بيلي أيليش معازف ma3azef Billie Eilish
مراجعات

وِن وي أول فول أسليب وير دو وي جو؟ | بيلي أيليش

هلا مصطفى ۰۷/۰۵/۲۰۱۹

منذ نجاح أولى أغنياتها المنفردة أوشن آيز، قوبلت بيلي أيليش بالاحتفاء المتزايد من قبل النقاد، ومن قبل مستمعين قد لا يكونون مهتمين بهذه الجنرا حتى، إلى حد شهدنا معه تحولها في الفترة الماضية إلى أيقونة من نوع ما، حتى قبل صدور ألبومها الأول رسميًا. اليوم، تُخضع أيليش جيلها بأكمله لمعاييرها الخاصة حول ما هو كوول وما هو مهضوم وجريء ومختلف، كأن لها هبة معينة تميزها عنهم، فيما يعاني متابعوها من الأجيال الأكبر لفهم كيف أصدرت فتاة في السابعة عشر من عمرها أحد أكثر ألبومات العام نجاحًا.

تأخذ بيلي أيليش معظم التقدير في صناعة الألبوم، لأنه على عكس الكثير من الموسيقى الضاربة اليوم، والتي يقف خلف كل أغنية منها عدد غير منتهٍ من الأسماء كما في حالة دريك وسولانج وغيرهم، عملت بيلي أيليش على الألبوم إلى جانب أخيها فينيس أوكونيل فقط. شارك فينيس في كتابة جميع الأغنيات وأنتجها جميعها بنفسه، مستعينًا في بعض الحالات بمهندسيّ مزج وإتقان، فيما تم تسجيل الألبوم كاملًا في استديو منزلهم، مع العلم أن فينيس أوكونيل نفسه لم ينهي عامه الواحد والعشرين بعد.

فيما يسبق الألبوم لم أكن قد استمعت إلى أي من أغنياته المنفردة فيما عدا يو شود سي مي إن إيه كراون، الأغنية التي تفيض بقوة الشخصية والثقة عبر الأداء وكتابة الكلمات، أو حتى الفيديو الذي رافق صدور الأغنية حيث تظهر بيلي أيليش كملكة غير مبالية فيما تتسلقها وتاجها كميات من العناكب السوداء. في اللازمة، يتماوج إيقاع البايس مع صوت السنث المتخامد ليقدما أفضل اللوازم الحيوية والنابضة التي سمعناها أو سنسمعها هذا العام، ويمنحا الأغنية ثيمة راقصة لا يكتسبها الألبوم ثانية سوى في التراك الافتتاحي باد جاي.

ترفع باد جاي المعايير للألبوم بأكمله، لتكون الأكثر اكتمالًا على امتداده. باستثناء بعض السكتات التي تسبق وتتخلل اللازمة لا يتوقف البايس إطلاقًا على امتداد الأغنية، بل يرسم خطًا أفقيًا ثابتًا يصعد ويهبط صوت أيليش من حوله كما لو أنه يدور حول مدار. حالما نعتقد أن الأغنية قد انتهت، يظهر فجأة مقطع إضافي أكثر هدوءًا تعزز بيلي أيليش من خلاله صورتها كفتاة هائلة الثقة، تنجح دون أن تحاول بأن تمتلك شخصية تخيف أقرانها، ولا تُطمئِن كثيرًا الأشخاص الأكبر سنًا، كما ذكرت في المقطع الثاني من الأغنية: “تحب أمي أن تغني برفقة صوتي / ولكني لا أعتقد أنها ستغني هذه الأغنية إن قرأت الكلمات / بل الغالب أنها ستشفق على الرجال اللذين أعرفهم” فيما يلي، وفي الأغنيات الأكثر عاطفيةً أو الأقل جموحًا، يهدأ الإيقاع ويصبح التوزيع آلاتيًا أكثر بقيادة البيانو في معظم الأوقات، الأمر الذي لا يخلو من شيئٍ من السذاجة لتبني التوزيع هذه الترجمة الموسيقية المباشرة للكلمات، وإن أنقذته بعض الخدع الفنية والكثير من الذائقة والثقافة السمعية المتراكمة التي يملكها الأخوان، ويستعين بها فينيس بشكلٍ خاص كلما احتار إلى أين يتجه تاليًا.

