.
بعد انتهاء فترة العزل والإغلاق التي دامت طويلًا في ٢٠٢٠، عادت الحياة هذا العام لعدة أشهر إلى المشهد الإلكتروني. انعكس ذلك في عودة النوادي الراقصة والحفلات والمهرجانات، ما شجّع ضخ الإصدارات الراقصة بكم كبير، لتأخذ هذه الإصدارات حقها على الأرض بدلًا من التبخر على الإنترنت مثل العام الماضي. لاحظنا أيضًا ضمن اختياراتنا حضورًا قويًا للألبومات الغنائية أو التي توظّف الصوت البشري عن طريق التجريد أو التلاعب به واستخدام الآلات الحيّة، كما تحتوي القائمة على العديد من الأعمال المبنية على الكولاجات الصوتية. بالإضافة إلى اشتراك معظم إصدارات القائمة في صوت حيوي وغامر، لا تخلو من الموسيقى المحيطة التي أخذت منحًى إنتاجيًا أكثر ثراءً. من خلال أربعين إصدار نستعرض أكثر ما أثار اهتمامنا لهذا العام.
أعد القائمة محمد أشرف ورامي أبادير، بالترتيب الأبجدي.
تعاون سث جراهام مع مور إيز لأول مرة في ألبوم من ثماني تراكات. ظهر تأثير جراهام المعتمد على الخامات التفتيتية والآلات الكلاسيكية والتسجيلات الميدانية، واندمج مع السبوكن ووردز وغناء مور إيز المعالج بالأوتوتيون، ليضيف طبقة صوتية رقيقة إلى أسلوب الألبوم التقليلي. يصل الألبوم إلى قمته في تراك إن ميموري أوف سايمون كينجستون، لينتج تباينًا بين الغناء الهامس والوحشي. شمل الإصدار تعاونات مع فنانين ارتبط اسمهم بتسجيلات أورانج ميلك مثل ريكافري جيرل وكويوزامي وميتورونوري. الألبوم مخصص للاستماع الهادئ والاسترخاء ومتفوّق في أناقته.
أفضل أشكال التعاون هي التي تجعلنا نسمع بوضوح كيف يلتحم صوت كل فنان مع الآخر، وكأنهم لطالما صنعوا موسيقاهم سويةً. هذا حال لوسي آند آرون، واحد من أكثر ألبومات العام تفردًا وإثارة. يشكل بكر الشرائط المتكرر ركيزة الألبوم، ويستمر في التبديل ما بين تجميعة أصوات مسترخية، وأصوات وترية متنافرة على طراز نوار، وإيقاعات عارضة وعشوائية. على مدار أربعين دقيقة تلتزم أغاني الألبوم حيزًا ديناميكيًا محدودًا ولا تمهل المستمع سوى في اللحظات التي تنطلق فيها دالت في الغناء. الألبوم مركّز ومثير لما يظهره من مهارة الثنائي في التلاعب بمصادر الصوت، وبالتالي، بالمستمع ذاته.
يأتي أول ألبومات آيا تحت اسمها الفني الجديد ليفكك صوتها المعتاد بالكامل. بينما كانت الموسيقى التي أنتجتها تحت اسم لوفت تغمر المستمع في لحظات مباغتة من الضوضاء والطاقة، يخلق ألبوم آيم هول جوًا أكثر تأملًا يبدو كخواطر شخصية في بعض الأحيان. صوتها وطريقة أدائها مربكان على الدوام، ما يضيف حسًا سرديًا ويبرز كذلك نسيج أصوات السنث الفجة والعينات الصوتية العشوائية الحادة. قلما تتكرر الإيقاعات، بل تستمر في تقديم عناصر جديدة أو ضربات إضافية في مواضع غير متوقعة. على مدار كل أغنية يتحوّر الصوت ويتغير عدة مرات في تجربة أخّاذة تأسر المستمع من أول لحظة ولا تطلق سراحه حتى نهاية الألبوم.
يمثل ألبوم راين كل ما نحبه وننتظره من أعمال تسان وتويلف كيه: مشاهد صوتية متكسرة ومرهفة مع تصميم صوتي متقن، بالإضافة إلى إحساس قوي بأن كل صوت وكل نغمة موجودة لغرض. تبدأ الموسيقى، ثم تتوقف لتفسح المجال لمجموعة مشاهد صوتية وهسهسة شرائط، بحيث يقع كل صوت في مكانه ويتنفس بحرية. طيفٌ واسع ومتنوع من الأصوات، ولكل صوت غاية؛ وفور انتهاء الألبوم تحس بحاجة لإعادته. ألبوم مُجزي وصارم بأفضل شكل ممكن.
