.
اختار وكتب هذه القائمة كل من زينة الحلبي وهيكل حزقي.
إليكم واليكنّ ١١ أغنية لمغنيات عربيات لسن الوحيدات أو الأخيرات ممّن غنّين للذة الجسد والتشفّي والتلاعب والغرور، دونما خجل أو ذنب، للإغاظة والتبجح أحيانًا، بأسلوب خارج عن المألوف السمعي والجمالي.
يعرف عن سكينة حسن أنها أول امرأة سجلت آيات من القرآن على أسطوانات. كان ذلك خلال العشريات الأولى من القرن الماضي حين ظهرت على الساحة العديد من القارئات قبل أن تفتي الإذاعة المصرية أواخر الثلاثينات بمنع انتشارهن معلنةً أن “صوت المرأة عورة” (كتاب ألحان السماء، محمود السعدني، الصفحة ٦١). قبلت سكينة الأمر وتحولت إلى الغناء ليصبح اسمها المطربة سكينة. في خذ فرصة اللذات قبل فواتها تقدم لنا سكينة بصوتها الرخيم بعضًا من قصيدة صفي الدين الحلي الذي عاصر دخول المغول إلى بغداد ونهاية الدولة العباسية. يبدو أن المطربة قد اقتنعت بدرس صفي الدين بأنّ لا توبة عن الحياة والملذات، غير عابئة بفتاوى الأزهر ومشايخه: “وإذا ذكرت التائبين عن الطلا / لا تنس حسرتهم على أوقاتها.”
لم تكن المرة الأولى التي تعاونت فيها فيروز مع زياد. كان جمهورها قد بدأ يعتاد على أسلوب زياد الذي أخد فيروز إلى عوالم لحنية وخطابية بعيدة عن تلك التي كان قد وضعها لها الأخوان رحباني. بالرغم من ذلك، صُدم جمهور فيروز التقليدي لدى سماعه “سفيرته إلى النجوم” وهي تقف متهكمة على رجولة حبيبها: “ومفكّر إنّك إنت وحيد / وعنيد / وعلى شو مسنود / على شي مش موجود.”
إن كان للتسعينيات ساوندتراك، فهو حرّمت أحبك. اللافت في هذه الأغنية هو التناقض الحاد بين مضمونها الذي ينضح باللوم والمرارة من جهة، والفرح العارم المتمثل في الإيقاع السريع والأورغ الساخر الذي يرافق وردة من جهة أخرى، لا سيّما حين تقول “ما اعرفش انت حبيتني ليه / ولا انت حبيتني ولا إيه / ولا انت فاكر إن انت قادر / وقلبي ملكك تحكم عليه / ولا تشاغلني ولا تحايلني / بعد اللي قلته واللي عملته / حرمت احبك ما تحبنيش.”
في إحدى الحانات التي كانت تتردد الشيخة ريميتي عليها في بداياتها، كانت تطلب من النادل بفرنسية ملكّنة: “Remettez” أي “صب لي من جديد.” من هنا أخذت اسم الشهرة، ريميتي، في ارتباطٍ مباشر بعوالم النشوة.
عاشت سعيدة باضيف، الاسم الأصلي لشيختنا، حياة قاسية قبل بلوغ مجدها كمغنية راي كاسحة. عندما تعرفت على عازف القصبة الشيخ محمد ولد النمس في بدايات مسيرتها، وهبها أغنية هاك السرة هاك التي يعتبرها كثيرون أول أغنية بدوية إيروتيكية.
سنة ١٩٥٤، حين كانت الثورة الجزائرية تستعر ضد الاستعمار الفرنسي، أصدرت ريميتي ثاني ألبوماتها، شرك قطع، ما أثار سخط جبهة التحرير التي وصمتها بالخليعة وعدم الاكتراث للانضمام إلى صفوف الثورة. أدّت تلك المشاكل إلى منعها في الإذاعة الجزائرية، ما تسبب فيما بعد إلى هجرتها إلى فرنسا.
شارك ربيع مروة في كتابة الأغنية التي أدّتها ياسمين على إيقاع الكتروني رتيب تتخلله استعارات لحنية من أنا أتوب عن حبك للشيخ إمام. تتعرض ياسمين في هذه الأغنية لعناصر الرجولة التقليدية التي لا يمتلكها حبيبها الذي يقف أمامها خائبًا: “ليه زعلان ليه؟ / أنا مش زعلانة / ليه خيفان ليه؟ / أنا مش خيفانة / ليه بكيان ليه؟ / أنا مش بكيانة / ليه؟ ليه؟ / منّك رجال ولاه / منك رجال ولوه.”
