.
ظهر المقال الأصل في مجلة ذ أتلانتك لكاتبه سبنسر كورنهابر، وترجمه فريق معازف.
تمت مقارنة إد شيران بـ التوفو، بـ الاسفنج، بـ المايكروبات، وبأشياء أخرى عمومية وأليفة، تأخذ صفات ما يحيط بها. يضرب إد شيران على أوتار جيتاره ويغني بتواضع عن حنينه لمتجر البطاطا المقلية في بلدته الأم، دافعًا بعض المتابعين لتكوين نظريات محكمة، تشرح كيف أنجبت أغانٍ كهذه واحدة من أكثر المسيرات المهيمنة في البوب على الإطلاق. يتبعه على سبوتيفاي جمهور أكبر من جمهور أي فنان آخر؛ كان ألبومه الثالث، ديفايد، أكثر الألبومات شعبيةً عام ٢٠١٧، وسيحتل ألبومه المقبل (نمبر ٦ كولابورايشنز بروجكت) على الأغلب صدارة قوائم المبيعات.
في مواجهة هذا النجاح الاستثنائي، ربما حان وقت إعادة نظرنا بفكرة أن إد شيران مجرد اسم عابر في البوب. أو على الأقل، حان وقت الإقرار بأنه لو كان توفو، فهو نوع محدد من التوفو، متوسط القوام ومتبّل بخفّة. ألبوم نمبر ٦ كولابورايشنز بروجكت، كما يوحي اسمه، مليء بالتعاونات مع موسيقيين آخرين، لكن شيرانيّة إد شيران تتجلى بوضوح عبر الأغاني، من تعاونه الإنكليزي / الإسباني الغاوي مع كاميلا كابيلو، حتى ختام الألبوم عبر تعاونه مع كريس ستايبلتون وبرونو مارس فوق موسيقى جيمي هندريكس. كيف بإمكاننا وصف هذا الجوهر الذي لا نستطيع العثور عليه سوى لدى مغني الفولك ذو الثمانية وعشرين عامًا من وِست يوركشاير؟
بإمكاننا أن نبدأ من صوته. يتحكم شيران بتمكن بصوته الرفيع الأجش، ويعرف كيف يطوعه لإخراج طبقات صوت حادة متباكية، وطقطقات سريعة خفيفة. لكن خلال أغانيه المتباينة، هناك ميزة مشتركة واحدة: الالتواءات المفاجئة. يبدأ شيران أغانيه من بطريقة غناء لا يبدو فيها أنه يبذل جهدًا كبيرًا، ثم ينعطف بحدة إلى بذل الكثير من الجهد – مطلقًا أنّة أو آهةً أو طقّةً أو صيحة، أو أي صوت غير غنائي قادر على إيصال اللحن. في لازمة أغنيته الضاربة من عام ٢٠١٧، كاسل أون ذ هيل، بإمكانكم رؤية اللعاب ينبصق من فمه فيما يهتف: أنا على الطريق! في لازمة أغنية بيوتيفول بيبل من ألبومه الجديد، يولول شيران بعنوان الأغنية كما لو كان يرسل لعناته للآلهة، قبل أن يتبع ولولته بغناءٍ متهمل، هادئ ورتيب.
بناءً على ذلك، تميل أغاني شيران لإيحاء شعورين متعاكسين. من جهة، هناك تحكم وبساطة ورويّة في موسيقاه. لا يتجاوز التوزيع في أغانيه درجات محددة من التعقيد، فيما يبقى صوت شيران دائمًا نقطة الجذب الرئيسية، المضاءة بوضوح والتي يسهل متابعتها. قد يشدد أحيانًا في غنائه على نبرات أو ملافظ حروف مفاجئة، إذ أن تهريب المفاجآت داخل التقليدي يعد جزءًا رئيسيًا من هندسة الجاذبية في الموسيقى، إلا أن ألحانه دائمًا ما تأخذ نفس الطريق المرتّب والمنتظر إلى نهايتها وحلّها. رغم ذلك، يرغب شيران بأن يخلق شعورًا بالانحراف نحو الجموح، بأن يفقد رباطة جأشه، أو يستسلم لحنينٍ حاد لدرجة الانهيار.