من تابع مشروع بنيامين جون باورز الفردي منذ بدايته سيجد في إن فيرنو عودًا حميدًا إلى الصوت المنمّق والأقل اعتمادًا على الإيقاع في ألبوماته المبكرة. يتكون الألبوم من تراكين يمتدان على وجهي الشريط، ويميل أكثر إلى الموسيقى المحيطة الانطباعية، التي تجمع ما بين التسجيلات الميدانية والمشاهد الصوتية الحالمة، مع غلاف وثير من أصوات البادز. الألبوم مغرق في السوداوية، ويذكرنا بأول ألبوماته الذي حمل اسمه. أما الأصوات المتنافرة وأصوات الديستورشن التي تظهر في لحظات متفرقة ومتباعدة في الألبوم، فتزيد من انغماسنا في الموسيقى وتبقيها معلقة على حافة الانهيار طوال الوقت. هذا الألبوم يصلح للاستماع أكثر من مرة، وفي كل مرة يكشف عن عناصر جديدة نابعة من دقة تفاصيله واختيارات التصميم الصوتي.
يقدم الألبوم خليطًا من الجليتش والباور إلكترونيكس والإيقاعات المتشابكة، والدرَمز النارية المتسارعة لرقصة بونتا موسيقى إيقاعية سريعة نشأت في هندوراس وذات جذور أفريقية.. تضيف التسجيلات الميدانية وعينات الدرَمز الصوتية عنصرًا عضويًا، يتباين مع الأصوات الإلكترونية الثقيلة والمشوّهة بشكل مُجزي حدّ الإشباع. كما نجد تباينًا مماثلًا بين التراكات نفسها، إذ يحمل تراك مثل سين آز سكام بعض السمات الصوتية لثنائي فاك بوتونز، بينما يستحدم تراك نيفر سورت يورسيلف آوت فور ذِم جروفز أكثر صراحة، ما يضيف نكهة مميزة للألبوم. قدم كروز تحفةّ هلوسيّة يزداد تقديرها مع كل سماع.
بعد أربع سنوات من ألبومه الكلاسيكي سوفت تشانل، يضرب جاينت كلو بقوة من جديد في ميرور جايد. يخلق المنتج الأمريكي عالمًا موسيقيًا لعوبًا ذا قدر عالي من الجمال، بكولاجات صوتية حرفية ومقاطع نغمية تتناثر وتنصهر بحيوية في بعضها البعض. يعتمد جاينت كلو على آلات كلاسيكية وأصوات بشرية مفككة لبناء ثمانية تراكات ذات ثيمة متماسكة. بالإضافة إلى الإيقاعات التصاعدية والحرة، والطبقات الصوتية التي تتراكم لتصل إلى ذروة تعقبها انفراجة، يأتي توظيف الصمت في التوقيت الأمثل فيلتقط المستمع أنفاسه مشتاقًا إلى المزيد.
أكثر ما يميز هذا الألبوم هو نسيج الأصوات المبطنة للجروفز الكثيفة، وكأن شيئًا يتحرك تحت السطح طوال الوقت. يخلق الألبوم بيئة مادية وحيّة من الأصوات تجعله تجربة مربكة وموتّرة، كما يشير عنوان الألبوم. تستمر الجروفز التي تغلف هذا النسيج في التحور، تبدأ ثم تتوقف ثم تتغير، حتى تستقر على بنية محددة لا تلبث أن تخرج عنها. في مدة تقل عن ثلاثين دقيقة يقدم لنا جلاس ألبومًا يترك انطباعًا يدوم لساعات.
لو كانت هذه القائمة مخصصة لأفضل ألبومات موسيقى محيطة لهذا العام لانضم إليها أربعة ألبومات على الأقل من إصدار جيراف تايبس من جورجيا. بما أنها ليست كذلك، علينا أن نكتفي بألبوم واحد، جميل حدّ الألم، هو توال فيرج لجران بروي. لا جديد في صوت فرانسيس تريمبلاي، لكن لا حاجة لما هو جديد عندما تكون الموسيقى مؤثرة ومشبعة بالمشاعر بهذا القدر. يقدم الألبوم موسيقى محيطة لا تكتفي بالبقاء في الخلفية، وتُجزي الاستماع اليقظ، حيث تحتاج إلى الانهماك فيها ومعايشة فيض المشاعر الخالصة الذي تحمله. تبدو الموسيقى وكأنها موجودة منذ الأزل، في انتظار أن يقدمها تريمبلاي لنا. في توال فيرج كل العناصر التي تدفعنا لحب الموسيقى المحيطة.
