.
رغم تراجع زخم الإنتاج الشعبي بسبب الأوضاع السياسية في المنطقة والحروب القائمة، خاصة بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في أيلول، حيث يتواجد معظم الفنانين، وامتناع الكثير من المغنين الشعبيّين الفلسطينيّين عن إحياء الحفلات، إلا أننا جمعنا في هذه القائمة أفضل أغاني الشعبي الشامي التي فجّرت السهرات والمنصات، خاصة في النصف الأول من العام. بعض الوجوه في القائمة غنية عن التعريف، إذ حفرت اسمها بجدارة في المشهد الشعبي، مع بعض الوجوه الجديدة، مثل معتصم العمر الذي كنا قد وضعناه في قائمة الأصوات الجديدة العام الفائت، ليحقق نجاحًا باهرًا هذا العام متصدّرًا الترند. كما رصدنا خروج بعض الفنانين من حيز الشعبي الشامي ودمج موسيقاهم مع التراث الليبي في محاولات جديدة ومدروسة لإنتاج أغان مختلفة مثل أحمد القسيم وعلاء عبد المجيد.
القائمة من اختيار كلٍّ من ريم مرجي وناصر جعرون.
بدأ معتصم العمر الملقّب بالهرم مسيرته أواخر ٢٠٢٢، وازدادت شهرته بشكل ملحوظ في المشهد الشعبي الأردني في ٢٠٢٣، لتبلغ أوجها هذا العام، إذ أصدر عدة أغان تصدّرت المشهد، كما أحيا العديد من الحفلات. نال مقطع شفت الغزالة بسهام المفرق شهرة كبيرة على عدة منصات، وأصبح ذا شعبية واسعة في شمالي الأردن. رافق معتصم في أداء هذه الأغنية شاعر المجوز عبدالله أبو صياح، ودائمًا ما يرافقه في حفلاته مدير أعماله أيمن الشطي.
في محاولة مثيرة للاهتمام، يعيد أحمد القسيم من درعا غناء سلطان زماني للمطرب الليبي فرج العربي، والتي أصدرها في الستينات. يقوم القسيم كما عودنا بتطويع الأغنية لتصبح وكأنها كتبت له لتُغنّى أول مرة. اعتمد القسيم الدقّة السريعة للأغاني الشعبية، ودمج بين الأغنية الليبية ومقدمة شارة مسلسل أبو جانتي ملك التاكسي، لتصبح اللازمة: “سلطان زماني أنا عايش سلطان زماني / سلطان زماني لا عندي كاني ولا ماني.”
تعددت المحاولات لدمج اللون الشعبي مع جنرات أخرى بهدف تطويره؛ لكن المميز هنا هو استخدام سامبل من أغنية لاقت نجاحًا عند الجمهور، وإجراء بعض التعديلات التقنية عليها، ومن ثم الدخول مباشرة إلى الموال. في العام الماضي، استمعنا إلى مجوز برازيلي واسمر الذي حقق نجاحًا، ويبدو أن الفنان محمد الأمير وعازف البركشن حسام جبارات قد طوّرا مجوز اسمراني بعد نجاح الأغنية الأصليّة التي أصدرها حسين الجسمي كإعلان لشركة أورانج في رمضان هذا العام.
تعود هذه الأغنية إلى الفنان الليبي الراحل أحمد الصافي، وغناها أحمد القسيم للمرة الأولى في حفلة أحياها أواخر عام ٢٠٢٣، ثم أصدر نسخة الاستديو هذا العام، لتنهال بعدها نسخ الأغنية، إذ أداها معظم فناني المجوز. تمتاز الأغنية بلهجتها ومصطلحاتها التي يصعب فهمهما؛ فكلمة مطراي تعني الحال، والتخميم تعني كثرة التفكير، والمقصود بالأغنية انظروا إلى الحالة التي وصلت إليها بعد كثرة تفكيري في محبوبتي.
أبدع علاء عبد المجيد بنسخة مختلفة من عيني يا مطراي، إذ التزم بلحن مشابه، لكنه غنّى كلمات مختلفة ليمدح شركة واستديو تسجيل صقور حوران، ليحقق الاستوديو بذلك أكبر حملة تسويق من الممكن أن يعرفها. من الجدير بالذكر أن الأغنية شُهرت بعد أن رقص على إيقاعها أحد الشباب، وأصبح ميمًا اجتاح تيكتوك وإنستجرام، كمثال للطالب القروي في الجامعة أو في المدينة، خاصة أن سهل حوران يشمل الجنوب السوري والشمال الأردني الذي يعرف جغرافيًا بأنه منطقة زراعية ريفية.
أصدرت ريم السواس الأغنية في حفلة رأس السنة، إذ أعادت غناء هذه الحسجة العراقية، والحسجة هي من مفردات وسط وجنوب العراق، وتعني القلة والدقة في الكلام دون تكرار، وعادة ما تستخدم عند المواجهات والمصارحة. اسم الأغنية الأصلية أوبريت فخر الشيعة وقد غناها كل من علي زورة وفؤاد الفرطوسي وشاكر العبودي وعلي الدبيسي عام ٢٠٢٢.