يظهر مثلًا في الإنتاج تأثر واضح بأسلوب إنتاج الكثير من أغنيات التراب الضاربة في السنتين الأخيرتين، فيما يميل أسلوب الكتابة وغناء بيلي أيليش للتأثر الواضح بموسيقيات مثل لانا ديل راي ولورد. الأمر الذي دفع كثيرين للإشارة إلى بيلي أيليش كوجه جديد ضمن موجة فنانات البوب الميلانكوليات. لكن حتى في أغنيات عاطفية هادئة مثل ون ذ بارتي إز أوفر وليسن بيفور آي جو، تُسخّر أيليش صوتها لخدمة رؤية الأغنية حيث تحافظ على وتيرة غناء واحدة يبني الإنتاج نفسه من حولها، دون أن تبدي أي رغبة باستعراض قدرات صوتية أو إثبات أنها مغنية استثنائية، ودون أن يؤثر هذا الاقتصاد على جاذبية الأغنية ووقعها.

على كلٍ، جاء استعراض القدرات كاملًا في أسلوب الكتابة. مع اختلاف مواضيع الأغنيات، بحثت بيلي أيليش عن زوايا مختلفة وجديدة للتعبير. في أول ذ جود جيرلز جو تو هل، نستمتع بكافة أنواع الخيالات والمجازات التي تبدو متعلقة بالإلهة الأنثى ونهاية العالم والحياة بعد الموت:” كل الفتيات الطيبات يذهبن إلى الجحيم / فحتى الإلهة لها عداوات / وحالما يرتفع منسوب المياه / وتصبح الجنة خارج الرؤية / ستريد أن يكون الشيطان في فريقها” ليتبين أن موضوع الأغنية الفعلي هو الاحتباس الحراري، ومن وجهة نظر الطبيعة الأم: ” التلال تحترق في كالفورنيا / حان دوري لأتجاهلك / لا تقل إني لم أحذرك”.

يتأرجح مزاج أغنية وِش يو وير جاي بين الحزن وخيبة الأمل التي تتعرض لها بيلي أيليش مع إخفاق علاقتها عاطفية، والعنصر الكوميدي الذي يطفو مع أمنيتها بأن يتبين أن حبيبها هذا مثلي الجنس. يدعم هذه الكوميديا عينات صوتية لأصوات حشود تضحك أو أطفال يشجعون بعد كل مقطع، فوق عزف بيانو انسيابي وبعد مقدمة وترية هادئة. المرة الثانية عبر الألبوم التي تتدخل فيها العينات لإضفاء مسحة مرحة، كانت في أغنية ماي سترينج أديكشن التي توظف عينات من المسلسل الكوميدي الأميركي ذ أوفيس، حيث تظهر بيلي أيليش كأكبر معجبيه. تحمل ماي سترينج إديكشن كم جاذبية كبير لا يقتصر على اللازمة، بل يمتد إلى المقاطع التي تتبدل خلال الواحد منها عدة جمل لحنية، لتجعلها تبدو كأغنية بوب مثالية قد يتبادر إلى ذهنك العديد من مغنيات البوب اللواتي قد يرغبن بأداءها.

تنقطع الكوميديا تمامًا في الأغنية التالية ون ذ بارتيز أوفر التي كتبها فينيس وحده، وعزف معظم آلاتها بنفسه كجيتار البايس والإيقاع والبيانو، وأنتجها بحيث يتزامن غناء بيلي أيليش مع بداية ونهاية كل جملة موسيقية، تاركًا فواصل صامتة بين هذه الجمل، مما جعل الأغنية تبدو متسعة بمساحات إضافية متروكة لتستوعب وقع الكلمات وتنسجم مع غناء بيلي أيليش الهادىء، الذي ينسحب بحميمية إلى أغنية باري إيه فريند. رغم عدم الإشارة إلى ذلك بشكل واضح ضمن الكلمات، إلا أن الأغنية تعرج في بعض جملها وفي عنوانها، أن تدفن صديقًا، على حادثة موت الرابر إكستنتاسيون الذي كان صديق أيليش المقرب في الفترة التي سبقت مقتله بعيار ناري نهاية العام الماضي. تتتبع بقية الكلمات كما عبّرت أيليش تصورات من وجهة نظر الوحش الذي يقبع تحت سريرها، وتتداخل مع قناعتها في بعض الأحيان بأنها هي هذا الوحش، وأن الإنسان هو أسوأ عدو لنفسه.

ما بين قدراتها الاستثنائية هذه على التعبير عن أفكارها بأسلوب مختلف، وصوتها الهادئ الواثق الأداء، لم يقدم ألبوم بيلي أيليش الأول موهبتها وحدها، بل كشف الستار كذلك عن منتج موسيقي شديد الذكاء، يملك من الخبرة في إخراج الألحان والأغنيات على قدر من الكمال ما يفوق سنوات عمره. في حال لم يكن المشروع الموسيقي لفينيس أوكونيل حكرًا على مشروعه العائلي، فقد يخرج بتعاونه مع موسيقيين آخرين بنتائج تجعل أثره يفوق تأثره بالموسيقى العالمية مع مرور الوقت.

المزيـــد علــى معـــازف