يتمحور ألبوم المنتج التركي جرانيول حول البايس والصوت الغليظ، مستندًا إلى البايس البريطاني ومنعشًا إياه. يتميّز سايفر بطابعه الراقص وإنتاجه الممتلئ الذي يزخم بتأثيرات متنوعة، من الدَب ستب والجوك إلى الجانغل والفوت وورك. في نفس الوقت، يبرز الإصدار المكوّن من ثلاثة عشر تراك مهارات جرانيول الخاصة في التصميم الصوتي، بكيكّات تضغط على صدور الراقصين وضجيج يخترق آذانهم، مع سنثات جامحة وخامات لزجة تتخلل إيقاعات راقصة صادمة. سايفر ألبوم متماسك وعنيف إنتاجيًا.
يقع هذا الألبوم في منطقة ما بين الأعمال الغنائية المرهفة لجوليانا بارويك وإنتاج سيجور روس من الموسيقى المحيطة. يخلق ذَ كوايت دريفت مشهدًا صوتيًا تملؤه السكينة، يبدو وكأنه من عالم آخر، مع الاعتماد على صوت كينيف نفسها كآلة رئيسية مستخدمة على مدار الألبوم. صوت ملائكي يغرق في الريفرب ثم يطفو ويتمازج مع الأصوات المساعدة المكونة من السنث بادز والجيتارات والبيانو، ومن حين لآخر تتسلل طبقات ثقيلة من البايس لتنضم إلى المجموعة. الألبوم شديد السلاسة، يسعى لخلق مشهد جميل وهادئ، وتعمل كل الآلات المستخدمة لتحقيق هذا الهدف والتركيز على هذه المشاعر؛ وكما يعدنا اسم الألبوم، يحملنا في “تيار هادئ” للحظات قصيرة ثم ينسحب بعدما يتشبع المستمع بشعور فريد ومطمئن من السكينة.
استكمالًا لإصداراتهما المتوالية ذات التأثير في المشهد الإلكتروني الراقص والتجريبي، وبشغفهما المعهود ووتيرتهما النشطة، يأتي فيشَس سيركلز للثنائي اليوناني آيس_آيز كواحد من أقوى إصداراتهم. يكشف الألبوم القصير عن الوجه الراقص للثنائي، حيث تتمركز ستة تراكات حول ذخيرة إيقاعية مفككة، مبرزة خامات غنية حادة وتصميمًا صوتيًا فائق الدقة، بالإضافة إلى صوت عريض يغمر الراقصين والمستمعين. تمثل موسيقى الألبوم بأمزجتها المختلفة وأسلوبها الإنتاجي المستقبلي طفرة صريحة في البايس البريطاني والموسيقى الراقصة عامةً.
بليبس ألبوم مرح ومتنوع وممتع ببساطة. يولّف بين الموسيقى الآلية للهيب هوب والآي دي إم والآسيد، والتكنو أحيانًا، وكل ذلك بتحكم ملفت بتدفق الأصوات وتمكّن من كل هذه الجنرات. الإيقاعات متماسكة باستمرار والعينات الصوتية المدرجة في مواضع متفرقة وغير متوقّعة، ما يعزز الطابع اللعوب للألبوم. يوازن إيكي ريلز بسلاسة بين النوستالجيا والمستقبليّة، بنجاحٍ مبهر. واحد من أفضل الألبومات الأولى لهذا العام.
لن نجد رسالة افتتاحية تطرح مفهوم الألبوم بوضوح من أول لحظة مثل أبيض براق في ألبوم قلق. يخطف التراك المستمع بالإيقاعات السريعة والملتهبة، ويخلق الغناء المتكرر والمعدل بالأوتوتيون حالة من التوتر البالغ يرتكز عليها الألبوم بأكمله. بالاشتراك مع أوركسترا متفرقة تضم بعضًا من أبرز الأسماء في الموسيقى التجريبية، يطرح رضوان غازي مومنة ألبومه الرابع تحت اسمه الفني جِروسَلِم إن ماي هارت، ليقدم فيه أكثر أعماله انتقاءً واكتمالًا على الإطلاق. ألبوم قلق مرثية مثقلة وتمثل توثيقًا صوتيًا هامًا لوطن يتفكك من منظور مهاجر في الشتات.