عرف مهند زعيتر في السنتين الأخيرتين كيف ينقل اللون الشعبي إلى المينستريم ويصبح ميّالًا أكثر للبوب العربي. صدّر مهند نفسه للجمهور كصوت عربي بعد نجاح أغنية شو بدي عد بذلات مع الشامي عام ٢٠٢٣، ومن هناك تفرّع ليمسك بالغناء الشعبي ويشق فيه أسلوبًا خاصًّا، ولهجة جميلة تخلط بين البدوي والعراقي، مع أنه لبناني الجنسية. أصدر زعيتر عدة أغان هذه السنة، من أفضلها الهب ودب وأنا الخيل والليل والبيداء.
من مدينة هامبورج إلى مهرجان آل قرعان بني حسن، تسللت أغنية يلعن عرضها المصاري بعد أن مرت برحلة عكسية نقلتها من مسارح ألمانيا مع المغني ذي اللهجة الرقاوية حسين بدران، إلى مكانها الأكثر منطقية في حفلات الأعراس وسهرات الشباب. طبعًا لا تخلو الأغنية من إضافات الدق دح والشمال يمين، والبيت السريع كاستفتاحية للمجوز، ليكمل بعدها معتصم الوضع بده قرعان وتيجي نتجوز بالسر والعديد من الأغنيات المعروفة.
لم نستطع إكمال هذه القائمة إلا بضمّ صوت نوار الحسن ابن حمص، صاحب الجمهور الكبير داخل سوريا، وبين السوريين في الأردن والخليج وتركيا. يؤدي نوار اللون الشعبي كما البوب العربي، تتميز دبكاته بقرب إيقاعاتها المتكررة من التكنو، لذلك تحظى بشعبية كبيرة في النوادي الليلية وغيرها.
كثفت الفنانة الفلسطينية نورس الحنين إنتاجها هذه السنة، ولم يخل شارع أو كافيه من أغنية أنا البيرق والراية، خاصة نسخة نورس التي تفوّق إيقاعها عند دمجه مع المجوز على الأغنية الأصلية. دخلت نورس مشهد الشعبي عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها، لكنها حققت شهرة واسعة عربيًا في العامين السابقين وخاصة بعد تعاونها مع عدي الزاغة.
يحافظ كل من التريو هاني الشوشاري وأسامة وحسين علي الملقبين بعمالقة فلسطين على رزانة أدائهم، فلا يحتاجون إلى الكثير ليقوموا بإحياء أفضل حفلة، تسرّ الصغير قبل الكبير، وبينما تطغى على معظم الأغاني الشعبية الدقات والإيقاعات الغربية، تتميز موسيقى التريو بمحلية وبساطة قادرة على سلطنة المستمعين.
يبدأ صخر الجازي ذو الصوت المبحوح مع القليل من الأوتوتيون بغناء الجفرا، ليصدح باللازمة الأساسية التي لاقت انتشارًا واسعًا في شمال الأردن ودرعا، إذ أصبحت نشيد المدينة في معظم حفلاتها: “جفرا وهي يالربع قالت عني وابعد / رحت أدّور عليها بشوارع إربد.” كما يفاجئنا صخر ويختم الأغنية بموال حزين.
استطاعت الفتاة اللبنانية ذات الـ ٢٤ عامًا رورو حرب أن تتصدّر مجموعة مغنّي الشعبي الشامي في وقت قصير. رغم أن ألحان أغانيها تقليدية وكلماتها حماسية لكن مكررة، إلا أن حضورها العالي وصوتها المتفرّد ومحاولتها في مزج الشعبي الشامي بالبوب أحيانًا ميزوها عن نظيراتها بشكل جلي.
أطلق الفنان يوسف حسين ابن الرقّة أغنية أريام الزور لتملأ مواقع التواصل وتصل إلى الخليج، وتحديدًا إلى السعودية حيث يقيم الفنان، وسط تساؤل كبير من السميعة عن المعاني الحاضرة في الأغنية، نظرًا إلى صعوبة اللهجة الرقاوية، مع العلم أنها اللهجة التي دائمًا ما يغني بها يوسف الحسن في أغانيه وتعاليله الفراتيّة.
أصدر الفنان قصي العلي بصوته الجهوري أغنية سوريين ونعم الأصل بعد سقوط نظام الأسد في٨ / ١٢ / ٢٠٢٤، ليقول: “خل يكتب التاريخ ويحكي عنا / المرجلة والطيب طلعت منا.” ساهمت هذه اللحظة التاريخية في إعادة إحياء أغان وأهازيج كنّا قد نسيناها مثل ارفع راسك فوق انت سوري حر، وأغنية عالهودلك يابا عالهودليه لوصفي المعصراني، بعد أن غمرت الاحتفالات ساحة الأمويين في دمشق ومعظم المحافظات السورية والعربية الأخرى.