.
كان ٢٠٢٠ عامًا صعبًا على مشهد الموسيقى الإلكترونية والموسيقيين عمومًا، توقفت فيه المهرجانات والحفلات، وجفّ معها مصدر الرزق الأساسي للكثير من الفنانين. رغم هذه الصعوبات، وربما بسببها، ازدحم العام بالعديد من الإصدارات المتميزة. لم يعبأ منتجو الموسيقى الراقصة بتوقف ساحات الرقص واستثمروا طاقاتهم المكبوتة لمفاجأتنا بألبومات نارية. من ناحية أخرى كان توقيتًا مثاليًا للإصدارات المحيطة والتجريبية، إذ شغلت الفضاء الذي تركته النوادي الراقصة لتجذب الجمهور إلى موسيقتهم المخصصة للسماع المتمعن. كان هناك أيضًا إطلاق جُمعة باندماكب، الذي تذهب مبيعاته كاملة ومباشرة إلى الفنانين، والذي لعب دورًا فعالًا في تشجيع الفنانين وشركات الإنتاج على الاستمرار وعدم الاستسلام للظرف الراهن. أسفر كل هذا عن كم ضخم من الإصدارات المتنوعة، تابعناها عن كثب لنختار لكم أفضلها.
أعد القائمة محمد أشرف وزهور محمود ورامي أبادير، بالترتيب الأبجدي.
يشغل الألبوم مساحة بين البوب والتجريب في الموسيقى الراقصة وتفكيكها، خالطًا الصوت اللامع بالغليظ والحاد المتحشرج ذا تأثير الهاردكور، ومتخطيًا فكرة الجنرا بشكل عام. يعتمد آدا على التلاعب بالعينات الغنائية وسنث الترانس المزود بالآربيجييتور لإغراق موسيقاه بالنشوة، بالإضافة إلى خامات السنث التفتيتي وكيكّات تتوالى كطعنات متسارعة، لتُكسب الجماليات اللامعة مزيدًا من الطاقة وتخلق تباينًا مع العناصر الصوتية الناعمة. يخلق آد(م)م في هذا الألبوم عالمًا برّاقًا حافلًا بالألوان تبرز خلاله أصواتٌ نابضة وبنية مائعة، تنعكس في الغلاف الذي صممه جالن تيبتون وفيديو التراك المصوّر، وينج دينجز سيمبُل، الذي أنتجه ترنجس. إذا كانت تسجيلات بي سي ميوزك أسست الهايبر بوب، فيعد هذا الألبوم الخطوة التالية لهذا النوع.
ليس هناك صوتٌ يعرّف الموسيقى الإلكترونية الأندرجراوند عبر السنوات القليلة الماضية مثل الإيقاع النقري المُفتت: شذرات الصوت متناهية الصغر، نسيج الصوت بحد ذاته، وتدوير وتفكيك الأصوات لتصبح شيئًا مختلفًا تمامًا؛ وليس هناك ألبومٌ وصل بذلك الصوت حد الكمال كالبديع سيميولاكرَم لـ آهو سان. هذا ألبوم يحقق أفضل استغلال لتقنيات معالجة الصوت الحديثة، دون الوقوع في ما تقع فيه ألبومات معاصرة تترك مستمعيها بانطباعٍ فاتر. هناك توازن عبر الألبوم يجعله معلقًا بين التوتّر الحاد والجمال المُغدَق. ألبومٌ كامل ومهم.
يستجمع آل ووتون ذاكرته الموسيقية وتأثره بالعقد الذهبي للبايس البريطاني، طارحًا ثمانية تراكات مشحونة بالحيوية تتدفق كوصلة تحمية راقصة على مدار أربعين دقيقة. رغم بعض النوستالجيا، إلا أن الصياعة والجمال يطغيان على الألبوم، نتبين ذلك من خلال إنتاج متقن يسوده أسلوب الدَب وألحان تلتصق بالأذن ودقة في التصميم الصوتي. يطغى على الألبوم التو ستِب والدب ستِب الذي تتخلله فواصل إيقاعية تضيف إليه لمحة من الجانغل، كما يظهر الجراج في بعض الأحيان. توحّد كوردات دَب خاطفة وبادز ناعمة وبايس متراقص عميق تلك المعادلة الإيقاعية متغيّرة الأنماط. تبع ووتون ويتنس بالإصدار القصير سنايك دانس ويعد استكمالًا لنفس الخط. ظهر ووتون هذا العام بإصداراته العديدة كعاشق حرفي للتو ستِب غير متباكٍ عليه.
اليوم، وصل استخدام لووبات الشرائط في الموسيقى المحيطة حد الكليشيه تقريبًا. جماليةٌ وجدت طريقها إلى مئات من فيديوهات الإنستجرام، والمقصورة في معظم الأحيان على ذات الأصوات واللوبات المستهلكة. لحسن الحظ، يأتي ألبوم سيون٥ لـ أندرو هارجريفز هنا ليذكرنا بكيفية تحقيق الاستعمال الخلّاق لتلك اللوبات. عبر قطع الألبوم الأربعة، يبني هارجريفز تراكاته من أصوات متباعدة، وأحيانًا متضاربة، تنتهي جميعها إلى نسيج منسجم ومنطقي. اختيار العينات بديع والنقلات رشيقة، ومن وجهة نظر صوتية، الألبوم خصب ومتكامل. هذا ألبوم يبث النوستالجيا، والنشوة، بقدرٍ شبه متساوٍ، ودون أن يبدو كليشيهيًا أو منتجًا معلبًا.