يعود جزء كبير من جاذبية تابولا راسا إلى قدرة كاتاتونيك سيلِنتيو على جعل أغانٍ وبُنَى شديدة التعقيد تبدو قمة في البساطة؛ إذ تتمازج كل العناصر بشكل تلقائي دون أدنى افتعال. القاسم المشترك بين التراكات الستة في الألبوم هو هدير السب بايس، تصاحبه تحولات من التسجيلات الميدانية إلى أصوات سنث ثاقبة وكوردات متشابكة، فتخرج تراكات متغيرة باستمرار يمكن سماعها بكامل غناها سواءٌ على سماعات الأذن في المنزل أو بأعلى صوت داخل حلبة الرقص. يمثل الألبوم تحولًا محمودًا في صوت كاتاتونيك سيلِنتيو سننتظر استكشافه له بشكل أكبر في الإصدارات القادمة.
يدشن كلمان دوران بـ نايت إن تيجوانا تسجيلات سكوربيو رد، بداية قوية ومبشّرة لمشروعه الجديد. بعد انغماسه في الموسيقى الراقصة وتفكيكه للريجيتون والدمبو، يخوض المنتج الدومينيكاني في مزيد من التجريب والمغامرة كاشفًا عن وجهه الأكثر عمقًا خلال فترة إقامته في تيجوانا في المكسيك. الألبوم متعدد الطبقات والأمزجة، تسيطر عليه كولاجات صوتية وأصوات بشرية معالجة تطفو على موسيقى محيطة، وعناصر من الجاز الحر والدانسهول والموسيقى الكلاسيكية. كعادته ينجح كلمان في الإفصاح عن ميراث الثقافات الكاريبية بأسلوب معاصر وحرفي.
بعد عامين من نجاح ألبومه كوافيس بالتعاون مع روكساس، يعود المنتج كلارك بقوة بإصدار قصير على تسجيلات إس إف إكس. يأخذ الإصدار المكوّن من خمسة تراكات نهجًا راقصًا مستقبليًا، يبرز خلاله كلارك براعته الإنتاجية ودقة اختياراته للأصوات. تنبض التراكات بطاقة جامحة، حيث يستغل كلارك فواصل الجانغل الإيقاعية ليخرج بها بأنماط متقلّبة محمّلة بالتوتّر، تبتعد تمامًا عن القوالب المستهلكة، متلاعبًا بالأصوات البشرية والخامات المجرّدة وتراكم الدستورشن، ومتّكئًا على بايس ضخم قادر على رج قاعات الرقص. كما يحتوي الإصدار ثلاثة ريمكسات تحتفظ بروح البايس البريطاني، لكلٍ من آيس_آيز وزووي ماكفيرسون وإيهووا.
آجور ألبوم ذو جماليات فريدة تسير بخفة بين البوب والتجريب، يوفّق كورلس خلاله بين مزاج تقليلي وتكثيري، حيث يتقن التوقيت الأمثل للتنقل بينهما، محكمًا تدفق تراكات الألبوم. تلتصق ألحان الألبوم العذبة بالرأس من أول مرة، وينحتها كورلس بكورال وغناء متماسك حينًا ومفكك في مقاطع مختلفة، إضافةً إلى سنثات نابضة ونقرات ناعمة على هابسيكورد. هذا فقط جزء صغير من مواده الصوتية المتنوعة، حيث يظهر فيه تأثير موسيقي كلاسيكي معاصر، لكن سرعان ما يأخذ توجهًا سينمائيًا ملحميًا في أجزاء وراقصًا خفيفًا في أخرى، ليسود السكون تلك المعادلة المعقدة ويتبخر وسط مساحات محيطة وصامتة.
في الجزء الثالث والأخير من ثلاثية فلش ريل فارينكس ٢٠٢١، اختار لي جامبل أن يختتم العمل بالتراكات الأكثر ألفة في الثلاثية. بدلًا من جو التنافر والتوجس المستقبلي الذي خيم على ألبوماته السابقة، نجده هنا يستخدم سنث بادز يانعة وأكثر دفئًا. يجمع تراك يو ليفت آ سبايس ما بين لحن متداعٍ على البيانو وإيقاع هيب هوب ثابت، أما هايبرباسيف فيذكرنا بإصدارات تسجيلات وورب الأولى بسبب الجروفز مختلة التوازن والمتكررة وأصوات السنث. في التراك الأخير، بالون كوبي، يفاجئنا بلحن متّصل يمكن دندنته. إن كانت سيطرة الذكاء الصناعي ستخرج علينا بنتائج تشبه أصوات سنثات الألبوم في جمالها، ربما ينبغي لنا الاستسلام له واحتضانه.
