.
كان عامًا حافلًا للبوب الخليجي والعراقي، ما جعل ظهوره متكررًا أكثر من أي عامٍ سابق في إصدار معازف الدوري لرصد أفضل موسيقى من حول العالم، النووي، والذي أدرج فيه لأول مرة ألبوم بوب خليجي. بين جواهر يمنية مخفيّة وانفجارات رقص عراقيّة وقطع رومانسيّة غامرة وحتى بروباجاندا، ٢٥ أغنية من أفضل الأغاني الخليجية والعراقية التي تشهد لعامٍ قوي.
المعلومات شبه معدومة عن لمى الشريف، الصوت الملفت الذي يأسر الأذن بدءًا من الدخلة وحتى إعادات لا تُمَلّ، كما يذكّرنا مع حالة الأغنية بصوت علا جامع مغنية شارة مسلسل الزير سالم الأيقونية. أيضًا، يستحق الشاعر والملحن علي عبد الله (أبو سومر) كل الامتنان على أصالة العمل وعلى اختياره الصوت المناسب، والعوّاد المناسب. نأمل أن نسمع أكثر من لمى على عكس ما حصل في حالة علا جامع.
رغم كبر تجربة سراب عوّاد كمُلّاية نائحة مطربة تغني في المآتم الشيعية النسائية عن مآثر المتوفّى. وحرّيفة غناء ريفي، ليس في أرشيفها الكثير من تسجيلات الاستوديو الاحترافية كهذا، ما يجعلنا مدينين لنديم السامرائي على منحنا فرصة الاستمتاع بصوت سراب بكامل ألقه هنا، مؤكدةً أن سنوات التنمر على شكلها وصوتها وانتمائها للغجر أو الكاوليات لم تؤثر في ذلك الصوت الكبير والحضور الطاغي.
أخيرًا، أصدرت أميمة طالب نهاية هذا العام ألبومًا كاملًا لا يفرط في الاعتماد على صوتها. وش زينه عينة ممتازة من الألبوم، من ألحان سهم وتوزيع عمر صباغ، المسؤولين عن معظم أغاني الألبوم وعن أهميته في مسيرة أميمة. من الواضح أن سهم قرر هنا أن يتحدى نفسه ويخرج عن أسلوبه الذي أغرق الساحة الخليجية ولم يعد بجاذبيته الأولى، وأشبع صباغ جهود سهم.
ما زال أرشيف مرتضى العبودي خاليًا من ضربات بحجم المعروفة عن فناني البوب العراقي، لكن من الواضح أنه على الطريق، خصوصًا مع حرصه على التعاون مع موزع بصياعة هيثم سالم، لتصل شراكتهم أعلى ذروة في هذه الأغنية. بالإضافة إلى العبودي وسالم، كانت كلمات وألحان عباس الجبوري، الذي كثف إنتاجه بشكل كبير في الفترة الأخيرة، من أفضل ما قدم وأعطت مساحة لصوت العبودي وخيال هيثم سالم ليتبروزوا ويلمعوا.
بعد تجاوز التقاطعات التي تتجاوز توارد الخواطر بين هذا اللحن، المنسوب لـ سعيد بن مانع وصالح اليامي، ولحن يا مرحبا يا معنّى لـ محمد عبده من مطلع التسعينات، يمكن تقدير مدى جمال هذا التسجيل الذي يصلح كموسيقى تصويرية لموقف محوري من المسلسلات البدوية الفخمة، خاصةً بمكانه الوسط بين الغناء والإلقاء، وقوة كلماته: “وضحّت لك والظاهر انّك ما تحب الواضحين / حتى ان شوقك قام يستعجم على فصاحتي / دلّة وصالك يوم جيت اتصبّها لي باليمين / قبضت قلبي دونها من قبل لا اقبض راحتي.”
أدركت اللبنانية ديانا حداد منذ وقت مبكّر أن خامة صوتها مطلوبة في الأغاني العراقية والخليجية وحتى المغاربية، وأتقنت الغناء بتلك اللهجات وصنعت بها الكثير من النجاحات. في السنين الأخيرة أضاعت ديانا حداد البوصلة نوعًا ما، فبقيت على تفضيل اللهجات دون تلك النوعية في اختيار الأعمال نفسها، ما جعل كل الهلا حدثًا منتظرًا من جمهورها، ومشبعًا ككلمات رشيقة بلهجة الأنبار من مأمون النطاح، ولحن نابض من محمود التركي.
