.
يعكس هذا العرض الموجز، لمشوار أيمن حلمي الفني القصير نسبيًا، معضلات الفن المستقل وهمومه في ظل التحولات السياسيّة والاجتماعيّة العنيفة في السنوات القليلة الماضية. كاشفًا عن محاولات لإعادة تقييم الفن في إطار علاقته بالسياسة، ومراجعة لجماليّاته بين حدود الخبرة الفردية والشأن العام، بين المتعة والنضال، بين إطاره النخبوي وضرورة التحامه بالجماهير. وذلك من خلال توثيق وتحليل تجربة الموسيقيّ أيمن حلمي أثناء التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة في مصر منذ سنة 2005.
محرقة المسرحيين
في الخامس من أيلول/ سبتمبر عام 2005، وفي الليلة قبل الأخيرة لمهرجان نوادي المسرح المصريّة الخامس عشر، اشتعلت النيران في قاعة العرض الواقعة في المبنى المتواضع لقصر ثقافة مدينة بني سويف – عاصمة واحدة من أفقر المحافظات في الصعيد المصري.
خلّف الحريق، الذي بدأ صغيرًا، وكان بالإمكان السيطرة عليه بسهولة لولا غياب أبسط احتياطات الأمن والسلامة بالمبنى المملوك للدولة، أكثر من خمسين قتيلاً وعشرات الجرحى، بينهم عدد من أفضل المسرحيين والنقاد والفنانين المصريين.
كانت صور الجثث المتفحّمة وأجساد المصابين، التي التهمت النيران معظمها بلا شفقة، وهي مسجاة بإهمال في المستشفيات الحكوميّة وهي تنتظر مصير الرفاق، واحدة من أكثر التجلّيات مأساويّة للاحتقار العميق تجاه قيمة الحياة الإنسانيّة، وإهمال منهجي ومتعمّد للثقافة ومؤسّساتها، تضمره دولة تنفق المليارات سنويًا على منظومتها الأمنيّة القمعيّة، على حساب ما تبقّى من وطن، تتآكل روحه يومًا تلو الآخر.
وبينما كانت إرهاصات حركة احتجاجيّة ضد نظام مبارك تتبلور في الأفق، تقودها الاعتصامات والإضرابات العماليّة اليوميّة، وحركة “كفاية“، وانتفاضة القضاة، أصبحت “محرقة بني سويف” نقطة تحوّل لقطاع من الفنانين المصريين فيما يخص انخراطهم في الشأن العام، بالإضافة لمحتوى وجماليات إنتاجهم الإبداعي.
فإثر الحادثة، دفع إدراكٌ مفاجئ لهشاشة الخطوط الفاصلة المتخيّلة بين الفني والسياسي، وبين أولويّات الدولة ورماد جثث الأصدقاء والرفاق، مجموعة من الفنانين والمثقفين المصريين لتشكيل حركة “5 سبتمبر“، والتي سعت للضّغط على النظام الحاكم لمحاسبة المسؤولين عن محرقة بني سويف، وإقالة وزير الثقافة، آنذاك، فاروق حسني، وتعويض الضحايا وأسرهم، بالإضافة لمراجعة أولويّات الدولة بوجه عام.
وبينما فشلت الوقفات الاحتجاجيّة وحملة التوقيعات التي نظّمتها الحركة في تحقيق أهدافها، انخرط جيل من الفنانين المستقلين من دون تعمّد في مراجعة حتمية لمفاهيمه عن الفن وجمالياته. وهي المفاهيم التي استقرّت منذ منتصف ثمانينيّات القرن الماضي، والتي تحمل تمرّدًا على فنون الدولة الموجهّة الموروثة من الحقبة الناصريّة، وتململاً من أدلجة الإبداع وتسييسه داخل التيار اليساري المعارض.
ففي سياق انهيار النظريات الكبرى بسقوط الاتحاد السوفييتي، وتراخي الدولة المصريّة عن رعاية الفنون بعد حسم معركة الإرهاب في الثمانينيّات، بعد شراكة قصيرة وهشّة مع المثقفين، بالإضافة لاغتراب – هندسته الأنظمة الحاكمة المتعاقبة– للغيتو الثقافي عن الجماهير، تطوّر جيلٌ من الفنانين المستقلّين يسعى لإنتاج ثقافة بديلة متمايزة عن ثقافة الدولة المهترئة والفنون الاستهلاكيّة الركيكة. جماليات يؤرّقها إفساد السياسة ورأس المال للفن.