لا مكان لأي عنصر مقل أو متحفظ في سفالة. حتى اللحظات الهادئة تبدو كذلك فقط بالمقارنة مع الملحمة المحيطة بها، من بداية الألبوم وحتى نهايته. تمزج شلالا موسيقى الكلَب مع الفن الصوتي والديستورشن المضاعف لأقصى درجة، لتخرج بمزيج يحبس الأنفاس. لجعل الصورة أوضح، لو قارنا صوت السنث في تراكات مثل بحر غطاس وزيبك ورصاص بأصوات فرق السلادج ميتال، ستتراجع الأخيرة خجلًا. تتغير الإيقاعات من الثبات النسبي إلى التصاعد الهائل الذي يظهر ويختفي كخضخضة آلات متهالكة تتشبّث بالحياة. هذا أفضل أعمال شلالا حتى الآن، وبمسافة.
يعد هذا الألبوم التعاون الثالث لفرقة لو مع المنتج بي جاي برتون، وفيه تستمر الفرقة في انسحابها من ساحة الروك متوغلةً أكثر في عوالم المشاهد الصوتية الإلكترونية والديستورشن. يبلور الألبوم الألحان الصوتية المميزة للفرقة ويعطي شعورًا عامًا بالراحة بدلًا من التوتر الضاغط. يحتفظ الألبوم بالصوت الذي تشكل عبر الألبوم السابق، دابل نيجاتيف، مع طبقة إضافية زادته لمعانًا، خاصةً في تراك دايز لايك ذيس، أحد أكثر التراكات الضاربة التي تعلق في ذهن المستمع لأيام. نادرًا ما نجد فرقةً يزيد عمرها عن ٣٠ عامًا يتقدم المسيرة، لكن لو ليست فرقةً عادية.
بالإضافة إلى كونه أقوى أعمال ماكسول ستيرلينج، ترن أوف فايز واحد من علامات العام دون شك. يسترشد الألبوم تقنيًا بموازين إيقاعية متنوّعة وألحان غير مألوفة، وبرغم ذلك تعلق بسهولة في الأذن. تتشابك وتتناغم طبقات السنث والمشاهد الصوتية مسفرةً عن بنية رخوة وأمزجة متقلّبة تخلق تجربة سمعية غامرة. يخلّق ستريلينج أصواته بسنث الإف إم مسلطًا الضوء على جودة الأصوات المعدنية والبلاستيكية والأصوات البشرية الغريبة، والتسجيلات الميدانية والجليتشات. يحضر هنا صوت مارك فل أو أوتكر، لكن بطابع درامي وبشاعرية لحنية عالية. ترن أوف فايز بمثابة سيمفونية إلكترونية متقنة وبذرة فنية نادرة في محصول المشهد الإلكتروني على مدار السنوات الأخيرة.
بفضل القوائم المزرية التي تقترحها الخوارزميات صار اللو فاي لفظًا بذيئًا مؤخرًا، مثله مثل إلصاق وصف “ما بعد” بأي نوع موسيقي. لكن عندما يصنع اللو فاي كما ينبغي، نجد فيه جماليات لا تنتهي ولا تذوي بمرور الوقت، وألبوم نوستالجيا (سيركا ١٩٨٧) يقدم لنا لو فاي مصنوعًا بإتقان. يتبع الألبوم خطى ميوزيك فور إيربورتس لبرايان إينو وأعمال بازينسكي التي اعتمدت على بكر الشرائط المتكرر، لكن ما يميزه حقًا هو اختياره للمادة الصوتية والأصوات المتكررة. على اختلاف الآلات المستخدمة لإنتاج هذه الأصوات المتكررة، ما بين البيانو والآلات الوترية والجيتار، إلا أنها كلها تحمل نفس السمة الأساسية؛ حيث تبقى حاضرة في الأجواء لفترة حتى بعد انتهاء الألبوم، ما يجعله ألبومًا لا يُنسى.
بعد عامين من إطلاق ألبومه الأول الذي لقي رد فعل نقديّ ضارب، ظِل تحت شجرة الزقوم، يتعاون مسيلمة مع المنتج المصري إسماعيل حسني في مذاهب النسيان. على عكس ألبومه الأول الذي اتّسم بالحدة والإيقاعات المفككة والطابع السوداوي، يأخذ إسماعيل إنتاج الألبوم إلى منحًى حالم يتميّز بأجواءٍ محيطة ومشاهد صوتية مركّبة. تعزز ألحان الألبوم الغنيّة من أداء مسيلمة الغنائي المحمّل بالعاطفة، وثيماته الشخصية التي تدور حول الضعف والشفقة والتغيير والشك في الذات. ينتقل مسيلمة في مذاهب النسيان إلى صوت بوب أكثر استرخاءً وسهل المنال محتفظًا بجاذبيته، ليسفر عن واحد من أفضل الألبومات الإلكترونية الغنائية لهذا العام.