صدرت جرح العرب ضمن ألبوم أصالة الخليجي المنتظر بعد تسريبها، كإحدى أجمل المفاجآت من فنانة بين الأكثر نشاطًا وذكاءً على ساحة البوب اليوم. هناك تكهنات حول لهجة الأغنية البدوية فيما إذا كانت تتبع بدو السعودية أم الأردن أم غيرهم، ويبدو أن كويتية الشاعر لم تساعد في الحسم. ربما يمكننا القول إنها بدوية بيضاء وجزلة، وجذابة للإصغاء. صحيحٌ أن أصول اللحن تعود إلى أغنية حيوا الرجال المخلصين لـ كاظم الساهر وشيلة شومي له؛ لكنه ما زال طازجًا إلى اليوم ويتحمل التقديم برؤية جديدة كما حصل هنا. بالإضافة إلى كل ما سبق، نضم صوتنا إلى أصوات الجماهير المنتشية بطريقة توظيف قرار صوت أصالة الذي نشتاق له.
ربما سيقضي معظم جمهور نبيل الأديب أول استماع منتظرين الخازوق، فالأديب معروف بالحسرة وكسر الخاطر والفراق، لكن لحسن الحظ، هنا وُظّف صوت الأديب وجاذبية أدائه في إحدى أرق رومانسيات هذا العام من العراق، والتي ترسم ردة فعل على كلمة أحبك بألحان الأديب نفسه.
رغم تطلُّب الأغنية قدرات صوتية وأدائية إلا أنها محمّسة للأداء الجماعي وذات طاقة معدية، بدأت من عبد الله المناعي الذي يستأنف ثنائيته المثمرة مع فهد الكبيسي هنا، وأضاف إليها أداء الكبيسي، ليأخذ سيروس كل هذا إلى الذروة بطبقات أصوات متشابكة ودافعة لبعضها البعض.
تعطي الأغنية إحساسًا أنها وليدة قعدة، بكل معنى إيجابي ممكن من روقان وتلقائية، مع خفة دم وطاقة. صوت محمد السالم مستنفرٌ فعلًا لأن مراته راح اتطلكه وتخبله ومحسود، لكنه لا يستطيع مع قفلة كل جملة أن يقاوم صولوهات كيبورد السامرائي المجنونة فيرقص ويرقّصنا، وسط توزيع متفجّر من هيثم سالم.
سلطان خليفة تلقائي على طول الخط. اختار لقب حقروص فقط لأنه كان لقبًا أطلقه عليه أصحابه بسبب صغر حجمه، واختار الدراسة الشرعية بدل العلمية لأنه احتاج إعادة امتحان وهو لا يعيد، ويغني لأن الأمر مسلٍّ لكنه مستمر في وظيفته كمسؤول موارد بشرية بالتزامن مع مسيرة الغناء وكتابة الكلمات والألحان. واضح من هذا التشابك أن لموهبة سلطان دور في نجاحه أكثر من تكريس الجهود والفكر، ما يجعلنا متشوقين للنتائج المحتملة لو أصبحت الموسيقى أولويته. في هذه الأغنية تحفز سلطان لعمل شيء مختلف، ربما بإلهام كلمات وتد، فانتقل من طابع الحسرات الذي سيطر على معظم أعماله إلى شيء أكثر خفة وجاذبية ومحلية، يشبه تعاونه مع ياسر بوعلي في أغنية عيوني قبل ٤ سنوات، بتوزيع متفوق لصالح آخر دوا، ودخلة ملفتة بصوت أثير النغم تزيد الرغبة بإعادة الأغنية أكثر من مرة.
منذ انفجار أغنية تعال وحتى اليوم ما زال علي جاسم رائد البهجة في الأغنية العراقية وحرّيف الخفّة والروقان، ليستكمل هذا العام سلسلة مبهجاته بـ صدفة بدربكم مرّيت، بالاشتراك مع صوتين وملحّنين يضيفون لجاذبية الأغنية وقابليتها للمشاركة للتمايل والغناء معها، وإعادتها.
عندما يوظَّف صوت فخم ذو حضور لافت مثل داليا مبارك في مشروع مدروس ينصف المشروع ويكتب له عمرًا أطول، كما حصل في ألبوم في حياتك مستحيل قبل ٥ سنوات، الذي كان إصدارًا نادرًا في مشهد البوب بتكامله وفكرته، التي تجمع الأغاني في سردية وحدة ونسيج لحني واحد غزله ياسر بوعلي. مع ألبوم بصمة تؤكد داليا أن إنجاز في حياتك مستحيل لم يكن صدفة، بدءًا من الأغنية الافتتاحية وعنوان الألبوم، بصمة، المكتوبة بحساسية عالية من عبد الله أبو راس.