وعليه، تمحورت تلك الجماليّات حول فصل تعسفي بين الفنّي والسياسيّ، وفصل الإنتاج الإبداعي عن ماكينة الإنتاج الرأسماليّة، بالاعتماد على تمويل ذاتي محدود، أو من خلال جهات مانحة مستقلّة. قاد ذلك الفراق النظري بين الإبداعي والسياسي، إلى تعالي قطاع واسع من جيل التسعينيّات ومطلع الألفية من المبدعين المستقلين على الجمعيّ والأيديولوجيّ، والانكباب على الخبرة الفرديّة بالتجريب على تنويعات الجسد واللذة والاغتراب والذاكرة.
لكن تحوّلاً جوهريًا في المشهد السياسي المصري بدأ في النصف الثاني من العقد الماضي، ورسمت محرقة بني سويف إحدى علاماته الفاصلة، كان وبلا شك كفيلاً بخلق سياق ملهم وشاق، مفعم بالتحديات والأمل ورائحة الموت لفن مستقل، مهموم بالشان العام ويتبنّي خطّاً آيديولوجيّاً صريحاً، وإن كان لازال يؤرّقه الخوف من طغيان محتواه السياسي على فرديّته ورهافة جماليّاته الأصيلة.
يا عزيز عيني وغربة في الوطن
في مطلع عام 2006، كتب أيمن حلمي، وقد كان وقتها موسيقيًا مبتدئًا وناشطًا على استحياء في مجال الثقافة المستقلة، وعضوًا في حركة “5 سبتمبر“، أغنيته المسجّلة الأولى والأشهر حتى الأن “يا عزيز عيني“، لتخليد ذكرى أصدقائه ورفاقه الذين لقوا حتفهم في محرقة بني سويف.
تستلهم الأغنية أحد أعمال سيّد درويش بنفس الاسم، والتي غنّاها “فنان الشعب” على لسان الفلاحين المصريين الذين تم تهجيرهم قسرًا من قراهم، لتسخيرهم في خدمة المجهود الحربي للإمبراطوريّة البريطانيّة أثناء الحرب العالميّة الأولى.
كان التغيير البسيط في لحن الأغنية الأصليّة، والذي احتفظ ببنيته الأصليّة، مقصودًا ربّما، للتأكيد على الانتساب لتراث فنّي وطني لم يفقده انشغاله بالشأن العام ومقاومته المحتل جماليّاته الموسيقيّة، وارتباطه بالمعاناة الإنسانيّة المباشرة للفلاحين والعربجيّة والحمّالين وغيرهم من المقهورين الذين غنّى لهم سيّد درويش.
وفي الوقت نفسه، كان التماهي اللحني للأغنيتين يفرض حضورًا دائما للأغنية الأصيلة، ومقابلة بين غربة فلاحي مطلع القرن الماضي المكانيّة البسيطة، وقهر السلطة لهم في أغنية درويش: “يا عزيز عيني وأنا بدي أروّح بلدي، بلدي يا بلدي والسلطة خدت ولدي” من جهة، وما آلت إليه أحوال المصريين في وطن ضاع منهم “يا عزيز عيني وأنا بدي أروّح بلدي، وليلة نمت فيها وصحيت مالقتش بلدي“، غربةً يصبح فيها المجتمع هو الأزمة، وليست السلطة فقط “بين أهلي وناسي وبقيت غريب يا بلدي“، من جهة أخرى.
وبينما تكتفي الأغنية الأصلية بالبكاء على البعيدين في يأس، تتحوّل أغنية أيمن حلمي إلى نداء للعابرين من أبناء وطنه لاستنهاضهم ضد الظلم بأمل في وطن سافر قلبه للبحث عنه، وإن كان لم يعد بعد: “عم يا اللي ماشي، ظلم ما ترضاش، سافر قلبي ومجاش يدور على بلدي“. ثم تنتهي الأغنية بتحوّل الغربة إلى خوف ليس على الوطن، بل منه: خوف تجلّى في جثث ضحايا محرقة بني سويف من أبناء الوطن: “دا مش لون عينيك ولا دي إيديك، بدل ما خاف عليك بخاف منّك يا بلدي“.