هذا الأسلوب في الالتواء المفاجئ والحاد يناسب مواضيع أغاني شيران. يحب شيران الغناء عن عدم الانتماء (كأن يكون في حفلة، بينما لا ينفك عن التفكير بالحانة، كما في أغنية شايب أُف يو)، كما يبدو ستايله كمعرض من عدم التجانس (كارتدائه سراويل جينز واسعة بجوار فستان بيونسيه، أو ظهوره بشعر أشعث في مراسم تقلده وسام الشرف في قصر باكينجهام). في ألبوم نمبر ٦ كولابورايشنز بروجكت، يغدو مهووسًا بمفهوم فقدان المرء لمكانه في العالم. في الأغنية الافتتاحية الميلانكولية المسجلة بالتعاون مع خالد، بيوتيفول بيبل، يؤكد شيران على ثيمته المفضلة بكل الطرق الممكنة. يرسم صورة نمطية لمشهد اجتماعي في هوليوود: “سيارات اللامبرجيني، والهامر المستأجرة / كؤوس الشامباين، والعملات النقدية الملفوفة / عقود ما قبل الزواج والأسر المتداعية”، بغرض أن يعرّف عن نفسه وعن حبيبته كنقيضين لهذه الصورة. “محاطًا بكل هذه الإشياء، لكنني لا أزال وحيدًا” يغني، “دعينا نغادر الحفلة.”
تدور العديد من أغاني الألبوم حول ثيمة مغادرة الحفلة. في الأغنية المنفردة الأولى المسجلة مع جاستين بيبر، آي دونت كاير، يسود إيقاع نزق يصف حال المغنيين المتململين في مناسبة اجتماعية رسمية. في أغنية آنتيسوشال المسجلة مع الرابر ترافيس سكوت، يتمتم شيران: “لا تلمسوني.” في تعاونه مع نجم الجرايم البريطاني ستورمزي، يبث شيران حنينه إلى الوطن وسط حياة التجوال والسفر التي يعيشها (كل ما يريده “كيس بطاطا مقلية مع كاسة البيرة”). هناك الكثير من التذمر من الشهرة، ومن الغريب أن نسمع شخصًا يصر بصخب على كونه وحيدًا، في الوقت الذي يصدر فيه ألبومًا مليئًا بالتعاونات مع مشاهير آخرين. لكن هذا القلق الاجتماعي يعثر على صداه لدى الناس العاديين، الذين يواجهون ضغوطات الحفاظ على مظاهر القبول والشعبية. كتب أحد المشاهدين في قسم التعليقات تحت أغنية بيوتيفول بيبل على يوتيوب: “في زمنٍ يرغب الجميع فيه بالانتماء، نحصل على هذه التحفة التي تذكرنا بأكثر الأمور أهميةً: أن نكون أنفسنا.”
بالطبع، إذا أردت الغناء بنبرة متحدية حول من تكون، عليك بمقدارٍ ما أن تحدد من لا تكونه. تنتقد أغاني شيران بشكلٍ مبطّن وصريح أي شخص يبذل جهدًا في الاعتناء بمظهره، سواءً كان ذلك عبر استئجار سيارة هامر أو ارتداء أي شيء غير سراويل الجينز في المناسبات الاجتماعية المترفة. يعد انتقاد الثقافة الماديّة في الأغاني الضاربة من تقاليد البوب القديمة، إذ يسير شيران على خطى أغنية رويالز لـ لورد، فور ذ لاف أف موني لـ ذ وجايز، وكانت باي مي لاف للبيتلز وسواها من الأغاني. رغم ذلك، من غير المعهود أن يبالغ أحد الموسيقيين بالالتزام بهذه الثيمة في أعماله، بينما يغازل في الوقت ذاته الموسيقى التجارية الماديّة لعصره – والتي هي اليوم الهيب هوب والآر آند بي.
ولع شيران بالراب موثّق بشكلٍ واضح، وبإمكاننا أن نرى في ألبوم نمبر ٦ كولابورايشنز بروجكت أكثر تجليات هذا الولع وضوحًا ومباشرةً. لا يقتصر الموضوع على استدعاء شيران للرابرز الشباب (باولو لوندرا) والمخضرمين (إمينم و٥٠ سنت)، إذ يشكل راب شيران نفسه جزءًا كبيرًا من الألبوم. يخصص بعض أسطر أغانيه للإشارة إلى رؤية البعض له كموسيقي هيب هوب: “أريد تجريب أشياء جديدة، يريدونني أن أغني فحسب / لأن لا أحد يعتقد أنني أكتب القوافي”، لكن الحقيقة أن جمهور شيران أصبح معتادًا على نزعته لإنشاد بارات متشبهة بالراب. بالإمكان سماع شيران يراب في اثنين من أنجح أغانيه، شايب أف يو وسينج!، إلى جانب تعاونه مع تايلور سويفت في أغنية إند جايم.