منذ فوزها بلقب الموسم الرابع من ذَ فويس قدّمت دموع تحسين المتوقع منها، بتمكّن وتأثير لكنه المتوقع، فصوتٌ جريح وعريض مع تفضيل صاحبة الصوت للأغاني الحزينة واسمها دموع تركيبة آلام نووية. يمكن بسهولة التأكد من كون صوت دموع طيّع أكثر مما تعطيه الفرصة ليبديه عندما نسمع أداءها لـ على بالي لـ شيرين، عندما تحوّلت كل هذه القوّة إلى رقّة تليق برومانسيات مروان خوري. في حبك ورطة تعطي دموع تحسين لنفسها فرصة أخرى في نوع أكثر طاقة ومرحًا، كدليل آخر على كم ما ينتظرنا لو أفسحت لنفسها مجالات أوسع.
هذه الأغنية من ألطف ما يمكن أن تكافئ به نفسك إذا وجدت أربع دقائق إضافية في يومك، للاسترخاء والطبطبة على القلب وترقُّب لفتة أو حالة حب. تتكامل أصوات فهد السليطي بتأمليّته وصالح اليامي باندفاعه، بينما تعطيهم كلمات فهد بن سهل أرضية خصبة ليلمع الاثنان، مع اختيار اللحن الأمثل، وإن لم يًنسب الفضل فيه لأصحابه. اللحن يمني قديم، نُسب مرةً إلى سلطان الشادي في أغنية يا شوق لـ خالد عبد الرحمن، ومرةً إلى فهد السليطي هنا، رغم أنه استُعيد حديثًا في مسلسل دكان جميلة.
نستطيع بسهولة تخيل صوت دولار الأصيل ينتشر بسرعة عالية على موجات البلوتوث مطلع الألفية، إذ فيه كل ما نبحث عنه في صوت عراقي قُحّ يشعل الأجواء، من البحة الجذابة إلى الجهوريّة والقدرة، بالإضافة إلى طابع شعبي أصيل أقرب إلى الأصوات التي كنا نسمعها مسجلة بجودة منخفضة من حفلات الأعراس. لحسن الحظ صوت دولار مسجل في ظروف تليق به هنا، ومع توزيع ناري من عبود سالم. الواضح من عدد المشاهدات أن الأغنية لم تنل حقها من الترويج رغم قابليتها لتكون ضربة كبيرة لكل المشاركين.
تسجيلات الاستوديو غير معتادة من الصوت الشعبي المهم تركي الجازع، لكنها ضرورية لتوثيق صوته بهذه الصيغة، وكذلك لمنح فرصة للعازفين كونه من ثقافة تقدّر كل مشارك في الفرقة، حيث استخدمت آلات حيّة وذُكر كل عازف باسمه، ونخص بالذكر أيمن الناظر المسؤول عن الكمان والوتريات، ونايف البنقا ضارب الإيقاع، اللذين أسهما في تجربة منعشة وجذّابة.
لأسباب عديدة تستحق إفراد دراسة لها احتضرت أغاني البروباجاندا العربية منذ زمن، خاصةً الممولة رسميًا، مع استثناءات قليلة من أبرزها وأحدثها هذه الأغنية، التي أعدت من قبل مديرية الإعلام العامة ردًا على قرار الخزانة الأمريكية بتطبيق عقوبات على بنك الهدى العراقي بدعوى تمويله للإرهاب. تشحن الأغنية المستمع بالفعل وتستمر حالتها الحماسية طويلًا بعد انقضاء الدقيقتين ونصف مشجعةً على الإعادة.
هناك عادة مؤسفة في الشيلات الخليجية، وهي كتابة اسم الملحن إن أُعد اللحن من أجل الشيلة، وإسقاطه إن كان اللحن من أغنية أقدم أو من التراث، كأن اللحن سقط على الاستوديو صدفة. في هذه الشيلة الإدمانية التي أوصلت العُماني أسعد البطحري إلى أعلى ذروة في مسيرته حتى الآن كُتب اسم الشاعر الإماراتي محمد بن سوقات الفلاسي، وأُسقط اسم الملحن والمغني الأصلي علي بن بروغة. أيضًا، لم يكن البطحري أول من استعاد الأغنية فقد قدمها كذلك ميحد حمد.