كاميل هو التراك الوحيد في ألبوم بيكوز أُف أَ فلاور الذي يمكن تصنيفه بوضوح على أنه إلكتروني، لكننا قررنا توسيع حدود التعريف بسبب تميز أسلوب العمل مع العينات والتلاعب بالأصوات البشرية. وسعنا حدود التعريف أيضًا لجمال الألبوم المذهل. ألبوم آنا روكسان الطويل الأول، كألبومها القصير من العام الماضي ~~~، متواليةٌ تقليلية مجرّدة، تعتمد بشكل أساسي على صوت آنا، مع دعم آلاتي متنوّع. الألبوم فسيح صوتيًا، مفعم بالحساسية في جماله، ودليل – في معظم الأحيان – أن الموسيقى الأكثر تأثيرًا هي الأقل تعقيدًا.
من أولى التعليقات التي تعثرت بها لدى صدور ألبوم ساين: “أعتقد أن الشباب [أوتكر] أخيرًا وجدوا الوقت للاستماع إلى بوردز أُف كندا”، ولدى سماع الألبوم يُصبح مقصد التعليق واضحًا. بالنسبة لفرقة مستمرة في جعل موسيقاها أكثر نشوزًا ولا نغميةً وغرائبية، إصدارًا بعد إصدار عبر العقد الماضي، من الطبيعي أن يفاجئ الجميع تقريبًا ظهورهم بألبوم يحتوي فعليًا أنغامًا وتراكاتٍ تعلق في الذاكرة. في ساين، خلق ثنائي أوتكر ألبومًا مُركّزًا، غنيًا نغميًا، وخصبًا صوتيًا، يضم أروع تراكاتهم منذ قرابة عقد. ربما لا يكون حدثًا بقدر ألبوماتهم الأخيرة، لكن أحيانًا يكون كل ما تحتاجه مجموعة من التراكات المتقنة بالفعل.
ووركأراوند ألبوم صلب ومتماسك بجميع عناصره، يمكن الاستماع إليه كوصلة حية واحدة منحوتة ببراعة. توفّق ديلون بين عنصر إلكتروني تتصدره خامات الإف إم سنث المعدنية الرقيقة، وعنصر بشري لعينات آلاتية توظفها في لحظات مثالية، بتصميم صوتي دقيق كعملية جراحية مريحة وسلسة خصصت للاستجمام. تخلق ديلون من خلال هذا الإصدار بديلًا للصوت الإلكتروني الغامر والكثيف الذي بات طاغيًا في الآونة الأخيرة، فارضة جمالياتها التقليلية بإيقاعاتها اللعوبة وبنية موسيقاها المستقرة (أو غير المفككة) على المشهد الإلكتروني. يُجسّد ووركأراوند تفوق الشخصي على السائد، وعلى فرض قيود جمالية بشكل استراتيجي.
يعود بوتاني بعد غياب بألبوم طويل. يحفل الألبوم بعينات صوتية لحنية يرصع بها بوتاني إيقاعاته اللو-فاي الغليظة ومتوسّطة السرعة. يمتاز الألبوم بإنتاجه المرتكز على كولاجات صوتية وبايس عميق نابض وطابعٍ ممتع يمتد على مدار ستة عشر تراك جذّاب. وسط مزيج من الإيقاعات متغيّرة الأنماط، تتدفق إيقاعات مفرقعة ومؤثرات عتيقة وعينات دقيقة متناثرة وأنسجة صوتية مشوّشة بشكل متقطع. يأخذنا بوتاني في ألبومه الجديد في رحلة سايكديلية مخدّرة وحافلة بالتفاصيل ومحفّزة على الاسترخاء.
أتى ألبوم باتر لـ براين رايز بالاشتراك مع كوايت بعد إصداره القصير واى بري؟ / لتس جت إت بالتعاون مع رابر الجرايم لوي كينج. يضم الألبوم ثمانية تراكات تظهر تأثير البايس البريطاني الصريح من خلال إيقاعات جانغل متشابكة وموجات منخفضة، في حين تأتي سنثات حالمة وأنسجة صوتية غنية وعينات مجرّدة لتضيف طابعًا خفيفًا وساخرًا. كما تظهر أصداء الفوت وُرك في بعض التراكات منصهرةً في الفواصل الإيقاعية ليتكامل صوت الألبوم الراقص السلس. باتر شحنةٌ إيقاعية مكثّفة ودسمة، ومن أقوى إصدارت البايس البريطاني هذا العام القادرة على ترك أثر واضح والمشجعة على العودة للاستماع إليها بعد بضعة سنوات.
يستمد بونجالوف إلهامه من ذائقة متنوعة لموسيقى الدِمبو والجانغل والدانسهول والتجريب الغامض في الموسيقى الراقصة، بالإضافة إلى توظيفه للعينات الصوتية على نحو استثنائي ومفكك. يتميز الألبوم بجودة خاماته وبحيويته الراقصة اللعوبة وتدفق تراكاته كشلال من الإيقاعات الصاخبة غير التقليدية، بينما تخلق الأجزاء المحيطة مشاهدًا صوتية ساحرة تأتي بمثابة فرصة لالتقاط الأنفاس. كما يبرز دور العينات السينمائية الممطوطة والمشوّهة والسنثات الصارخة التي تغلّف تراكاته. يمزج بونجالوف تلك العناصر المتباينة مستخلصًا منها جسمًا صلبًا تظهر فيه عناصر ثقافية متعددة خالية من الإكزوتيكية. يتألق بونجالوف بهذا الإصدار في المشهد الإلكتروني التفكيكي وكواحد من أهم وجوه المشهد التجريبي النشط في الأرجنتين معلنًا عن أكثر أعماله نضوجًا وتطورًا.
