.
من الصعب عدم ملاحظة إصدار فرَكْتل (سارة بدر) ألبومها الجديد بعد ثلاث سنوات من ألبومها السابق البديع، وبعد يوم من المقابلة التي قال فيها دانيِل إك، رئيس مجلس إدارة سبوتيفاي، إنه “لا يصح للفنان أن يسجّل موسيقاه كل ثلاث أو أربع سنوات، ثم يظن أن هذا كافٍ.” في عالم إك، والكثيرين مثله، لا تعدو الموسيقى كونها سلعة، وإحدى أربح السلع، لهذا من غير المفاجئ أنه يعتبر الوقت المبذول في صنع الألبوم وصقله مضيعةً لمكاسب محتملة. تُشجّع رؤيته هذه على ضخ الألبومات، أو حتى الأفضل من ذلك: الأغاني المنفردة، بسرعة حادّة؛ وبناءً عليها يجري تحليل الأغاني الضاربة واستنساخها، مع تناقص الجودة في كل مرة، بينما الحد الأدنى المقبول لتلك الجودة يواصل الارتفاع. لا يمكن أبدًا لهذه الرؤية أن تُنتج ألبومًا مثل تحفة سارة بدر الأخيرة، المكونة من ساعة من استكشاف الصوت والبنية.
إكسيجن آفتر لَف كولابسز عبارة عن استكمالٍ لجولة فرَكْتل مع الصوت الذي بدأت باستكشافه في بروز إدا. لم تزل العينات الغنائية مصدرًا أساسيًا للصوت عبر الألبوم، لخلق بادز وخامات مختلفة، بينما تُوظف العناصر الإيقاعية بشكل انطباعي أكثر منها محركًا أساسيًا في الأغاني. هذا بالنسبة للملامح العامة. بنظرة أقرب، يمكن سماع توسُّع في ذائقة فركتل الصوتية، باعتمادٍ أكبر على الصوت الملتقط والنقلات الديناميكية الأكثر تنافرًا، وأكثر ما تبرز هذه الخصائص في أغنية آيجنسبايس، إحدى أهم أغاني الألبوم. تصُرّ عينات صوت النورس المستخدمة في الأغنية في مقابل خامات غنائية جميلة، مستهلةً بِيتًا مونولايكيًا يذكرنا بألبوم جوستس؛ وبقدر ما تبدو الأصوات متباينة على الورق، تنسجم ببراعة. يتولّد التوتّر وينفرج بشكل تلقائي، دون أي شعور بسردية مقحمة أو مفروضة على تدفُّق الأغنية.
خلق التوتر ثيمةً متكررة عبر الألبوم تتولّد بواسطة عدة أساليب وتقنيات. في الأغنية الحاملة لعنوان الألبوم، تُستخدم موجات من الوتريات ودوامات من الصدمات الأوركسترالية، شبيهة جدًا بعمل ميكا ليفي في ساوندتراك فيلم أندر ذَ سْكِين، تضاف إليها طبقات من الكيكّات الضخمة والإيقاع المتناثر، ما يُنتج سبع دقائق من الترقُّب الآسر. هناك بعض لحظات التلميح الخاطفة عن انفراجٍ للتوتّر عبر الأغنية، لكنها تستدرجك فقط إلى آمالٍ كاذبة، وتنتهي الأغنية على الحافّة، لتتفجّر أغنية درِد أفرجن بعاصفة إيقاعية تُذكّر بإيقاعات بلانك ماسّ الملتفة التي عُرِف بها. تأتي لحظة الانفراج دون تلك الجلبة، وإنما بـ درون منخفض ناعم، وتسجيلات ميدانية أكثر بروزًا نجومها الكثير من أصوات الحيوانات. لحظة هادئة، جليلة، ومولّفة بذوق عالي.
التسجيلات الميدانية المذكورة هي إحدى خصائص الألبوم الفريدة، ومُوظّفة بطرق عديدة عبره. استُخدمت صراخات النورس المزعجة لخلق التوتر في آيجنسبايس، تستحضر أغنية جِستالت آبروتش إلى الذهن مشروع راينفورِست سبيريتشوال إنسلايفمنت لـ دومينيك فِرنو، باعتماده على أصوات الطبيعة وخلطها باستمرار. تكشف الاستماعات المتكررة عن كم مبهر من التفاصيل، من ناحية توزيع الصوت، اختياره، وطريقة معالجته بحيث يصبح من الميزات الأبرز والأقل وضوحًا للألبوم. في الأغنية الختامية رودودِندرون فورِست رِسكيو تعود أصوات الطبيعة، كما يمكن توقعه من العنوان، لتفسح للأربيجات متعددة الإيقاعات للسنث مكانًا في المشهد الصوتي. تُقدّم تقلبات الطبيعة العصية على التنبؤ مقابلًا للسنثات الهائجة، وينتهي الأمر بالاثنين مكمّلَين لبعضهما لتشكيل كُلٍّ واحد. تظهر السنثات الهائجة مرة أُخرى في الألبوم في أغنية كراش بلوسُمز، التي تنفرد عن أغاني الألبوم من ناحية الصوت والأسلوب. يتدفق سيل من النوتات المستمرة السريعة، بأسلوب يُذكّر بموسيقى برجان سانتوور، ويتنقل ويتغيّر، ليُختزل في النهاية إلى نوتة بايس جليتشيّة ثابتة. تُشكّل الأغنية فاصلًا منعشًا في سياق الألبوم، خاصةً أنها تتوسطه تقريبًا وبمثابة منعطف حاد مقارنةً بكل ما سبقها.
إكسيجن آفتر لَف كولّابسز ألبومٌ مهم، وبين أفضل ما سمعت لهذا العام. قدر الانتباه إلى التفاصيل ومستوى كتابة الأغاني ملفتَين ووصلا بموسيقى سارة بدر إلى مستوًى جديد. تحتاج ألبومات كهذا إلى الوقت، ويستحق هذا الألبوم كل ثانية بُذلت لصنعه.