استعادت ليلى نظمي أغانٍ من التراث المصري تتناول قضايا متعلقة بالحياة الريفية والزواج بخفة دم وفرح غير مسبوقين. في هذه الأغنية التي يعود لحنها لسيّد درويش، تتحدّى نظمي زوجها الذي سيأتيها بضرّة: “خليه يتجوز يا بهية / وحاشوف أنا ولا هي / وإن كانت هي أتخن مني / فرخة بكشكة تتخنّي … ولو فاكرة مافيش أخف منها / خفة دمي تجننها.”
فرضت علية نفسها في تونس بدءًا من أواخر الستينات. نالت اسم شهرتها من طرف صالح المهدي، الذي اختار لها اسم علية تيمّنًا بأخت هارون الرشيد، إحدى أكثر أميرات العباسيين شهرةً في الغناء والشعر. في قالوا زيني عامل حالة، تتبجّح علية بجمالها وتعلن دون مواربة عن تهافت المحبين عليها. تغني وكأنها تراقب عشاقها وهم في ركض محموم، فتعدد ضحاياها ومنهم الأسمر والأشقر فيما تستمر بالزهو بنفسها: “زيني حير ذهب معير/ عشقني الاسمر وهواني الاشقر / بعثولي الفين رسالة / قالوا زيني عامل حالة.”
أدّت الفنانة السورية ريم مهرات أغنية حبيت إرمي الشبك لـ صفوح الشربجي والتي اشتهرت لاحقًا بأداء جورج وسوف. المذهل في أداء مهرات هو لكنتها الشعبية وبحّتها الرجولية التي تأخذ الأغنية إلى أماكن كويرية مثيرة: “لُك خلي عندك خبر / إنه قلبي حجر / ياما ملعّب بشر على الشكر بكر.”
في فيلم عصفور السطح للمخرج التونسي فريد بوغدير، تظهر هيلان كتزاريس في دور لطيفة، الغانية التي وفدت حديثًا إلى الحي وسحرت سكانه. تحضر لطيفة حفل ختان قريبها، وكعادة سكان الأحياء الشعبية في العاصمة ومناسباتها الاحتفالية، يُفصل مجلس النساء عن الرجال. يتوسط صليح (محمد إدريس) أصدقاءه ويبدأ بالدندنة على العود في أغنية حبوني وتدللت للبوهيمي صالح الخميسي، في إشارة لمنزلته كرجل وسيم وفنان يلهب مخيلة النساء، لكنّه كان في الوقت نفسه يبعث رسالة مبطنة إلى لطيفة. لم تتوانَ الأخيرة عن التفاعل مع أغنيته من الضفة الأخرى في نبرة غنج ودلال لترد عليه بمقاطع من أغنية صفية الشامية: “لا لا ما نحبكشي / انت صغير وما تعرفشي / حتى لو قلبي يحبك / أنا نقلو ما يحبكشي.” تتصاعد الضحكات الممتلئة بالسخرية من أصوات نساء المجلس، فيما يتبادل الرجال نظرات الاستغراب، ويغتاظ بعضهم وفي مقدمتهم مختار، شيخ الطريقة، من صنيع لطيفة التي لم تأبه بأعراف المجالس والمناسبات.
يُقال إنّ المغنّية اللبنانية وداد أرادت ذات ليلة ثني زوجها الملحن توفيق الباشا عن الخروج للسهر برفقة صديقه الشاعر سامي الصيداوي، فاستوقفته محذرةً: “بتندم، وحياة عيوني بتندم.” ألهمت هذه الحادثة الصيداوي لكتابة أغنية بتندم الشهيرة التي تقول فيها وداد “وإن كان بدك تقهرني وتعذبني / لا تجربني / يكون بعلمك أيوب بيطلع ابني / وابن ابني.” ليس أيوب هنا مثالًا للصبر، بل هي المغنية نفسها التي تفوق الصبر عمرًا وحنكةً.
“إن كنت فاكرني منهم / روح اسأل أنا مين / ما تروحش تبيع المية / في حارة السقايين.” تبدو شريفة فاضل على المسرح وكأنها تضع لنا منهجًا للفخر والتشفي بمن لا يستاهل حبها، دون أن تتخلى عن السخرية والفكاهة في أدائها الذي يتوّجه الفرح العارم وهو يغزو المسرح في الدقيقة ٣:٠٣.