fbpx .
تشايلدش جامبينو معازف this is america childish gambino

هذه هي أمريكا | تشايلدش جامبينو

معن أبو طالب ۲۰۱۸/۰۵/۱۱

هاجت الدنيا وماجت إثر بث فيديو ذِس إز أميركا لـ تشايلدش جامبينو. في أيام قليلة أصبح هناك عدد لا يحصى من المقالات والفيديوهات التي تفكك الفيديو والكلمات لتستنبط ما فيه من معانٍ ورموز ومفارقات. الفيديو ممتاز فعلًا، لكن التعامل معه يأتي في معظم الأحيان من باب البرهنة على ما هو واقع، وما نعرف جميعًا أنه واقع. أي أنها أغنية تنديد واستنكار.

توقيت العمل كان مثاليًا وعزز من قراءة العمل بهذا التبسيط. في خضم كل التوتر السياسي في الولايات المتحدة إثر قانون التسلح ووحشية الشرطة والعنصرية التي لا تنتهي، والضجة التي أحدثها كانيه وست بتصريحاته عن العبودية، كان الجمهور متعطشًا لبطل أسود يغني عن الظلم.

ذِس إس أميركا توضع بأريحية في خانة الفن الهادف والوعي الاجتماعي وما إلى ذلك. نعم هناك عناصر واضحة مثل القتل بدون سبب، تبجيل الأسلحة، فتيشية المتفرج للجسد الأسود الراقص وبروده إزاء الجسد الأسود المخضب بالدم والعديد من الثيمات الواضحة والمخبوءة، لكن إن استمعنا إلى الأغنية دون الفيديو، نجد في الموسيقى بعدًا أعمق من مجرد الاحتجاجية، بعدًا هويّاتيًا فخورًا وعنيدًا.

يتنقل تشايلدش جامبينو بأريحية بين عدة أصناف من الموسيقى السوداء، الجوسبل والآر ان بي وراب العصابات والتراب، جميعها سيطرت كليًا أو بشكلٍ واسع على المشهد الموسيقي في الولايات المتحدة لفتراتٍ طويلة. لكن الآدليبات وضيوف جامبينو في العمل يأتون حصرًا من مكان واحد، وهو ليس المكان المتوقع لأغنية كهذه. كان بوسع جامبينو أن يستضيف كندريك أو جون ليجيند أو بلاك ثوت أو كومون أو أي من أبطال الراب الواعي، لكن اختياره جاء عكس ذلك.

يانج ثاج، كوافو من الثلاثي ميجوس، ٢١ سافاج، بلوك بوي جاي بي، وسلِم جيمي. يعد هؤلاء بمثابة منتخب الشرّ بالنسبة للداعين بالهيب الهوب الهادف والمنادين بالعودة إلى زمن ورسائل توباك، كما أنهم المثال الذي يذكره كل من يندد بعنف الراب وماديته و و و. ما يعرضه تشايلدش جامبينو من مشاكل مثل الأسلحة والعنف والسيارات القديمة التي يلمح بها إلى فيديوهات الراب المليئة بالسيارات الفارهة، والفتاة الجالسة عليها وحدها، والتي لن يتردد أي من ضيوفه في الأغنية بتسميتها بـ hoe الفتاة بالمناسبة هي ليست إلا الفنانة الموهوبة بعنف SZA، والمخدرات. ضيوف تشايلدِش في الأغنية خلقوا من هذه الأمور صنفًا موسيقيًا كاملًا. لماذا إذًا أشرك جامبينو هؤلاء، زمرة التراب المبدعين ولكن الذين يعرضون كل ما يعتبر إشكاليًا في الثقافة السوداء؟

من المهم أن نلاحظ أنهم غير مذكورين في اسم الأغنية، مما يستبعد السبب العملي لاستضافتهم، وهو كسب جمهورهم المهول. كما قد يخطر ببال مناضلي الراب الهادف أن جامبينو يتذاكى، يسخر من هؤلاء ومن الممبل راب والتراب وماديته وكل ذاك. أي أن ضيوفه، صوتيًا، هم جزءٌ مما يندد به. لكن عند سماع الأغنية يتضح سريعًا أن هذا باطل. جامبينو نفسه يؤدي مقاطعًا بتدفق تراب، عندما يقول:

Hunnid bands, hunnid bands, hunnid bands
Contraband, contraband, contraband
I got the plug in Oaxaca
They gonna find you like blocka

هناك البعد الجمالي إذًا، وهو الأهم. تشايلدش جامبينو عاشق لهذه الموسيقى، ويعمل مع هؤلاء بجدية في مشاريع عدة. مدح جامبنيو ميجوز في مقابلاته الأخيرة، كما أن يانج ثاج سيكون ضيفًا ذا دور مهم في ألبوم جامبينو القادم والأخير تحت هذا المسمى. الأهم من ذلك هو أن أحد أجمل مقاطع الأغنية هو مقطع يانج ثاجر الغنائي في النهاية، والذي يقارِن فيه الشاب الأسود الناجح بكلب  هذه ليست شتيمة بحد ذاتها، هي dawg الحُبية ملك على باحة منزل خلفية، لكنه يُحبس أو يُقتل بسهولة، وهما مَعنيان يوصلهما ثاجر بذكاء بلفظه كلمة kenneled بطريقته الخاصة التي يعلك فيها نصف كلماته. الأمر الآخر المهم هو أن نداءات وعبارات التراب هي الوحيدة الموجودة في كامل الأغنية، في نصفيها المشرق والداكن اللذان تفصل بينهما عبارة ذس إز أميركا.

على مستوى آخر، يقول جامبينو إنه ليس الشاب الأسود المتعلم الذي يرتاح له البيض كما اتهم كثيرًا من السود وكما أثبت البيض بتبجيلهم له أكثر بكثير من المستمعين السود، هو مثل مغنيي التراب هؤلاء، وهو متواطئ في خطابهم وفنهم، متواطئ في الموسيقى والترفيه الذي يندد به في الفيديو، متواطئ في كونه أسودًا في هذه الأمريكا، يقدم أعمالاً فنية وترفيهية (ألبوماته، ومسلسله الكوميدي أتلانتا). لكن ما هو بالضبط المتواطئ فيه؟ هو متواطئ في اللا-جريمة، الخطيئة الأصلية لأبناء شعبه، وهي كونه ولد أسودًا في أمريكا. جامبنيو عليه أن يعيش في هذه الأمريكا، وعليه أن يخرج وأن يجيب نداء جدته وأصدقائه والليبراليين “احصل على مالك، أيها الرجل الأسود” get your money, black man. وهذا ما يفعله جامبينو وضيوفه، كل على طريقته.

المزيـــد علــى معـــازف