هذا ألبوم يمكن لأي أحد تقريبًا صنعه، لكن أحدًا لم يفعل ذلك حتى قررت كارولاين ماكنزي أن تقوم هي بذلك. إن بدا في الوصف مبالغة، فهذا الألبوم عبارة عن خمس كوردات ملعوبة على الأرغن مرةً بعد مرة، لأربعين دقيقة. لكن في اختيار هذه النوتات الخمسة، ومدى استمرارها، وموضع إعادتها، ثقلٌ عاطفيّ تفشل مئات الألبومات في حمله. كما في حالة أفضل الأعمال الفنية، يتجاوز ألبوم فور ذَ دايز تو كَم وسيطه، ويتواصل مع مستمعيه على مستوًى عميق وإنساني. ليس هناك إنجازٌ تقنيٌّ هنا. هذا ألبومٌ أمكن صنعه منذ سنوات، عقود، وربما قرون ماضية، وكان ليحقق لدى مستمعيه ذات الصدى. هذا عملٌ مهم.
يخوض دِث كواليا في عالم خيالي تدور أحداثه في قريةٍ أزليّة، ترزح مشلولةً تحت تهديد وحش. يعالج دِث كواليا ثيمته عن طريق تصميم صوتي معقد وجذاب، نتبين منه جمالياتٍ آتية من عوالم أخرى. يجمع الألبوم بين الحضور الخجول للنغميّة، والتجريد على مستوى الأنسجة الصوتية الغريبة والخامات الغنية. لا يلتزم دِث كواليا ببنية متوقعة، ويلجأ إلى استخدامٍ مثير للإيقاعات العنيفة، والجليتشات المتناثرة التي تخترقها أجواء محيطة تزيد من غموض الألبوم وصوته المستقبلي. يمزج الألبوم بين التجريب الجاد الذي يسعى إلى تطوير المشهد الإلكتروني التجريبي، والطابع الراقص الذي يمسك بالمستمع بأصوات مثيرة وإيقاعات محمّسة. يستعرض فانجد كونتراديكشن موسيقى شديدة التخصص ضمن مجال التصميم الصوتي السينمائي، وهو مشروع دِث كواليا الأساسي الذي بلغ درجةً متقدمة من النضج والاكتمال.
لا يسمح ألبوم أسوندر لثنائي دياسيفا المكوّن من المنتجين مونولوج وسوارم إنتِليجنس باستراحة خلال الاستماع إلى تراكاته الأربعة، إذ يشكّل رحلة كلوستروفوبية من البايس العنيف والطاقة الضوضائية وإيقاعات الدرم أند بايس المفعمة بالروح البريطانية الباردة. بالرغم من استطاعتهم تقديم تراكات تقتحم حلبات الرقص بثقة لعدة وصلات وليالي، لتدخل بعدها الأرشيف مع أمثالها من إصدارات راقصة تُستهلك بسرعة وفي وقت قصير٬ أصرّ الثنائي هنا على بنية صوتية معقدة تجعل الألبوم عابرًا للزمن والاستهلاك. لا شك أن أسوندر من أذكى وأعقد إصدارات البايس والجانغل التجريبي هذا العام.
يتطرق دايف ريفلكس سرفيس (شون لي) في هذا الألبوم إلى الموسيقى الراقصة في آخر خمسة وعشرين عامًا. من فرط تلاعب لي بالعينات الأصلية وإخفائه إياها وإضافته أصواتًا أخرى عليها، تظهر هذه الموسيقى الراقصة كأطيافٍ عابرة، حيث يتلاشى صوتها وتأثيرها الأصلي لينتج عنها تجربة سمعية جديدة وفريدة. يعتمد الألبوم على عينات ذات جودة شبه متهالكة يتلاعب بدرجتها ويمطّها ويعالجها بديلاى الشرائط، مع إظهار عناصر تشويش وطقطقة الوسيط الأصلي. تلعب تراكات الألبوم الاثنا عشر على الجودة اللو-فاي وعناصر الدَب، طارحةً بنيةً تنساب بسلاسة وتتوحد في أفكارها وجمالياتها كما لو كانت تراكًا واحدًا. ينجح شون لي في ٠٢ في وصفته التقليلية ناسجًا من عيناته صوتًا فريدًا وجذابًا إلى جانب حميميته. يكشف لي عن جماليات بالغة الرقة، معتمدًا على تنوعٍ في المشاهد الصوتية والخامات ودفء وتوظيف المؤثرات، حيث يُظهر براعةً إنتاجية تجمع بين الجدية والمتعة.
في ألبوم أجالما، ابتعد درو مكداول عن جذوره المترسّخة في الإندستريال واستكشف أبعادًا محيطة وآلاتية جديدة، إذ قدّم تسعة تراكات مع أسماء يافعة معطيًا اياهم الحرية والمساحة الكافية ليضخوا طاقاتهم في العمل، مضيفًا عليه إحساسه الزمني الذي يجعل منه موسوعة صوتية وحسية تحمل عقودًا من التجريب والتقويض. بما فيه من أصوات السنث المخنوقة، ووتريات ضيقة وعيّنات مبهمة، يصبح أجالما كبسولة زمنية تطفو برقة وهشاشة على سطح مياه راكدة.