محسن الفراتي سوري من الحسكة المتاخمة لحدود العراق، والمعروفة بأغاني الفزعات والعركات والمفاخرة العشائرية، النوع الجماهيري جدًا بسبب حماسيته حتى أصبح من مفضلات الأفراح. لذا تعّود الفراتي سماع أغانيه بأصوات الكثير من المغنين الشعبيين دون استئذان، مثل دقيناهم دق الموت واللي يحجي فظهرنا وسلم على امك سلم. هنا التزم الفراتي بخطه الخصب، ليقدم ربما وحدة من أفضل أغاني موسم عيد الأم منذ سنين، بشكل مقصود أو غير مقصود، من خلال كلمات نارية من شريكه المعتاد اسماعيل حسو، صولوهات أورغ بديعة من كاظم السامر، وصوت مصقول من طيف عادل يجعل دقيقتي الأغنية قابلين ليمتدوا إلى ساعة من الإعادات.
من الواضح أن عيضة المنهالي يستمتع بكتابة الشعر الغنائي، فيختار هنا قافية صعبة: “ردف وقطاه ومدّه / والحدّه / عينه فيها العجب / وشعره يلين اهدّه / ما ردّه / يوصل لين الكعب”، ويستمر بالأخذ والجذب معها ليقدّم لنا إحدى ألطف قصائده، ويسهّل على وليد الشامي المهمّة بغنى النص بالموسيقى الداخلية، دون أن يستسهل الأخير، والنتيجة لا تُمَل.
مرة أخرى كلمات قصي عيسى وألحان وغناء نور الزين، وأغنية ضاربة ورشيقة، إنما هذه المرة الأغنية مطرّزة بصوت كبير يمنحها أصالة وفخامة هو رعد الناصري، والذي تحس أنه يجب على أحدهم تنفيذ طلبه حين يشدو: “تعال نشوف هيمة / نبني بيها خيمة / نسّي كلبي ضيمه / حبني هواي.” صوّرت الأغنية في مواقع بديعة في مدينة أبو غريب التي قلما يعرفها أحد اليوم إلا بسجنها سيء السمعة أيام الغزو الأمريكي.
علي خضير فنان يمني مقيم في السعودية، مجتهد وله محاولاته في الوسط بدايةً من ٢٠١٩ بصوته وألحانه، دون تحقيق ضربات معتبرة بصوته، ومع نجاحات فوق المتوسطة ببعض ألحانه لأصوات أخرى. هذا العام حاول علي خضير إعادة ابتكار نفسه، وحذف كل أعماله الغنائية الفردية السابقة وبدأ من جديد. غالبًا كانت هذه الخطوة بسبب إدراكه لتطور أدائه فلم يعد راضيًا عن أداءاته الأقدم، لكن الخطوة الجديدة المهمة بالفعل كانت تعاونه مع النجم التهامي عبد الله آل سهل من خلال ألحان هذه الأغنية، التي عاد فيها إلى الجذور بروقان وجاذبية جلسة عود يمنية، تجعلنا منتظرين بالفعل نسخة جلسة أطول وأكثر حريةً في الأداء.
هذه المرة الثانية على التوالي لـ سليم سالم في قوائم نهاية العام، وفي المرتين تكون أغنيته الأكثر مرحًا وجنونًا ومن ألحانه، الجمسي في ٢٠٢٣ ويا حتة هذا العام. يبدو هذه المرة أن سليم سالم طوّر اللحن خلال جلسة مع الموزّع دينار لتحقيق هذا التكامل الملفت والمسلّي، الذي يضاف إليه بعض الغناء الجذّاب بالكردية.
أصبحت فكرة انفراد ملحن واحد بألبوم متكررة في المشهد الخليجي، لكن ما زال نجاحها استثناء. ليست تجربة نوال الكويتية مع عزوف في ألبومها الأخير ذلك الاستثناء الذي نتمناه، لكنها بلا شك أثمرت أكثر من أغنية جميلة أهمهم يا لايم المشتاق، المشحونة بنّفّس شعبي جذّاب للسماع والإعادة والمشاركة بالغناء، مع دخول فخم من شبح بيشة. فوق كل هذا تفوَّق عصام الشرايطي في التوزيع، رغم صعوبة المنافسة مع عمر صباغ الذي تولى أغنيتين من الألبوم.