرأة لدعوة الناس إلى العدول عن فكرة الزواج. رافقت الآلات الشعبية التي كانت تستخدم في الأغاني البدوية – مثل الكمنجة – غناء حسيبة، التي استطاعت أن تراعي اللحن البسيط بقوة صوتها الغارق في إيقاعاته المتعددة، والزخارف الملوّنة التي تفانت في إخراجها.
بليغ حمدي وفريد الأطرش وفيلمون وهبي ووليد غلمية وإيلي شويري، شاركت كل هذه الأسماء في تلحين أغاني مسرحية ست الكل التي عرضت عام ١٩٧٤ من بطولة صباح، وصدرت الأغاني لاحقًا على أسطوانة خاصة. في هذه المسرحية، كان التعاون الأول بين إيلي شويري وصباح، الذي أعطاها واحدة من أهم أغانيها، تعلى وتتعمر يا دار، كما شارك في التمثيل والغناء، وأدى أغنية عزابي من كلمات مخرج المسرحية وسيم طبارة.
تبدأ الأغنية بموال يعطي لإيلي المساحة المطلوبة كي يلوِّن ويتلاعب بصوته، ثم ينتقل إلى المقطع الأول ليحكي عن حبه للعزوبية وكم تعطيه الحرية بالتنقل على راحته:
“عزّابي معتّر رح ضل
ما بحمل براسي هم”
استطاع وليد غلمية أن يعطي هذه الكلمات لحنًا متماسكًا بدون فواصل موسيقية، مفضلًا تبادل الأدوار بين المغني والكورال الصادح بصوت رجالي، كي تصلح الأغنية لتكون جزءًا مكملًا للمسرحية الغنائية.