فانتوم هو استكمال المنتجة والدي جاي الفرنسية إِستر لإصدارها القصير هِدون هاك. تمتلك إستر لغة راقصة خاصة وحسًا عاليًا بالإيقاع ذا قوة تعبيرية عالية، قادرة على إنعاش عالم البايس البريطاني ومضيفةً إليه جرعة تجريبية يحتاج إليها، بالأخص في الوقت الحالي. تكمن قوة تراكات الألبوم الأربعة في أنسجتها المتحولة وبنية التراكات ونقلاتها غير المتوقعة، بالإضافة إلى إيقاعات شرسة متقلبة الأنماط تتصدرها الكيكات المضغوطة. فيما يملأ الصوت البشري الفراغات الإيقاعية في التوقيت الأمثل، توزع إستر أصواتها على المدى الستريو ناجحةً في خلق صوت عريض قادر على الاستحواذ على أذان المستمعين وأجسام الراقصين، كى تحسم ديناميكية تراكاتها بفضل مهاراتها كدي جاي.
هناك لحظة في تراك آيجنسبايس من ألبوم فركتل (سارة بدر) الأخير، حيث تقاطع العينات الصاخبة لأصوات النوارس البادز الغنائية الهادئة، تمهيدًا لإيقاع إلكترو ضخم. الطريقة التي تجتمع بها هذه العناصر والأصوات المتباينة في تلك اللحظة وتلتحم لتشكل كُلًّا معبّرًا هي إحدى المرات العديدة، في ألبوم إكسيجن آفتر لَف كولابسز، التي تكون فيها حرفية سارة بدر ظاهرة للعيان لاختبارها. إكسيجن… ألبومٌ دسمٌ معقّد، يتطلّب مجهودًا من المستمع، ويكافئه عليه في كل مرّة. هناك دومًا أشياء جديدة لاكتشافها، وطبقات مختلفة من الصوت والعاطفة تكشفها السماعات المتكررة، ما يجعل الألبوم حدثًا من أفضل ما وقع هذا العام.
أَنجوليانت هو أضخم وأفضل ما أنتجت جالن تيبتون حتى الآن، سبعة عشر تراك تتعدى كل معايير التصميم الصوتي والأفكار الإنتاجية. يسير الألبوم في تدفق خطي ويروي قصصًا ومشاهدًا ذات خيال فريد بشكل سينمائي، بينما لا يثبت أيُّ تراكٍ على بنية، فيظهر طابع تجريبي ومفكك تطغى عليه نغمية عالية. يحتوي الألبوم على مئات من العينات الصوتية تسفر عن كولاج صوتي حرفي، ذكرنا في بعض أجزاء الألبوم بسوفت تشانل لـ جاينت كلو. كما يتميّز أنجوليانت بأمزجة مختلفة تتنوع بين مقاطع ساحرة وغامضة تخلقها المشاهد الصوتية، وألحان سنثات غنية وأصوات بشرية، لتُشعر المستمع أنه حبيس لعبة فيديو أو فيلم حافل بالفانتازيا. بالإضافة إلى ذلك يشهد الألبوم تعاونات عديدة، تشمل جون أوبجكت وإِنشانتد لاندز وإن مِش ويوجلوسين وسوان ميت ويوشيتاكا هيكاوا، وستة عشر منتج آخر، وهي من النقاط المثيرة في الألبوم، حيث استطاعت جالن تيبتون بخبرتها العالية أن تحافظ على جماليات موحّدة ناحتًا منها قطعة فريدة شديدة التماسك.
يعتبر هبنوسكُل (بتريك ستيفنز) من روّاد مشهد الإندستريال في أوروبا منذ بداية التسعينات ومن أبرز إرهابيي الضوضاء. تحدّى أعراف موسيقى الكلبّات وألهم أجيالًا من الناشطين الموسيقيين ضد العنصرية والفاشية، مصدرًا عشرات الألبومات بشكل مستقل وعلى شركة تسجيلاته أنت-زن. في بداية العام، أعلن هبنوسكُل عن مشروع ذَ دِسربتف بيهافيور، وهو عبارة عن إثنين وخمسين تراكًا قسمت على ثلاثة عشر ألبومًا قصيرًا صدرت على مدار العام كتراك واحد أسبوعيًّا أتيح للتحميل المجاني. أصر ستيفنز على العودة إلى عدّته المحدودة في الاستوديو: ٢ درَم ماشينز، ٢ سنث، سامبلر ومايكروفون، واستطاع إنتاج أصوات عنيفة وفظّة عبّرت عن هذا العام الغريب بغضب وأسى. في سنة مشبعة بالأصوات والجانرات التجريبية المثيرة، استطاع هبنوسكل أن يقدم هديةً نوستالجية عابرة للزمن.
مع كل إصدار جديد يستكشف الثنائي اليوناني أبعادًا جديدة في موسيقاهم تجعلهم من البارزين في المشهد الراقص التجريبي. يأخذ الثنائي خطًا صارخًا مبنيًا على ذخيرة إيقاعية ثقيلة، وعلى خامات ضوضائية كثيفة وألحان مقلة وجليتشات تتخللها عينات أصوات بشرية وتغلفها أنسجة صوتية كثيفة. دقة الإنتاج وبراعة التصميم الصوتي، والإيقاعات اللعوبة المتحوّلة التي تبث الأدرينالين في أجسام الراقصين والمستمعين، تؤهل سامبل هايجاك كواحد من الإصدارات الراقصة المميزة لهذا العام.