خرجت أغنية “يا عزيز عيني” للنّور، لأوّل مرة، في عرض “كستور” لفرقة “حالة“، وهي فرقة مسرحيّة مستقلّة، في نيسان/ أبريل 2006، على مسرح “تاون هاوس غاليري“، أحد أهم مراكز الثقافة البديلة في القاهرة في ذلك الوقت. لاقت المسرحيّة الغنائيّة نجاحاً استثنائيًّا، والتي قدّمت نقدًا ساخرًا ومريرًا لنظام مبارك بشكل غير مباشر، معتمدة على إعادة إنتاج تراث سيّد درويش الغنائي.
بعد ذلك، وظّف المخرج إبراهيم البطّوط الأغنية في فيلم “عين شمس“. يكشف الفيلم الذي أُنتجت نسخته الأولى في نيسان/ أبريل 2007 بتمويل ذاتي ومساهمة بدون أجر من العديد من الفنانين المستقلين، العلاقة بين الفساد السياسي والفروق الطبقيّة العميقة في مصر، وبين تفاصيل المعاناة اليوميّة لسكان حي “عين شمس“ القاهري الفقير، في سرديّة بعيدة عن السياسة، تدور حول طفلة مصابة بالسّرطان تموت في نهاية الفيلم.
حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم في مهرجان تاورمينا في إيطاليا، وأفضل فيلم أول في مهرجان روتردام للأفلام العربية، وأفضل فيلم في مهرجان سان فرانسيسكو للفيلم العربي، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان قرطاج السينمائي. كل هذا قبل أن يُسمح له بالعرض في مصر بدور السينما التجاريّة لأقل من شهر، في أيّار/ مايو 2009، بعد مفاوضات استمرت لشهور عديدة مع الرقابة.
“زقّ معايا“، واهداء للفتنة الطائفية
في عام 2006، ونتيجة تسارع وتيرة العنف الطائفي في سياق تفاقم للأزمة السياسيّة والاجتماعيّة في مصر، أسّست مجموعة من المثقفين والمهتمين بالشأن العام مبادرة “مصريون ضد التمييز الديني“، والتي انضم إليها العديد من المبدعين المستقلين.
لم تكن المبادرة توريطًا للفنانين بصفتهم في الشأن العام، ومناهضة سياسات التمييز والاضطهاد المنهجي للأقليّات الدينيّة من قبل الدولة، فلطالما كان المبدعون المستقلون مهمومين بالقضية الطائفيّة، لكنها كانت بالأحرى خطوة أخرى، ولو صغيرة، نحو تفكيك الخطوط الفاصلة الوهميّة بين العمل العام والإبداع الفنّي، ونحو صكهما كوجهين لعملة واحدة.
في هذا السياق، كتب أيمن حلمي، والذي انضم للمبادرة منذ تأسيسها، أغنيته “زق معايا“، مهدياً إياها للفتنة الطائفيّة ذاتها. يحمل لحن الأغنية المبهج وكلماتها الساخرة تأثرًا جليًا بتراث سيّد درويش مرة أخرى، في بساطته وعمقه وقدرته على تحميل محتوى سياسي، وربما مأساوي في لحن مرح لا يخلو من بهجة.
وتكشف الأغنية أيضاً عن يقين مضمر بأن الموسيقى قادرة على جلب المتعة، وفي نفس الوقت مواجهة خطاب الإقصاء والكراهية، وتشكيل وعي عام أكثر تسامحًا وتنوعًا، يقيناً بدور سياسي للموسيقى لا يفسد جمالها بل ربما يثقله.
خالد سعيد والأحباء الذين خرجوا ولن يعودوا
كان حادثة مقتل الشاب السكندري خالد سعيد نتيجة استخدام الشرطة للعنف المفرط واحدة من سلسلة طويلة من جرائم التعذيب وتجاوزات الشرطة المنهجيّة. لكن انتماء خالد للطبقة المتوسطة، وحدوث الجريمة في الطريق العام قادا لتعرية الصلة الوثيقة، ليس فقط بين السياسة وبين تفاصيل الحياة اليوميّة، بل أيضًا والحق في الحياة ذاته. دافعًا بقطاعات واسعة من المصريين، وخاصّة من أبناء الطبقة المتوسطة، للاهتمام بالشأن العام.
تعتمد أغنية “بتغنّي لمين ولمين يا حمام“، من ألحان وكلمات أيمن، والمهداة لأم خالد سعيد، على ثيمة شعبيّة مصريّة بنفس العنوان، على لسان هولاء الذين خرج أحباءهم ولم يعودوا، رابطة معاناة الفقد الشخصيّة كخبرة فرديّة عميقة وبين أزمات المجتمع ككل. بينما استلهمت أغاني أيمن السابقة أملاً ما ولو على استحياء، حملت “بتغنّي لمين” حزنًا ويأسًا عميقين كان يبدو أن لا خلاص منهما.
