.
كانت النكسة منعطفًا مفصليًا في مكانة فلسطين كقضية تحرر أيقونية لدى عدة حركات يسارية حول العالم، ورمزًا واستكمالًا للعذابات التي واجهتها كوبا وفييتنام والجزائر وجنوب أفريقيا في مواجهة القوى العظمى، على رأسها أمريكا. خاصةً أنه بعد هزيمة عبد الناصر تهاوى التوجه نحو فكرة أن مصير فلسطين مرتبط بوحدة وقيادة عربيتين، وحل مكانه الإيمان بمقاومة شعبية داخلية مدعومة عالميًا. انعكس ذلك التوجه في ظهور أغانٍ عبر العالم والأنواع واللغات تتضامن مع القضية بأشكال مختلفة، بين رواية القصة وإقامة تقاطعات بينها وبين حركات تحررية أو رموز تحررية أخرى. في القائمة ١١ أغنية عالمية عن فلسطين آمنت بالقضية.
أصدرت فرقة كوفية السويدية أغنية إيلد ضمن ألبومها الثاني أرض بلادي (١٩٧٨). تصدرت أغنية تعيش فلسطين من الألبوم وقتها العناوين، وأصبحت النشيد المعتاد في مظاهرات أوروبا الداعمة للفلسطينيين، ملقيةً بظلها على كامل الألبوم.
تستحق إيلد، التي تعني النار بالسويدية، نصيبًا من الاهتمام الذي انصب على كوفية مؤخرًا، بنبرتها الثورية الغاضبة مع ضرب الطبل الثقيل، ما يجعلها مرشحةً كلحنٍ جماهيري جديد في الشوارع:
“نار نار نار نار / ضد الصهيونية”
يكسر القسيس الأنجيليكي ومغني الترانيم الإنجليزي جارث هيويت كل القوالب للأغاني الثورية في تاريخ فلسطين، حيث يبدأ التراك بالهارمونيكا واللهجة التي تخدع المستمع لتظن أنها أغنية كانتري من أمريكا، ليتضح أنها ترنيمة إنجليزية.
تعود قصة الأغنية إلى إحدى زيارات هيويت لفلسطين، حين شاهد في بيت لحم إحدى رسومات الفنان الفلسطيني سليمان منصور وألهمته لكتابة هذه الأغنية، ليغني هيويت لفلسطين بصوت امرأة تصرخ باسمها لتذكر العالم به.
“أُفني ٦ ملايين يهودي بأبشع أسلوب / إبادة إمبريالية من جيوش الفاشيّة، علينا أن نتعلم من التاريخ / تحول الضحايا إلى جلّادين، قد استعروا”
هكذا يبدأ بول بول، المغني الرئيسي لفرقة الروك سكا-بي من ضواحي مدريد، أغنيتهم الصادرة في ٢٠٠٢، بسرد واضح و صريح كأنه مؤرخ للمعاناة الفلسطينية. سكا-بي فرقة أناركية شيوعية مناهضة للمؤسسات. المهم أن لديهم عامل مشترك مع رجل الشعب شعبان عبد الرحيم، وهو كره إسرائيل.
تقوم الفرقة الآن بجولة حول العالم، انتشر منها فيديو حفلة تشيلي حيث صرخ الآلاف انتفاضة انتفاضة، مرددين بعد بول بول المرتدي قميص فريق إف سي بالستينا التشيلي الذي أسسه فلسطينيون.
أشد أغاني القائمة ضراوةً تجاه الكيان الصهيوني هي روسّا بالستاين، لا يوفر عضو حزب الشيوعي الإيطالي وكاتب الأغنية أُمبيرتو فيوري وسيلة في ذم العدو ومعاونيه، فوق لحن إيطالي حزين.
أصدرت الأغنية عام ١٩٧٣ في عز عطاء جبهة التحرير الفلسطينية وحركة فتح التي ذُكرت راياتها الصفراء بالاسم، كما ذكر كلٌّ من أمريكا والأردن، التي وصف ملكها بالطاغية كون أيلول الأسود كان الحدث الأهم للصراع الفلسطيني في ذلك الوقت.