بعد ألبومه المميز، شبي، الصادر العام الماضي على تسجيلات جين آند بلاتونيك، يعود المنتج البولندي يولِك بلوسكي بألبوم هيومَن سايبيانس. يستمد بلوسكي إلهامه من الحالة السياسية والاجتماعية المزرية التي تمر بها بولندا ومواجهته لهوموفوبيا النظام البولندي ومؤيديه، حيث يتبنى جماليات حادة وعنيفة ومفككة ليكشف في كل تراك عن بنية وأفكار إنتاجية وخامات صوتية تفاجئ المستمع على مدار سبعة تراكات. الألبوم غني في نغميته وإيقاعاته السريعة التي تظهر كالمطرقة لتكسر الأجواء المحيطة والصامتة. يعتمد الألبوم على أصوات سنث مركبة ومعدنية وأجراس ناشزة، بالإضافة إلى كيكات غليظة مضغوطة تزوّد الألبوم بطاقة راقصة لا تعطي فرصة لالتقاط الأنفاس. هيومَن سايبيانس واحد من الإصدارت المميزة، ذو تصميم صوتي جنوني وحافل بالإبداع.
خلال دقائقه العشرين، يأخذنا ألبوم كلارا لويس القصير الجديد، إنجريد، عبر دورة حياة عينة تشيلّو. نشهد ولادتها لدى اجتماع النوتات لتشكّل الحلقة، ثم نموّها وتهالكها مع الوقت، حتى نعود إلى حيث بدأنا. التنفيذ بالغ الدقّة، ويضمن أسلوب توظيف الديستورشن والضجيج توريط المستمعين أكثر فأكثر مع تقدّم التراك. عشرين دقيقة من الموسيقى قاربت الكمال.
مما يشهد للفنان اضطرارك للـ حنتفة للاختيار بين ثلاثة أو أربعة ألبومات أصدرها في ٢٠٢٠ لتضمينها في أفضل إنتاجات العام، وهذا هو حالنا مع جوزِف كامارو (KMRU). كان من الممكن أن نختار أيًا من ألبوماته الثمانية أو نحوها الصادرة هذا العام، وسيتسق مع باقي الألبومات بسلاسة؛ إذ وصل نتاجه إلى هذا المستوى من الجودة والتماسك. يكسب ألبوم بيْيْل درجته الإضافية بكونه ربما الأكثر تنوعًا صوتيًا، بتركيبته التي تشمل الدرونات، طبقات السنثات، وطريقته الخاصة في توظيف التسجيلات الميدانية. يُعتبر كل ما يصنعه كامارو دراسةً في الحساسية والجمال، وفي دليل هذا العام على ذلك، بيْيْل، يبدو أن دراسته ناجحة دومًا.
عندما تُصنع بإتقان، تصبح الموسيقى التجريبية، المفاهيمية أو المعقدة، لوحةً للتأمُّل. أيضًا، الموسيقى التجريبية يسيرة التذوّق عملة نادرة. باليمبست أحد هذه الألبومات النادرة. ألبوم بنكهة بوب رائع، فائض بالهُكّات والأنغام التي لا تُنسى بسهولة، إضافةً إلى كونه إلكترونيًا جليتشيًا متماسكًا. هناك عناصر بريك كور، درَم آند بايس ونويْز، تتناوب احتلال الصدارة إلى جانب الأصوات البشرية ذات الطبقات العالية. تظهر الآلات الهوائية بين حينٍ وآخر، ثم تدخل إلى المزيج لإضافة نكهة عضوية، لخلق تباين مع الطابع المغرق في الإلكترونية الذي يميز باقي الألبوم. هذه تجربة سماع متكاملة، وإدمانية.
يتّحد منتجا الموسيقى المحيطة أولا شتراوس وبريلا في مشروعهم لوج الذي يستخلص بشكل مركّز أفضل ما لديهما. الأنسجة الصوتية الرقيقة والتشويش الناعم والبادز الدافئة قادرة على أسر المستمع وسط مشاهد صوتية متنوعة وغنية. يدعم الثنائي تلك العناصر المحلّقة بجليتشات دقيقة وعينات خافتة ونغمات أثيرية، ليخلقا فضاءً واسعًا، كما تظهر ملامح اللو-فاي في بعض التراكات لتخلق مزيدًا من التنوع عبر تراكات الألبوم الإحدى عشر التي تتدفق بسلاسة بالغة. لوج إترنل من الألبومات المحيطة البديعة، حيث يجسد جماليات ساحرة ومخصص للاستماع الهادئ ومحفز أمثل على الاستجمام والتأمل.
يتبنى المنتج البرتغالي لويس بِستانا اختيارات جمالية مبهرة تتيح له مجالًا واسعًا للتجريب، مستكشفًا مساحة بين الموسيقى الكلاسيكية والإلكترونية؛ ما يذكرنا بألبوم لَف ستريمز لـ تيم هِكر. تحتل أصوات الأجراس وآلات النفخ والوتريات والكورال المحلّق مساحة واسعة من الألبوم، يطعّمها بطبقات غزيرة متزامنة من السنثات والضجيج الذي يتخلل الألحان الكنائسية. يخلق بِستانا تباينًا بين الهدوء والحدّة، راصدًا التوقيت الأنسب للكشف عن توترٍ يصنعه بالنغمات المتأرجحة بفضل الجليساندو، مرخيًا إياه في مقاطع تقليلية ليتيح للمستمع التقاط أنفاسه. يتدفق الألبوم كعرضٍ حيٍّ حافل بالمشاعر، لتكمل ملحمة بِستانا البديعة على مستوى الإنتاج والألحان وتوظيف الآلات.