تم توظيف ثيمة “بتغنّي لمين” الشعبيّة في أغنية في مسلسل “ليلة القبض على فاطمة“
الأغنية كلمات سيّد حجاب، وبصوت فردوس عبد الحميد
الأغنية واحدة من الأغاني القليلة المسجلة بصوت أيمن حلمي
عن المزيد من الشهداء والمراثي التي لا تنتهي
انتهت الدعوة التي وجهّتها صفحة “كلّنا خالد سعيد” على الفيسبوك للتظاهر ضد القمع والتعذيب يوم 25 يناير 2011 بسقوط نظام مبارك. دفع الأمل الوليد في وطن أفضل العديد من الفنانين المستقلين، ومن بينهم أيمن، للعمل على تأسيس مبادرة “الفن ميدان“، والتي سعت لكسر حالة العزلة المجتمعيّة التي فرضها النظام السابق على تواصل المبدعين مباشرة مع الجماهير. وذلك من خلال تنظيم فعاليّات ثقافيّة وفنيّة مجانيّة في ميادين المدن المصريّة المختلفة في نفس التوقيت وبشكل شهري.
لاقت المبادرة، وبرغم صعوبات التمويل، نجاحًا متزايدًا، وفتحت أفقًا لآمال عريضة لدور في المستقبل القريب للفن، في صياغة ثقافة شعبيّة بديلة بعيدًا عن السياسة بمعناها المباشر.
إلا أنّه وبعد أسابيع قليلة من ثورة يناير، بدأ الشهداء يتساقطون برصاص الجيش عندما كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يدير شؤون البلاد، ودارت عجلة الدم مرة أخرى. ومع انقضاء نشوة الانتصار على نظام مبارك، عاد المبدعون المستقلون مرة أخرى لاستمراء حالة العجز واليأس في وجه الرصاص المتطاير بلا تمييز.
في أغنية “باصص على الناحية التانية“، من كلمات والحان أيمن حلمي، بذات المقدمة الموسيقيّة المؤلمة، يكشف النص القصير إحساسًا عميقًا بالعجز والضآلة بجانب هولاء الذين استشهدوا: “قلبي اللي يهد الدنيا فيه حتة جبن، أصلي الشهد الكتير قوي يا جدعان: وأنا قليل قوي ومش قد الحب“.
لكن ثيمة الضعف الفردي والانكفاء على الحزن الشخصي في هذه الأغنية تتصل بسياق الفجيعة السياسي والطبقي في أغنيته “مع الشهداء ذلك أفضل“، المستلهمة من مقالة للناشط والمدوّن علاء عبد الفتاح بنفس العنوان عن ضحايا مذبحة ماسبيرو من الأقباط الذين استشهدوا برصاص الجيش المصري وتحت جنازير وعجلات مدرّعاته.
تكشف “مع الشهداء“، وهي أغنية أيمن الوحيدة بالفصحى، عن الصلة بين نظام “العدالة التي لم نرها مرّة“، ونظام الحكم “القاتل“، و“الانتماء الطبقي للشهداء“: “لماذا يا ربي كل شهدائنا فقراء؟“، وبين فجيعة أمّهات الشهداء الفرديّة: “سامحيني يا أمي كنت أريده عالم أفضل“، ومن ثم تترك تساؤلات على لسان الشهيد عن صورته وعمّا يعنيه اسمه المستمع أمام أسئلة سياسيّة وطبقيّة باقتدار، وإن كانت فرديّة في مقدماتها.
التخفف من وجل السياسة في مواجهة الرصاص
كان استمرار سياسات القمع التي اتبعها المجلس العسكري ومن بعده حكومة الإخوان المسلمين، وصور الجثث التي تم سحلها وتكويمها بجانب صناديق القمامة في اشتباكات محمد محمود، ثم تعرية “ست البنات” ودهسها بالبيادة العسكرية أمام الشاشات في أحداث مجلس الوزراء، وقبلها عمليات كشوف العذريّة والتعذيب، وألوف المصريين المحبوسين في السجون العسكرية، كفيلة بدفع أيمن للتحرر من مراوغته الدائمة للسياسي في أعماله، والتخفّف من وجله تجاه النّصوص السياسيّة المباشرة. تحررٌ حتّمته ضرورة مواجهة حاسمة مع النظام القمعي الجديد.