الشاعر والكاتب والممثل والمغني والناشط السياسي بنيامين زفانيا من أهم الشخصيات التي كتبت وغنت لفلسطين. كتب زفانيا، ابن مدينة بيرمنجهام المعروفة كعاصمة الجامايكيين في أوروبا، سطور قصيدة فلسطين لألبومه العودة للأصول الصادر عام ١٩٩٥.
بنيامين من رواد الدَب ريجيه، وهو مزيج خرج من جامايكا في السبعينيات يجمع بين إيقاعات الريجي وكلمات تعتبر واعية سياسيًا و اجتماعيًا. ودعنا في بداية هذا الشهر بنيامين الحالم بفلسطين وجنوب أفريقيا حرة دون أن يشهد يوم تحرير أولاهما.
هذا التراك بحد ذاته طوفان. عام ١٩٢٣ ألَّف محمد يونس القاضي نشيد بلادي مُقتبِسًا كلماته من خطاب مشهور ألقاه مصطفى كامل عام ١٩٠٧، ولحّنه لاحقًا الموسيقار سيد درويش. لم يعتمد بلادي كنشيد وطني لجمهورية مصر حتى عام ١٩٧٩. خلال هذه السنوات تبدل النشيد الوطني أكثر من مرة، بينما استلهمت حركة التحرير الفلسطينية ومركزها الإعلامي المتمثل بإذاعة صوت العاصفة في القاهرة من عمل القاضي ودرويش، حيث كتب عضو حركة فتح الأردني غطاس صويص تحت اسمه الحركي نزيه أبو نضال نشيدًا معدلًا عن المصري:
“بلادي بلادي بلادي / لكي حبي وفؤادي
بلادي بلادي بلادي / فتح ثورة عالأعادي”
في تلك الفترة حملت فتح راية المقاومة وكانت ملهمة للحركات اليسارية حول العالم، لذا قامت أوركسترا شتوتجارت الشيوعية في ألمانيا بإصدار النسخة الألمانية هذه من نشيد فتح ضمن الجزء الثاني من ألبوم التضامن العالمي – الأغاني الحمراء، الذي شمل تراكات أخرى مستلهمة من حركات النضال في سبعينيات القرن الماضي.
رُفعت هذه الأغنية على قناة باسم جِت تشان قبل شهر، وكتب صاحب القناة تحتها:
“أزال يوتيوب مؤخرًا كل الأغاني الفلسطينية من حسابي بدعوى ’تمجيد منظمات إجرامية عنيفة.’ وبقدر ما أرغب بنشر أغانٍ أخرى في ظل الأحداث الأخيرة، من المخاطرة فعل ذلك بعد ضربات الإزالة السابقة، إلا أن أردت التضحية بالقناة كاملة. لذا، ظننت أن أغنية سوفييتية عن فلسطين ممكن أن تكون وسيلة للتحايل بينما أنتظر تلاشي أثر ضربات الإزالة. تضامني مع فلسطين.”
كُتبت الأغنية بمنظور شوتا روستافيلي، الشاعر الجورجي الذي كتب الملحمة الوطنية الجورجية الأهم، الفارس ذو جلد النمر. كان ملجأ روستافيللي الأخير فلسطين، حيث توفي في القدس في بداية القرن الثاني عشر وما زال راقدًا فيها. في الحقبة السوفيتية أصبح روستافيلي بطلًا قوميًا، وكان مثواه الأخير في فلسطين بمثابة حلقة وصل أخرى بين الاتحاد السوفييتي ونضال التحرير الفلسطيني، لتقوم أوركسترا راديو الاتحاد السوفييتي بتأدية هذه الأغنية وتسجيلها عام ١٩٦٦. يبوح روستافيللي في الأغنية بأنه يضع وطنه فوق كل شيء، وأنه جاهزٌ لعقاب الإله إن كان في ذلك خطيئة، مقرنًا جورجيا بفلسطين.