هناك شيءٌ مألوف بوضوح في ألبوم ليرا براموك الأول. تشعر مع كثيرٍ من الأنغام التي تغزلها مع طبقات الأصوات البشرية أنك سمعتها من قبل. تساعد حقيقة أنها صنعت ألبوم فاونتين بالكامل بصوتها على خلق هذه الصلة. هناك أيضًا العديد من الإشارات الموسيقية، المألوفة والمتباينة، التي تجتمع لتجعل هذا الألبوم بهذه الفرادة وهذه الألفة الملفتة: نبضات ستيف رايكيان، البادز الطافية المستلهمة من جوليانا بارويك، والعينات المبتورة الهولي هرندونية، جميعها حاضرة، وأحيانًا في وقتٍ واحد، ما أثمر ألبومًا أولًا للذاكرة وبالغ النضح.
إجمع ثلاثة من أبرز مبدعي الموسيقى المحيطة عبر العقود القليلة الماضية، وأدخلهم إلى واحدة من أهم شركات تسجيلات الموسيقى المحيطة، لتحصل، كالمتوقّع، على أحد أفضل الألبومات المحيطة للعام. مونوجوتو، ثمرة التعاون بين إيان هاجوود، بوريا هاتامي ودايفد نيومان، وأول أعمالهم على تسجيلات ١٢كاي، عبارة عن مشهد صوتي يستمر بالتطور، مكون من قطع آلية مبتورة، تسجيلات ميدانية وبادز تتنقل بخفّة بين الأمزجة والمشاعر المختلفة. يُظهر الألبوم احترافيةً في تصميم الصوت، وفي التعامل مع الموسيقى المحيطة كنوع بشكل قلما نجحت فيه ألبومات هذا العام.
ينجح ناهاش في إسقاط ثيمة الألبوم ما-بعد-الاستعمارية على موسيقاه، التي تبرز طابعًا عنيفًا وصارخًا حافلًا بالطاقة. من خلال الإيقاعات المفككة وخاماتها وأنماطها المتنوعة والتأرجح بين الدانسهول والجانغل، بالإضافة إلى ألحان السنثات الجذابة والخامات المعدنية، يصنع نهاش موسيقى ذات جودة عالية محفّزة على القفز، كاسرة الحواجز بين الأنواع الراقصة وقادرة على التنفيس عن الشحنات الغاضبة.
في هذا الألبوم خمسة تراكات مضطربة تصفعك في الوجه من أول مرة. صريخ آجنس جرتشكوفسكا يشعرك بأنها تخضع للتعذيب في حجرة مظلمة، بينما تأتي الإيقاعات المدمَرة والمواضيع المربكة. لكن مع إمعان السمع عدة مرات، نتعرّف على شخصية إفتراضية يتتبع الألبوم رحلتها بهشاشةً رقيقة من حب عميق إلى لحظة الخيانة، ومن ثم الهيستيريا والتدمير الذاتي. استطاع الثنائي خلق رواية صوتية تعبّر عن محاولاتنا الانحلالية البائسة لاسترجاع السيطرة على أرواحنا بعد المرور بتجارب مدمرة ومسيئة. هذا ألبوم صعب، ولكن في هذه الصعوبة يكمن جمال ما يقدّمه من خلاص ورعشة.
يستجمع دنيال لوباتان كامل قوته في هذا الإصدار، متطرقًا إلى جميع العناصر التي اعتمد عليها في أعماله السابقة. نرى أبعادًا جديدة لتوظيف عينات الآلات الكلاسيكية، مثل الوتريات والنقريات والهاربسيكورد وآلات النفخ، لإضفاء طابع ملحمي على العديد من تراكات الألبوم، مكسبًا بذلك سنثاته ومشاهده الصوتية بعدًا حيويًا ذا طاقة تعبيرية عالية. يعطي الغناء المشبع بالمؤثرات والفوكودر خاصةً لذة إلى التراكات التي تغازل البوب، والتي تتيح بدورها ألبومه لقاعدة أوسع من الجمهور. النقطة الأكثر إثارة هى توظيفه للعينات الصوتية المتهالكة ومقاطع الراديو، معطيًا للوهلة الأولى طابعًا نوستالجيًا، لكن مع الوقت يتضح توظيفه إياها بشكل كابوسي وموتّر كاشفًا عن أن الماضي لم يكن مبهجًا يومًا ما. ماجيك وان أوتريكس ألبوم متامسك ثيماتيًا، مسلي وحرفي على مستوى الإنتاج وبمثابة تجربة سمعية ممتعة.
يعد ألبوم الفريق الجنوب أفريقي فيليمونكاسي واحدًا من أهم إصدارات تسجيلات نييجي نييجي منذ نشأتها. على مدار تسعة تراكات نارية أشبه بوصلة دي جاي واحدة، يأخذنا فيليمونكاسي إلى العالم الخام لموسيقى الجوم (gqom). تتميز موسيقى الألبوم بإيقاعات متشابكة وخامات صادمة ممتلئة بالطاقة، تختلط بعينات أصوات بشرية قوية، في حين تقبع سنث بادز في الخلفية خالقةً الطابع الدرامي والمترقب للتراكات. يضيف الغناء المشحون سياسيًا بعدًا جماليًا مكسبًا الألبوم جاذبية خاصة، حيث نتبين ذلك من خلال تدفق الكلمات الفريد وتبادل الأدوار بين أعضاء الفريق الثلاثة، وأداء يجمع بين الراب والغناء. يمتلك الألبوم وصفة ناجحة قادرة على رج قاعات الرقص بشكلٍ عنيف، ولعل ظهور الفريق في مهرجان نييجي نييجي الأخير يعطي نبذة عن ذلك.
