.
بدأت علاقتي بإليسا منذ ألبومها الأول بدي دوب كفنانة مختلفة ولافتة، اعتمدت توزيعات غنية بالجيتارات بأنواعها، وتوليفات غنائية مع أصوات إسبانية جذابة. بعد ذلك جاء ألبومها الثاني وآخرتها معك الذي قدمت فيه دويتو مع راغب علامة، وكان كفيلًا بالترويج لها بشكلٍ أوسع، حتى صعدت الدرجة الأولى على سلم صدارة المشهد في ألبومها الثالث عايشالك، عندما فازت عنه بجائزة الموريكس دور لأفضل مغنية عربية. لم تتراجع إليسا بعد ذلك، لكنها ذهبت إلى التجريب التجاري أكثر فأكثر، ما دعاني إلى التوقف عن الاستماع إليها بحرص، فقط كنت أسمع ما يحقق انتشارًا فيروسيًا من أغنياتها.
تسبب ألبوم إليسا الجديد بضجة بسبب أغنيته الرئيسية التي حملت اسم الألبوم، إلى كل اللي بيحبوني. بنيت الأغنية على قصة واقعية، هي قصة إصابة إليسا بسرطان الثدي، وتكتمها على الأمر إلى أن تشافت منه. عندما استمعت إلى الألبوم، وجدت تفاصيلًا محددة دفعتني إلى العودة إلى إليسا، والبحث عن هذه التفاصيل ما وراء الأغنية الأهم وقصّتها العاطفية.
بدايةً من إلى كل اللي بيحبوني الأغنية، كان ليكون أسهل للنقد والتعامل الفني لو لم تكن قصة الأغنية حقيقية ومؤثرة، فالعنوان حينها سيسقط في مواجهة أي عنوان آخر بمجرد تفريغه من الواقعة المؤثرة، لكنه يصبح مناسبًا وقويًا، برغم ركاكته، بمجرد اقترانه بالقصة التي انتشرت خلال الأغنية المصورة بعد صدور الألبوم مباشرة.
يبدو أن الأغنية من بنات أفكار إليسا وحدها ولم يساهم في تطويرها أي من العاملين عليها، إذ تم تنفيذها بشكل معقول، لكن كل من عمل فيها يبدو وكأنه تجرّد من روحه الخاصة لصالح خدمة الفكرة. فنجد الشاعر شادي نور قد تقيَّد بالفكرة بشكلٍ ترك أثره على جوِّ نصِّه، لكن يغفر له بسبب صعوبة الكتابة وِفق “أوردر”. أما محمد يحيى، الذي اضطلع بمهمة تلحين كلمات تختص بقصة إنسانية كهذه، فلم يترك لنا ولنفسه عذرًا يبرر اقتباسه لحنًا من أغنية معروفة جدًا دون أدنى إشارة إليها، نعم أعني Dance Me to the End of Love للكندي ليونارد كوهين، كما لا أدري كيف مرت المسألة على إليسا في أغنية قد تكون الأغلى بالنسبة إليها.
لم يكن للمخرجة أنجي جمّال أن تتخيل قصتها الخاصة وتحملها على أجنحة الأغنية، إلا أنها استطاعت تنفيذ الفيديو بشكلٍ لائق عبر رسمها ستوري بورد جميلة ومتسقة مع القصة التي يفرضها العمل، وتمكنت من تغطية الاتصالات الحقيقية في بداية الكليب بمشاهد ملائمة، كأنها خرجت للتو من الحلم، وأخيرًا عرفت كيف تستخدم فيديو وقوع إليسا على المسرح بطريقة تحرك مشاعر المشاهد وترقرق قلبه وعينيه.
كانت اكرهني من كلمات علي مولى أغنية محكمة من حيث الكلمات، يثبت علي فيها كل تجربته وجدارته، إنه شاعر شاب ومغامر، يستطيع أن يتطرق إلى موضوعات جديدة بمفردات مألوفة، وأحيانًا يفعل العكس، فيكتب في موضوعات مطروقة باستخدام مفردات لم نألفها من قبل في كلام الأغاني، وهذا يضيف إلى رصيده، ويجعله من كتابي الشباب المفضلين. لحّن الأغنية الحائز على جائزة الموسيقى العربية ولقب ملحن العام، السوري فضل سليمان، وأعطى الأغنية ما تستحق من الرهافة الممتزجة بالصلابة، مفاجئًا إيانا بتمكنه من تقمّص إليسا بعد أن اعتدنا عليه بأغنيات محمد عساف وناصيف زيتون وفارس كرم. كما أنه اقترب من إليسا حد التشابه في اللوازم الموسيقية مع أغنيتها العتيقة أجمل إحساس، إلا أن التوزيع أنقذ اللحن من هذا التشابه، من خلال صولوهات الكمان والغيتارات.
