أونسي ميتا كونك مراجعة محمد أشرف معازف
مراجعات

ميتا-كونك | أنسي

محمد أشرف ۲۵/۰۲/۲۰۲۱

منذ أن فقد الموسيقيون قدرتهم على حجز حفلات وجولات السنة الماضية، الوضع الذي سيمتد غالبًا حتى الخريف المقبل، اختار الكثير منهم قضاء وقتٍ أطول في الاستوديو، ينتجون موسيقى للتعويض عن نقص الدخل أو للتعامل مع الحالة النفسية الناتجة عن الحجر. بإمكان هذه الظاهرة أن تكون نعمة أو نقمة لجمهور الموسيقى. من ناحية، هناك تدفق غزير من التسجيلات الجديرة بالسماع؛ دفعنا ذلك إلى توسعة قوائم نهاية العام كي تستوعب قدر الإمكان من هذه الزيادة. من ناحية أخرى، أصبحنا كمستمعين بحاجة إلى الخوض في المزيد من الإصدارات حتى العثور على التسجيلات الممتازة، إلّا أنّنا عندما نعثر على أحدها، مثل ألبوم ميتا-كونك، يصبح بحثنا الطويل جديرًا بالجهد.

ميتا-كونك أول ألبوم فردي لأُنسي منذ إصداره الأول فريك ٢٥٥ في ٢٠١٧. كان فريك ٢٥٥ ألبوم آي دي إم (IDM) يرسل تحيّة واضحة إلى التسعينات وفناني الجليتش (glitch artists) في بداية الألفيّة، مثل بروثوم ستايتس وأوتكر وفونيسيا – الذين اتسمت موسيقاهم بالإيقاعات المتقطعة، وألحان سنث الـ إف-إم اللامعة والبايس المدوي. أفصح الألبوم عن خبرة في حرفة أُنسي، واحتوى عدّة لحظات جميلة. مع ذلك، كان تأثّر الألبوم بالفنانين المذكورين يتحوّل إلى حملٍ ثقيل في بعض الأماكن، وهو ما لا يمكن أن يُقال عن ميتا-كونك.

يجرّد أُنسي في ألبومه الجديد العنصر الإيقاعي، ليخلق أربعين دقيقة من المشاهد الصوتية المتغيرة والجنونية. كما يضيف أصواتًا حيويّة تضيف حياةً وتباينًا إلى سنثات الديجيتال الباردة. تُهيئ التراكات الأولى Conc وK202 المسرح لبقية الألبوم، بما تمتلكه من أصواتٍ دقيقة مسعورة غارقة في بحرٍ من الريفرب (reverb)، تذكّر بأعمال فينّيز المبكرة، وتستدعي في ذات الوقت الألبوم الأخير لـ تليفون تل-أبيب بأنسجته الصوتية التفتيتية (granular) الواسعة-المنقبضة. تظهر الألحان كل حينٍ وآخر، وعندما تظهر تخلق لحظاتٍ تستحق التقدير، لأنها تلقي الضوء على العناية في اختيار الأصوات والنوتات. كما أنها تضفي بعض البريق على أجواء غريبة وخانقة، لتشكّل طبقةً من التباين تزيد من إثارة الألبوم وتجعله أقل عرضةً للتوقّع.

تمزج التراكات اللاحقة، MetalBeams وArtefacts، صوت الكليكس آند كَتس الخاص بتسجيلات ميل بلاتو الألمانية، تحديدًا لفنانين مثل فلاديسلاف ديلاي وتايلور دوبريه، مع إضافة كوردات دَب. الأصوات المستخدمة قليلة، بينما يكشف الاستماع المتكرر عن طبقات جديدة تغيّر من المزاج والصوت باستمرار. تبدو الألحان غائبة، وعندما تظهر تأخذ شكل التلاعب بالفلاتر والسنث بادز الممطوطة.

إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من بدايات أنسي، فإن عمله كجزء من الثنائي 0N4B أظهر دلالاتٍ مبكّرة لصوت ميتا-كونك، تحديدًا في ألبوم الثنائي الثاني سوبرا/إنفرا/إنترا. مرّ أُنسي وأبادير بمرحلة تعرية الإيقاعات في موسيقاهم، وعملا على تطوير أسلوبٍ يركّز على تصميم الصوت. هناك شبه صريح بين آجاكس وS5، فلوحة الأصوات المستخدمة والتدفق يكادان يكونان متماثلين. كما يمكن رؤية تراك Sevven كنسخةٍ سوداويّة ونظيرٍ أكثر خشونة لـ S7، إلا أنّ أحد التراكين مُبهِج والآخر حاد وضوضائي، وهو ما نتبينه عند تسلّل البايس المحوّر (modulated) تحت جدران الديستورشن كلّما اقترب الألبوم من نهايته.

ميتا-كونك ألبومٌ ناضج ومتماسك، يرتاح من سباق الموسيقى غير المسبوقة والرياديّة، ويقدّم لنا فنّانًا في قمّة مستواه في تصميم الصوت. يكشف الألبوم عن نفسه مع السماعات المتأنيّة، ويدعونا إلى البقاء معه وسط سيل الإصدارات الجديدة.


كُتِبَ هذا المقال لمعازف بالإنكليزيّة، وترجمته براءة فاروق الحارة ضمن برنامج الأكاديمية البديلة للصحافة العربية. الأكاديمية هي برنامج زمالة مكثف مدته عام، يشجع على الإبداع والتفكير النقدي في الصحافة، تشرف عليه مجموعة فبراير – شبكة المؤسسات الإعلامية العربية المستقلة.

المزيـــد علــى معـــازف