تُشكّل اللوبات النحاسيّة المبطّأة، وسط خشخشات وتسجيلات ميدانية، العمود الفقري الصوتي لموسيقى روميو بوارييه التصويرية لمنتجعٍ شاطئيٍّ متخيّل. الصور التي تستحضرها كولاجات الموسيقى الملموسة هذه أقرب إلى لقطات فوتوجرافية لعطلات عائلية من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ذات اللون البني المحمرّ؛ كما أن هناك نكهة مائيّة في الألبوم بفضل الأصوات المفلترة المكتومة، التي تضيف إلى الفكرة وتؤكّد عليها. في موسيقى تقليلية بهذه الدرجة، يجب أن ينتقى كل صوت لسبب، وعلى كل عنصر أن يقدم ما يكفي ليضيف إلى الكل؛ وكل اختيار قام به بوارييه هُنا جاء في مكانه بالضبط.
يرفع ألبوم رايان ترينور الثاني من مستوى الطاقة بالمقارنة مع سابقه أتاكسيا، ويفوقه تركيزًا. ألبوم فايل أندر يو كاي ميتابلاسم عبارة عن حركة مستمرّة، موجةٌ إثر موجةٍ إثر موجة من البيتات والجليتشات الإلكترونية المعقدة والغنية بالتفاصيل. تتوسع الأصوات وتتباين بشكل مستمر. هناك دومًا شيءٌ يتحرّك، وتقع التغييرات في لحظات غير متوقعة وبحرفية عالية. تُستعمل الإيقاعات الإقليدية عبر الألبوم صابغةً التراكات بحالة مستمرة من الجروف، المُشبَعة حتى آخر نفس.
بينما مال سايمون سكوت في معظم أعماله الفردية السابقة نحو الدرونات الغليظة البطيئة، التي اقتربت أحيانًا من الضجيج، اتجه في مايجرايشنز إلى أصوات وبُنى أكثر وضوحًا وتناثرًا. افتتاحية الألبوم، رِد سكواير، أفضل مثالٍ على هذا التغير في تركيز سايمون، حيث يُبنى التراك حول كورد جيتار واحد مبطأ، يُشكّل المركز الذي يتغير كل شيء حوله بين ضجيج سنثات وتسجيلات ميدانية وذبذبات الشرائط. تتكرر تقنية تغيير الخلفيات لصوت رئيسي مركزي عدة مرات عبر مايجرايشنز، مجسدةً أفضل انعكاس لعنوان الألبوم. أبطال الألبوم هم الأصوات المتغيرة، الذين نستمع إليهم وهم يتحركون ببطء عبر مواقع وبيئات مختلفة. ألبوم ذكي ومُتقن.
هناك إحساس جميل بوحدة الغاية في ألبوم سليكباك ///. حواف الألبوم خشنة، مصنوعة لتُلعب بصوتٍ عالٍ، ولا يبدو أنها تضيع وقتًا في أخذ الأمور برويّة أو الإفراط في التفكير بأصوات معيّنة. الذائقة الصوتية هنا محدودة نسبيًا، بين كيكات كبيرة وسَبات عميقة وسنثات مباغتة تشكّل العناصر الأساسية لغالبية تراكات الألبوم الثلاثين، دون أي شعور بالملل عبرها. هذا ألبوم كلَب عبقري، وستجد تراكات مثل NOBURO وWA023 وTINRO طريقها إلى العديد من وصلات الدي جايز بمجرد ما يعود الناس إلى نوادي الرقص.
الخامات الصوتية في ألبوم موسلز متجذرة في التقاليد الموسيقية العربية، بينما تبدو الأمزجة والآلات أكثر معاصرةً، وبالتالي أكثر قربًا من تجارب المستمعين. يقارب عطا ابتكار هذه الأصوات بشكل يجعل موسلز إنجازًا يستحق الإشادة في التركيب والتلاعب بالصوت. على كل حال، بينما تميل معظم الموسيقى الإلكترونية الذهنية إلى التركيز على الجوانب التقنية لصناعة الموسيقى، مبتعدين عن العقبات التي تفرضها الجوانب العاطفية، يستخدم ابتكار قدراته التقنية لإبراز الجانب العاطفي من عمله. النتيجة قطعة فنية عميقة وجذّابة ومؤثّرة.
أتى ألبوم سوان دايف لـ سالي ليوقظ البعد المستقبلي في الجانغل من جديد. يمتلئ الإصدار القصير المكوّن من أربعة تراكات بمفاجآت مستمرة، من خلال تلاعبٍ بالفواصل الإيقاعية والمؤثرات وضخ الحواشي الصوتية، كى تكسب التراكات مزيدًا من الحماس. يطعّم سالي معادلته الإيقاعية الصايعة والطازجة بخامات مختلفة من البايس والسَب بايس النابض والمواد المعدنية، كما ينعش تراكاته بعينات أصوات بشرية وبادز حالمة تطل من حين إلى آخر. يعد الألبوم من أقوى الإصدارات الراقصة هذا العام ويبلور أسلوبًا إنتاجيًا مبهرًا، إذ يعلن سالي خلاله عن نفسه كعالم إيقاع قادرًا على انتشال الجانغل من ركوده.
لا بُد أن أي مهتم بالتأليف الخوارزمي أو الـ ماكس/إم إس بي قد سمع بأحد أعمال توم هول، أو تفاعل معها بشكل غير مباشر. يشهد ألبوم هول الأخير حُسن توظيفه لبراعته في تصميم الصوت ولقدراته التأليفية. التراكات كثيفة الطبقات، متقلبة ومتغيرة باستمرار دون مبالغة. كل شيء متوازن، وكل الأصوات في مكانها الصحيح. لكل من شعر أن أوتكر كبح جموحه أكثر مما يجب هذا العام، هذا الألبوم بديلٌ ممتاز لإرضاء حاجاتك الناشزة الجليتشية.