يعتمد أيمن في “لسانك حصانك” على نصٍّ سياسي مباشر، لا تنقصه البلاغة، للشاعر خليل عز الدين، عن النضال ضد حكم العسكر وجرائمه، محاولاً التحايل على مضمونه المباشر بالاستثمار في جماليّاته الموسيقيّة وصياغته في لحن بديع ومرهق. بينما يصوغ الموسيقيّ في “يا رصاص يا مطاطي” لحنًا أكثر بساطةً، وإن كان لا يقل جمالاً، لنصّ نضالي للشاعر مصطفى إبراهيم، لا يصلح معه إلا الكف عن المراوغة والاستسلام لروحه الحاسمة والملهمة.
“دستور شلنطة“
تمّم وصول الرئيس السابق محمّد مرسي للحكم في تمّوز/ يوليو العام الماضي سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على السلطة التنفيذيّة والتشريعيّة، بالإضافة للّجنة المنوط بها كتابة الدستور المصري بالكامل. كان استئثار الجماعة الرجعيّة بكتابة الدستور الجديد تهديدًا مباشرًا لحريّة الإبداع والتعبير، ومن ثم شكّل واحدًا من أهم التحدّيات المباشرة التي واجهها المثقفون والمبدعون المستقلون منذ اندلاع ثورة يناير.
سجّل اللحن الجنائزي لآخر أغنيات أيمن حلمي “سرقوا الدستور يا شلنطة“، وبالرغم من كلمات خليل عبد العزيز الساخرة والخفيفة عن “الدستور اللي بقى بطيخ“، إحساس قطاعات واسعة من الأقليّات الدينيّة والنساء والمبدعين بخيبة الأمل والمرارة. لكن وبعد شهور معدودة، حفظ هولاء الذين غنّوا “وهتفت في ألف مظاهرة حالف وحياة الطاهرة لأبوظ لكم الخلطة” قسمهم، وسقط “دستور شلنطة” ونظام الإخوان المسلمين معه أثر مظاهرات 30 حزيران/ يونيو.
في انتظار ياسين
يؤكّد النجاح المحدود لمشروع أيمن الفني في تحقيق انتشار جماهيري، على وجود أزمة شديدة في التمويل يعاني منها الفن البديل إجمالاً. يؤجّجها إهمال متعمّد من قبل الدولة، وعداوة غريزيّة تضمرها ماكينة الإنتاج الاستهلاكيّة تجاهه. والأهم من كل هذا، تؤرّخ أعمال أيمن، وعن غير قصد، لمرثيّة طويلة لوطن، وسلسلة لا تنتهي من الشهداء، من أول هولاء الذين سقطوا في بني سويف، مرورًا بخالد سعيد، وشهداء ماسبيرو، وصولاً للحسيني أبو ضيف، لكنّها مرثيّة لا تخلو من أمل طوباوي في انتظار اليوم الذي سيعود فيه ياسين للحياة “عن يوم فيه نخلص من اللي حاصل ونخضّر بساتين، وناكل من إيدينا وندّي المحتاجين، ونحمي اللي في حمانا وننصر مظلومين“.
تستلهم أغنية “يا بهيّة خبرينا إمتى هيقوم ياسين“، من كلمات حسين جعفر، وألحان أيمن حلمي، موّالاً شعبيًا معروفًا بعنوان “يا بهيّة وخبّريني“، وأغنية للشيخ إمام بعنوان “يا بهيّة وخبّرينا ع اللي قتل ياسين“.
أيمن حلمي موسيقي وكاتب أغاني ومترجم وناشط ثقافي من مواليد القاهرة عام 1978.
حاصل على دبلوم معهد الموسيقى العربية للدراسات الحرة 2004، وليسانس آداب لغة إنجليزية من كلية الآداب في جامعة عين شمس عام 1999.
ترجم ثلاثة كتب في مشروع المركز القومي للترجمة، وهو عضو مؤسس للعديد من المبادرات الثقافيّة، مثل “الفن ميدان“.
يعمل حاليًا منسّقًا لبرنامج السياسات الثقافيّة بـ“مؤسسة المورد الثقافي“، وهو برنامج يختص برصد وتطوير السياسات الثقافيّة في مصر والمنطقة العربيّة.