أصدر كلٌّ من جايمس جينزبرج وزيور ألبومًا منفردّا وممتازًا هذا العام، إلا أن مشروعهما المشترك هو ما وجد طريقه إلى هذه القائمة. حمل ألبومهما الأول اسم الثنائي، ميكسونومي، وأبرز مهارات كليهما المتفردة في تصميم الصوت وكتابة الأغاني، مضافًا إليها حساسية لاختيار أصوات تعلق بالأذن وملامح بوب، بعكس أعمالهما السابقة. مع ذلك، الحس الظلامي المتأصل في أعمال الاثنين حاضر في صميم الألبوم، حيث تنطلق منه التراكات لتطور شخصياتها الصوتية. تراكات مثل توكسين آوت والتراك الافتتاحي سلوبي أتيمبت أفضل مثال على ما يميز هذا الألبوم، من حيث الجروفز الخارجة عن الإيقاع، وطبقات السنث الكثيفة، والجمل الغنائية الجميلة. لنأمل أن لا يكون هذا التعاون الأخير من نوعه.
على عكس ألبومه السابق الذي مال إلى عناصر الجاز عاكسًا أجواءً ليلية غامضة، يخوض مالكين في الطريق المعاكس، محتفظًا بهدوئه وحرفيته في صياغة لوحة صوتية متكاملة بطابعٍ مشرق محيط. يبرز مالكين تسجيلاته الميدانية كعمود أساس لتراكاته السبعة، في حين يضيف إليها طبقات من السنث بادز، وبيانو وتشيلو وساكسفون ذوي أثر مخدّر بفضل اعتماده على مقاطع مكررة ذات تغيرات طفيفة. يلفت ناثينج بلوز برقته وخاماته الغنية الانتباه إلى أصوات عادةً لا ندركها لأنها جزء معتاد من الحياة اليومية.
ساندبوكس ليس كأي ألبوم لو فاي، فهو نتاج علاقة حب وتفاني مع الشرائط كوسيط، بكل ما تحمله من عيوب وضوضاء وصعوبة في الاستخدام. هناك مستوًى عالي من الإلمام في تناول الشعراني لكتابة الأغاني وصنع الخامات، بالكاد استطاعت ألبومات معدودة الوصول إليه هذا العام. يذكرنا الألبوم بأفضل أعمال بوردز أُف كندا المميزة بلحظات أليفة حافلة بالنوستالجيا، لكن عوضًا عن الآلات الإيقاعية تسود ألحانٌ عذبة ودرونز بديعة ومشاهد صوتية. إصدار أوّل مبهر ومنفّذ بإتقان.
بعد أربعة سنوات من إطلاق ألبومه الأول فريك ٢٥٥، يعود المنتج المصري مصطفى أنسي بثاني إصداراته الطويلة ميتاكونك. على عكس فريك ٢٥٥، الذي اعتمد فيه على خط آي دي إم صريح، أخذ أنسي منحنى محيطًا أكثر عمقًا وحيوية نتبيّن خلاله تأثير الدَب، منغمسًا في الموسيقى المولّدة ذاتيًا. ركّز أنسي في ألبومه على الجليتشات الدقيقة وسنث الإف إم وسط مشاهد صوتية واسعة خلقها بكوردات البادز المحلّقة والأنسجة الصوتية المتحوّلة والمشوّشة. سبعة تراكات ناضجة تتراوح بين عوالم غامضة وحالمة، برع خلالها أنسي في التصميم الصوتي وتلاعبه بديناميكية تراكاته ذات البنية السائلة.
انضم المنتج الإيطالي تي إس في آي إلى تسجيلات سبكالت بتعاونه مع سفن أوربيتس تحت اسم براديسو. يركّز الثنائي في يوني سن على التلاعب بالأصوات البشرية والكورال ليخدموا البعد المفاهيمي للألبوم، والذي يدور حول الاحتفاء بالروح التعاونيّة بين البشر والطقوس الشعائرية الاحتفالية. يتميّز الألبوم بمزاج محيط وجرعة عاطفية مركّزة، وتخلق إيقاعاته العنيفة والمشوّهة تباينًا واضحًا مقابل الأنسجة الصوتية الكثيفة والضجيج. يكسر المنتجان في هذا التعاون التوقعات التي حصرت أعمالهم الفردية في الموسيقى الراقصة.