في جوهره، الألبوم دراسةٌ لثماني لووبات، تتكرر كلٌّ منها وتتغير بشكل بسيط مع الوقت. الجماليات مستلهمة من الفايبروايف، بالنوتات العالية الملساء والمنخفضة المكتومة. تتنوع المصادر الصوتية بين لوبات بيانو ناعمة في التراك الختامي آي ثينك ماي تيزر هاف بيكَم جود، والجيتارات المعالجة بشكل مكثّف في فيلينج ريممبرينج، والبادز الغنائية الأثيرية في ستَند بيوتي؛ دون أن يعيق هذا التباعد بين الأصوات تدفّق الألبوم. هذا ألبومٌ يتطلب سماعات متكررة، وسيكافئ دومًا مستمعيه المهتمين بتنويعات ناعمة لكن بالغة الأهمية، نثرتها أولا عبر الألبوم.
قبل بضعة سنوات، انتقل ساسو ريباتي من كونه أحد أغزر الموسيقيين الإلكترونيين إنتاجًا إلى الخروج تمامًا من الصورة. منذ ألبومه الأخير، فيزا، انتقل إلى منزل جديد في منطقة ريفية من فنلندا، محاطًا بسهلٍ قطبيٍّ قاحل؛ وينعكس هذا المحيط القاسي والمقفر بوضوح في جديده، راكّا. اختفت المشاهد الصوتية المتأثرة بالدَب والمنقوعة في الريفرب، وكذلك التكنو المعدّل بأدق تفاصيله الذي شكّل علامةً مسجّلة لنتاجه تحت اسم فلاديسلاف ديلاي عبر آخر عقدين. عوضًا عنهم، نحصل على إيقاع نقري سريع ناري ومتكرر، ومشاهد صوتية مُفتتة (granular) وجليتشية مع طبقات ثقيلة من الديستورشن. هذا ألبوم مكثّف، مبني بإتقان، ويقدّم إضافة جديدة ومرحّب بها إلى أرشيفه الضخم.
بعد نجاح إصدارت الثنائي ليرا فالنزا، أسس ياتلي لهمان مؤسسًا مشروعه الفردي يلتسن. يعكس ألبوم لهمان القصير الأول أفكارًا إنتاجية ناضجة ومهارة عالية في التلاعب بالإيقاع، وتوظيفًا دقيقًا لكل صوت وأسلوب في اللحظات المثالية. باتت في السنين الأخيرة أصوات سنث الترانس مستهلكة، لكن يأتي استخدام لهمان لها كأداة ومادة صوتية لا يفرط فيها ويقلبها رأسًا على عقب، ناحتًا منها جماليات أثيرية وألحان مشحونة عاطفيًا وبالغة الجاذبية. المثير في كل تراك أنه يحتوي على لحن أو لحنين فقط، لكن تكمن حرفية لهمان في تزويدهم بحيوية نابضة تكسر أي شبهة ملل أو تكرار، يأتي ذلك بفضل تنويعات إيقاعية يغلب عليها حسٌّ ارتجالي، وبفضل تحولات في الخامات الصوتية، إضافةً إلى الطبقات المركّبة والمؤثرات. ناو ذاتس وات آي كول يلتسن ألبومٌ ممتع، يعكس قدرة تعبيرية عالية ولغة موسيقية بديعة في شاعريتها.
عقب عرضه الناري في بداية العام في مهرجان سي تي إم، وبعد العديد من الحفلات والمهرجانات العالمية خلال العامين الماضيين، استكمل المنتج المصري ٣فاز المرحلة الأولى من مشواره بإطلاق ألبومه الأول ثري فايز. يستمد المنتج المصري إلهامه من عناصر راقصة متعددة مثل الفوت وُرك والتكنو، ليأتي الهارد درَم والشعبي المصري في المقدمة. يصهر ٣فاز تلك العناصر ليمحي الحدود الصوتية والنمطية بينها، فمن ناحية يضخ دماءً جديدة إلى البايس البريطاني، ومن ناحية أخرى يمد حدود الشعبي المصري والمهرجانات، خاصةً عن طريق تجريبه ودعمها بعناصر جديدة. يحفل الألبوم بالبايس العنيف والعديد من التفاصيل والألحان التكرارية الجذابة، مع إيقاعات متشابكة تتوالى كصدمات متفجّرة في مناطق وتنساب بسلاسة في أخرى. هذا الألبوم بمثابة بصمة جديدة في الموسيقى الراقصة، يصيغ بها ٣فاز بترسانته الإيقاعية صوتًا غير مسبوق وشديد الخصوصية.
يتكشّف الجزء الأخير من ثلاثية الثنائي الإيراني المقيم في باريس ناين تي آنتيوب، إينا جي آر إم، كمسرحيةً من عدة فصول. النقلات عنيفة وغير متوقعة بمعظمها، لكنها لا تبدو أبدًا في غير مكانها. يخدم كل صوت يدخل إلى المزيج غايةً معينة ويضيف إلى السردية. تنتقل الأصوات البشرية من المحكي إلى المُغنّى إلى بادز بالكاد مسموعة، كمشاهد صوتية تتكامل مع رتل الآلات الموسيقية المذهل والمصادر الصوتية المستعرضة هنا. بلاسيبو ألبومٌ غني ومؤرّق، يُقدّم الثنائي في ذروة تمكّنهم ويختم ثلاثية الألبومات بخطٍّ صاعد.