غنى آدم رمضاني هذا النشيد على لحن نشيد تركي شهير بعنوان على عرش الشهيد، لكن الفرق بين الشهيدَين هو فلسطينية شهيد قصيدة آدم. يتميز هذا التسجيل عن التسجيل الرسمي الأطول للنشيد في خلوه من أية مؤثرات، كأنك تسمع نشيدًا فلكلوريًا وجد طريقه إلى ذاكرة الشعب.
من بين دول أوروبا جميعها كانت ومازالت إيرلندا تغرد خارج السرب في دعمها النابع من المعاناة للشعب الفلسطيني. أدى شارون شانون ورويزن الصفتي، مصرية الأب، هذه الأغنية عام ٢٠٠٣ على ألحان الأكورديون الأيرلندي الشعبي. كتبت الأغنية والدة رويزن بالأيرلندية التي منعها المحتل البريطاني في منتصف القرن الثالث عشر، يتخللها بالعربية عبارة “حزني عليكِ يا فلسطين.”
مثلت هذه الأغنية مشاعر وطموحات عشرات الحركات التحررية حول العالم، من الأفارقة الأمريكيين إلى الهنود وغيرهم، لذا وجدها روجر ووترز، العضو المؤسس لفرقة بينك فلويد الأيقونية، أنسب استجابة لمجزرة غزة في ٢٠٠٩-٢٠١٠. كتب ووترز في وصف حالة تسجيل الأغنية:
“بالقرب من العام الجديد ٢٠٠٩-٢٠١٠ ذهبت مجموعة دولية تضم ١٥٠٠ رجل وامرأة من ٤٢ أمّة إلى مصر، للاشتراك في مسيرة حرية إلى غزّة. فعلوا ذلك للاعتراض على الحصار الحالي لغزّة، على حقيقة أن شعب غزة يعيش في سجن افتراضي، وحقيقة أنه بعد عام من هجوم إرهابي من قبل قوات إسرائيلية مسلحة دمّر معظم منازلهم، مشافيهم، مدارسهم، وأبنية عامّة أخرى، ليست لديهم أية إمكانية لإعادة البناء لأن حدودهم مغلقة.
أراد متظاهروا الحرية وقتها أن يلفتوا الانتباه سلميًا إلى مأساة فلسطينيي غزّة. لم تسمح الحكومة المصرية (الممولة بقرابة ملياري دولار سنويًا من قبلنا، دافعي الضرائب الأمريكية) للمتظاهرين بوصول غزة. ما مدى سخف ذلك؟ وكليشيهيّته. أعيش في أمريكا، وخلال هذا الوقت بين ٢٥ كانون الأول ٢٠٠٩ والثالث من فبراير ٢٠١٠ لم أر أية إشارة لغزة أو لمسيرة الحرية أو للمتظاهرين متعددي الجنسيات المتجمعين هناك. على كل حال دفعني الأمر في ظروف كهذه لتسجيل نسخة جديدة من أغنية سوف ننتصر.”
قبل أن تصبح الصوت المستخدم كخلفية فيديوهات التضامن مع غزة على تيك توك، ردد السويديون كلمات الأغنية كهتاف في المظاهرات على مدار الخمسة وأربعين سنة الماضية، منذ ذيّلت ألبوم فرقة كوفية الثاني أرض بلادي في ١٩٧٨.
هذه ليست المرة الأولى التي أحدثت فيها الأغنية ضجة، حيث تصدرت العناوين عام ٢٠١٩ بعدما قام شباب الحزب الاشتراكي السويدي بترديد كلمات الأغنية بمناسبة يوم العمال العالمي، وتعرض كاتبها ومؤسس الفرقة جورج توتاري بعدها لحملة تحريض و ناقش البرلمان السويدي كلمات الاغنية الداعية لسقوط الصهيونية، مع اتهام توتاري بمعاداة السامية.