اشتهر فنان الميديا المصري قاو (عمر الصادق) ببصرياته ثلاثية الأبعاد مع درو ماكدوال ومسيلمة، إلى أن أصدر ألبومه الأول ضوافر معلنًا عن قوته كمنتج ومصمم أصوات بارع. يحتوي ألبوم قاو عشرة تراكات شديدة الديناميكية والتركيب ومفعمة بالطاقة. يخطف قاو أذن المستمع بجمالياته التفكيكية المثيرة للفضول، كما ينجح ببنية تراكاته المائعة في أسر المستمع في حالة من الترقب وعدم التوقّع الدائم. تتنوع خاماته الصوتية بين ما هو معدني وممطوط وحاد، مغلفًا إياها بإيقاعات متشظّية وبايس غليظ، بالإضافة إلى السنث بادز والأصوات البشرية الجذابة التي تبث مزيدًا من الروح إلى الكتل الصوتية الغنية. ضوافر ألبومٌ مترابط إنتاجيًا، تميزه أصواته المتدفقة وديناميكيته المتحوّلة ومزاجه العام الغامر.
ألبوم الفرقة الفيتنامية زان كاب دوي واحد من أكثر الإصدارات إثارة للاهتمام اللي مرت علينا من فترة. يملك زان كاب دوي حسّا تجريبيًا فريدًا، يسفر عن هلوسة سمعية من العيار الثقيل، وإنتاج غني، وجماليات متشعّبة تذكرنا بأسلوب وان أوتريكس بوينت نيفر وجاينت كلو. يصيغ الثلاثي ألبومهم من كولاجات صوتية متداخلة، تتحرر من الجنرات، وتسلط الضوء على قدر متقن من الارتجال وتجاوز البنية الخطية، بالإضافة إلى توظيف طيف واسع من العينات الصوتية المتعلّقة بمحيطها الثقافي.
إن كانت علاقة ريباتي مع الموسيقى الراقصة اعتمدت سابقًا على التقليل والتجريد، يأتي ألبومه هذا العام بمثابة مفاجأة لجمهوره، يكشف عن صوت تكثيري في الفوت وورك، مضيفًا إليه معالمًا جديدة وقالبًا إياه رأسًا على عقب. يحتفظ ريباتي بعناصر الفوت وورك الأساسية، أصوات الـ ٨٠٨ والأصوات البشرية المتأتئة والإيقاع السريع المتشابك، لكن ما يزيد الاستماع إليه متعة هو تبنيه سيولة للبنية المألوفة والأنماط الإيقاعية بحيث يصعب توقع النقلات في التراك الواحد. يمتلك بذلك المنتج الفنلندي زمام الإيقاع ويتقن الخط الفاصل بين التجريب والصوت سهل المنال.
يخرج ألبوم آدفينت عن نهج إصدارات أورانج ميلك لهذا العام بعض الشيء. يحمل الألبوم طاقة صرفة وخالصة، من التراك الافتتاحي آدفينت وحتى نهايته مع تراك رانديفو، حيث يخبط المستمع بموجات متتالية من الطبول على حوائط من ضوضاء السنثات. يبدو الألبوم لعوبًا في بعض المواضع، فنجده يتلاعب بالإيقاعات في تراك مدهش مثل ذيس دايز، بينما يبدو بالغ الجدية في تراكات أخرى مثل سكريمينج، وهو اسم على مسمى. اختيار ترتيب هذين التراكين بشكل متتابع في الألبوم يدل على مدى تنوع موهبة آر إكس إم رياليتي في الإنتاج وكتابة الأغاني.
يصل سبيس أفريكا في أونست لايبر إلى معادلة موسيقية فريدة، منطقة بينية للبلاندرفونيكس وفن الصوت والموسيقى المحيطة، يتخللها مزيج من أغاني الدريم بوب والراب والتريب هوب. يحافظ الثنائي بحرفية على تماسك تلك الوصفة المتشعّبة، من خلال تدفق سلس وسرد صوتي متناغم، أهم ما يميزه تلك الحالة الشعورية الضبابية. أونست لايبر بمثابة موسيقى محيطة منحرفة / منجرفة، وطفرة جديدة في الجنرا. أنتجه الثنائي خلال فترة العزل، الحافلة بالشك وعدم الاستقرار والخوف من المجهول.