لا يبحث شيران عن اعتراف الجمهور به كرابر، بالأحرى هو نجم بوب في لحظة من التاريخ تشهد نزاعًا حول ماهيّة وحدود البوب، لحظة بدأ فيها حرس البوابة بإزعاج جماهيرهم البيض، الأكبر عمرًا، والأكثر انغلاقًا. لا تزال إذاعات الأغاني الرائجة (توب فورتي) تتأخر في ترويج بعض أنجح الأغاني في الولايات المتحدة، عندما تأتي هذه الأغاني من رابرز. اعتادت محطات إذاعة الموسيقى المعاصرة للبالغين، والتي تشكل قطاعًا هامًا في عالم البث، على بث نسخ معدلة من الأغاني الرائجة، بعد شطب الراب منها. الأغنية الأكثر بثًا في محطات الموسيقى المعاصرة للبالغين حاليًا هي جيرلز لايك يو لفرقة مارون فايف، التي تتضمن مقطع راب لـ كاردي بي، لكن غالبًا ما تبث بدون مقطع الراب. من الطبيعي توجس وجود منطق عنصري وراء هذه القرارات في برمجة البث، خاصةً عندما لا تواجه أغاني شيران مثل شايب أف يو وسينج! أي مشاكل في تحقيقها شعبية واسعة على إذاعات الأغاني الرائجة وإذاعات الموسيقى المعاصرة للبالغين.
يستطيع شيران إذًا أن يهرِّب عناصر راب أو شبيهة بالراب، العناصر المسؤولة عن حس الفرادة والتجدد في البوب اليوم، لمستمعين يعتبرون أنفسهم متشككين إزاء الراب. حتى أن ألبوم نمبر ٦ كولابورايشنز بروجكت قد يفتح بوابة لعبور أصناف جديدة لهؤلاء المستمعين، رغم أن معظم الأغاني الميالة للهيب هوب في الألبوم لا يربطها بالهيب هوب فعليًا سوى حب الاستطلاع. تقدم أغنية آنتيسوشال نسخة باهتة ومقلّمة من الملاحم المزاجية التي يعرف بها ترافيس سكوت عادةً. فيما تحتوي أغنية ريممبر ذ نايم على بارات غنائية لشيران فوق إيقاعات الجيتار البرّاقة، ولا يمكن اعتبار ضيوفه من الرابرز، إمينم و٥٠ سنت، من نجوم الراب الحاليين. تزدان كروس مي، الأغنية الأكثر حيويةً في الألبوم، بإيقاع جارح وجيّاش يعززه غناء الرابر PnB Rock. في أحد مقاطع الأغنية، يصدح تشانس ذ رابر متباهيًا بصاحبته التي تمارس تمارين الكروس فيت، مقدمًا مرافقة ساحرة، ولو كانت عبيطة، لمقطع شيران الذي يتباهى فيه بحبيبته أيضًا.
تسلط هذه الأغنية الضوء على جانب مفتاحي آخر من شخصية شيران: الرومنسي. يغني شيران، مرة تلو الأخرى، عن قوة العلاقات الصادقة، غالبًا عبر إظهار حبيباته كنقيض للعالم السطحي الفاسد الذي يهجيه باستمرار. على كلٍ، تكاد تكون أغاني شيران العاطفية متعالية ومنفرة، يغدو هذا واضحًا على وجه الخصوص في ألبوم نمبر ٦ كولابورايشنز بروجكت، حيث يدفعه الموسيقيون العالميون الذين يتعاون معهم إلى التحدث عن الجنس بطريقة لا يمتلك القدرة على تملكها. في تعاونه مع كاميلا كابيلو وكاردي بي في أغنية ساوث أف ذ بوردر، يغني لاهثًا في محاولة أن يبدو لعوبًا: “ترتدي الـ هممم، الفستان الأبيض، لكنها عندما ترتدي ثيابًا أقل / مان، تعرف أنها تدفعني للجنون.” ثم تأتي أكثر أغاني الألبوم نقاءً، وأكثرها صعوبةً على السمع، بِست بارت أف مي، حيث يقارن شيران “عيوبه” الجسدية بفضائله النفسية: “رئتاي سوداوتان (لأنه يدخّن) لكن قلبي نقي” – مزيج بين الكليشيهات المعسولة المعهودة في البوب، وأسلوب الكتابة المتبجح / المتواضع المعاصر، الذي يشبه التقاط صورة سيلفي – خليط المكونات هذا، الذي قد يبدو لاذعًا ومنفرًا في هذه الأغنية، هو ما يكوّن جوهر شخصية شيران.