بالنَفَس ذاته، كتب علي مولى كلمات أغنية مريضة اهتمام. تشارك العملان ثيمات كبرياء المرأة المجروحة والسعي للحيلولة دون نسيانها وتحولها إلى مجرد تجربة. لحَّن الأغنية رامي الشافعي، شريك علي الذي صنع معه عدة أغاني حازت اهتمامًا في السوق. مفيش أسباب، من كلمات المخضرم أمير طعيمة وألحان رامي جمال، أغنية حلوة. تركز على لون إليسا الطبيعي في غنائها المصري عبر انضباط الميزان الشعري. ساعد الملحن في صياغة لحن ريذميّ يعتمد على التصاعد ثم التروي والعودة إلى التصاعد على إيقاع واحد، وكان ذلك جميلًا.
اعتادت إليسا أن تضع أغنيات مصوغة بكلمات تبني صورة فنية عالية، تقترب أيما اقتراب من الشعر، أجد ذلك في أغنية انت ومعي، التي جاء اللحن فيها متواطئًا مع الكلمات، والتوزيع هادئًا بما يفسح للكلمات فرصة الظهور. الأغنية من كلمات عمر ساري وألحان محمد بشار. على الوتيرة ذاتها جاءت أغنية عالمخفي من كلمات وألحان سليم عساف، الذي اعتدنا أن يصنع الأغاني كاملةً بيديه، والذي قدم من قبل أغنيات هامة لكل من رامي عياش وصابر الرباعي وكارول سماحة وأمل حجازي. فيما قدَّم هاني عبد الكريم ووليد سعد أغنية ارتاح وعيش. لا يكف وليد سعد عن السير في طريقه المعهود، ما يراه البعض صمودًا ويراه آخرون تكرارًا للنجاح.
يمكنني أن أسمي أغنية نفسي أقوله، من كلمات نادر عبد الله، عملًا متأخرًا عن زمنه، وهجينًا من حيث البنية، حيث تمت صياغة الكلمات على لحن أغنية Haydi Söyle مع ذكر اسم الملحن الأصلي هذه المرة، التركي إبراهيم تاتلس. لكن الأغنية استُنزفت، وغناها آخرون بتوزيعات مختلفة، ومضى عليها وقت كان كفيلًا بتداولها عربيًا حتى إنها غدت باهتة على نحوٍ غير مفاجئ. كما أن التباعد بين النكهة المصرية المتوهجة من الكلام واللحن التركي الأقرب لإيقاع لهجة بلاد الشام قد وضع الأغنية في قالب هجين وممل.
اختتمت إليسا الألبوم محافظة على عادتها بتقديم واحدة من الأغنيات العربية الكلاسيكية. كانت هذه المرة أغنية وحشتوني لوردة الجزائرية، وكان خيارًا موفقًا، إذ تماشت الأغنية مع ثيمة الألبوم وعنوانه، واختارت لها إليسا توزيع لايف لتعزّز طابعها الاستعادي.
احتوى الألبوم على ١٦ أغنية، وهو كم مبالغ فيه ونزعة جديدة في إصدار الموسيقى حول العالم، سببها انتشار منصات البث مثل سبوتيفاي وديزر وأنغامي، فنجد الألبومات تمتد لـ ٢٠ و٢٥ أغنية في أحيان. إذ كل ما زادت الأغاني ازدادت عوائد البث. هذه الطريقة تظلم أعمالًا شتى لحساب ثلة من أعمال الألبوم الواحد، ليس على مستوى الاستماع والترويج فقط، إنما على المستويات المتعلقة بالدراسة والتقييم. كما أنها تترك مجالاً كبيرًا لتشابه الأعمال، حيث يمكنني الآن أن أقسم أغنيات الألبوم إلى أربع مجموعات، وأن أجد تشابهًا بين أغاني كل مجموعة. كان يمكن التخلص من هذه المثلبة لو أن الألبوم اقتصر على ٨ أو ١٠ أغنيات على أساس الانتخاب الطبيعي، والبقاء للأقوى من كل لون. خلافًا لذلك، يعد إلى كل اللي بيحبوني في تقديري درجة جيدة على سلّم إليسا، فيه شيء من أغانيها الضاربة القديمة، بالإضافة إلى محاولات تقديم بعض الجديد ضمن المساحة التي أصبحت خاصةً بها في الوسط بين الغناء المصري واللبناني.