حاد وصاخب، بل وبغيض أحيانًا. يضم هذا الألبوم كل ما ميز موسيقى فرقة ذَ بودي حتى الآن. تسود معظم الألبوم موجات كثيفة من البايس وصرخات ثاقبة، بالإضافة إلى درَمز صناعية محوّرة تضفي عليه لمحة خفية من الحركة. الألبوم بمثابة إعادة تجميع لعينات صوتية من الدوم ميتال مع مضاعفة وطأتها، لتصبح كيانًا ضخمًا يبتلع كل شيء في متناوله ويسحبنا إلى أدنى الترددات الصوتية الممكنة. الاستماع لهذا الألبوم ليس تجربة سائغة، إنما هي تجربة تطهرية تنفّس عن المشاعر.
إصدار آخر للمنتج الألماني يوناس فايس يندرج تحت الموسيقى المحيطة المنجرفة التي تميزت بها تسجيلات سفيرك منذ نشأتها. أنسجة صوتية هشّة وسنثات متطايرة تتسلل وتتحول ببطء وتسجيلات ميدانية خفية وخامات آسمارية تداعب الأذن. تعكس تلك العناصر طابع الألبوم المتلصص ومواقف حميمية وحالات شعورية نتبينها أكثر من أسامي التراكات. يأسر الألبوم الأثيري المستمع بين الحلم واليقظة وتتماسك تراكاته وتتدفق كأنها مقطوعة واحدة أشبه بأغشية تنقبض وتتمدد في الفضاء.
ينقسم إصدار توم هول الأخير بالتساوي ما بين الفوضى والنظام، ليحقق أثرًا غامرًا وناعمًا في الوقت ذاته. النصف الأول من الألبوم عبارة عن ضوضاء سنث صرفة ومشاهد صوتية تفتيتية وإيقاعات ممتدة ومنقبضة. أما الجزء الثاني فيقدم موسيقى محيطة حالمة وبادز دافئة وألحان مرهفة تحتوي المستمع وتريحه من الفوضى السابقة. يتذبذب المزاج العام ما بين الخانق والمهيب، ويتجاور الاثنان دون أن يبدو أي منهما متنافرًا. من خلال هذا الألبوم يؤكد هول على جدارته كواحد من أكثر مصممي الصوت والمنتجين ابتكارًا.
بعد سنوات من ممارستها الجاز كعازفة ساكسفون في إحدى الفرق الحية، تخطو العازفة والمنتجة أورسولا سيريجي أولى تجاربها نحو الموسيقى الإلكترونية، مستفيدة من فترة العزل لاستكشاف صوتها التجريبي. في ألبومها الأول أوكي بوكس، تستعين المنتجة التشيكية بأفكار شتى من الجاز لتصوغها بتصميم صوتي حرفي مكوّن من خامات دقيقة ومزاج تقليلي مرح. تتصدر الألبوم الخامات الزجاجية والكورال والبادز الأثيرية، ليزداد جماله مع الإيقاعات المفككة والأنسجة الصوتية الخفيفة. أوكي بوكس مثير بأفكاره وروحه النابضة وأسلوبه الإنتاجي، ومن أنجح الألبومات الأولى هذا العام.
في تعاونهما الأول على تسجيلات أووه-ساوندز، يخلق المنتجان ياب وإيفانكو بيئة صوتية حيّة مكوّنة من طيفٍ واسع من الأصوات الدقيقة والكوردات الممطوطة والإيقاعات الحرّة. تتشابك المواد الصوتية وتنبض في بنية مائعة منطلقةَ من تجريد الموسيقى الملموسة، عابرةً من الماضي إلى المستقبل من خلال أسلوب خوارزمي يكشف عن موسيقى مولّدة ذاتيًا. يخلو الألبوم من المركزية والبناء الخطي، حيث تتشعب وتتأرجح السنثات المعدنية القصيرة ببطء يمينًا ويسارًا ويغلفها غشاء رقيق من البادز الحالمة. بايوم ألبوم متقن في إنتاجه، حافل بالتفاصيل والأنسجة الصوتية المتجانسة وغني بطابعه التأملي.
أول كابس اختراقٌ صريح للبايس البريطاني. ألبوم صايع غني بديناميكيته، مؤلف من ستة تراكات ضاربة يتفوق فيها زولي على أعماله السابقة. يأخذ زولي في أول كابس خطًا راقصًا صارمًا، على عكس سابقه ترمينال. لا يفلسف الألبوم الأمور ولا يتناول قضايا كونية أو مفاهيمية كبيرة، لكنه يفلسف الموسيقى الراقصة ويدفعها إلى الأمام بفضل جمالياته الفريدة وتفاصيله الإنتاجية، وتصميمه الصوتي ولغته الموسيقية التي يصعب إعادة إنتاجها. يحمل أول كابس طاقة عالية، ومحفّزات راقصة مركّزة تؤسس لصوت جانغل ٢.٠ وفوتوورك مجدّد.