.
في النصف الثاني من هذا الفيديو، وبعد تفاقم مشاهد غير مفهومة ومقاطع صوتية خادشة للأذنين، تهدأ الأغنية تدريجيًا ويختفي المقسوم الذي حملها حتى تلك اللحظة، ليظهر سعد لمجرد القديم، الذي تفاءلنا به خيرًا في بداية مشواره. موسيقى إلكترونية بلحن جميل وخط بايس ضارب، مع جودة إنتاجية عالية، يتمخطر فوقها لمجرد واثقًا بغنائه، حيث يتراوح هنا بين الراب والغناء، دون أن ينجرف نحو التراب. في هذه اللحظة الجميلة والدفينة في هذا الفيديو الفج، نتساءل لِمَ اضطر سعد لمجرد للتورط مع محمد رمضان ومحاولاته العصيبة له ولنا في الغناء مثلما نرى في مشهد البانيو والسيجار، ولِمَ نزح إلى مخرج فيديو أقل موهبة بمراحل من أيٍّ ممن أخرجوا أعماله القديمة.
مع كل عمل جديد، يبدو أن لمجرد يفقد ثقته بنفسه وبرؤيته الفنية، وتتقلص عفويته التي رافقت انطلاقته، بحيث نجده الآن يلجأ لتبطين مقطع جميل كان ليبني حوله أغنية ضاربة قبل عدة أعوام، بكليشيهات بصرية وإيقاعات مستهلكة، وتدعيمه بمشاركة نجم آخر من الواضح تمامًا أن لا مكان له في أغنية كهذه.
عندنا في الشام نطلق اسم مخلوطة على عدد من الأكلات أو الأطباق. هناك طبق تحلية يسمى المخلوطة، وهناك نوع شوربة يطلق عليه البعض اسم مخلوطة، وهناك كذلك أكلة دسمة تؤكل في الشمال اسمها المخلوطة. تستخدم التسمية في جميع الحالات مع الأطباق التي تجتمع فيها مكونات عديدة لا تنسجم تمامًا مع بعضها الانسجام الذي يجمع الوصفات التقليدية الأخرى، كما في حالة مخلوطة محمد رمضان وسعد لمجرد هذه.
في الأغنية مكونات كثيرة هجينة في معظمها، لا يمكن العثور على عنصر يجمعها. لا أقصد هنا خليط اللهجات، الذي يبدو متماسكًا إلى حد ما بالمقارنة مع تداخل الجنرات في الأغنية على نحو يصعّب التقاط نفس واحد. هناك مقطع راب، ومقطع غنائي لكل منهما، مع بعض خصائص المهرجان ولمسات من التراب المغاربي. حتى بعض الجمل جذابة الإيقاعات التي كان يمكن أن تكون نواة لأغنية صيفية ضاربة متل “دي حاجة تجن تجن / ليل نهار تزن تزن”، راحت بين الرجلين مع تأخر وصولها وتشوش بنية وترتيب مقاطع الأغنية. ينطبق الأمر ذاته على الفيديو الذي يحاول مقاربة صيحات عديدة دارجة في ساحة الأغنية المصورة اليوم دون أن ينجح في تنفيذ أي منها، بل يكتفي بإظهار تأثرات بصرية غير مكتملة.
كل ما وصلني من الأغنية هو أن صاحب الرؤية خلفها كان واثقًا أن اجتماع الاسمين تحت إنتاج ضخم سينجح وحده في خلق أغنية ضاربة، فغابت عنه أية رؤية واضحة قد توحد العمل وتجمع الأسطورة والمعلم فعلًا.
في حالة محمد رمضان بالذات، أميل لبدء الأغاني من نهاياتها، من المشاهد الأخيرة في الفيديو حيث تظهر أسماء الفنانين المشاركين في الإنتاج والتأليف. تفتح أغنية إنساي جسرًا غير متوقعًا بين الراب المصري والبوب المغربي، عبر ضم فرغلي بلاكس والشبكشي في كتابة الكلمات (رابرز مصريين أندرجراوند) مع المنتج جلال الحمداوي، صانع النجوم المعروف لإنتاج وتوزيع أغنية لمعلم.
رغم أنه من المحمس أن الأغنية تتجاوز التعاون بين محمد رمضان وسعد لمجرد لتخلق فرصة احتكاك بين مشهدي الراب المصري والبوب المغربي، إلا أنه كان يمكن اختيار أسماء أفضل لتمثيل الراب المصري. أفضل بكثير للصراحة. أكثر غلطة واضحة يرتكبها فرغلي بلاكس والشبكشي أنهما يكتبان لمحمد رمضان مقطع راب من الألفينات المبكرة، بينما كان من الأنسب كتابة مقطع تراب يلائم الميل الغنائي والأوتوتيوني للأغنية. ثم هناك مقطع: “أسبها ترن ترن ترن / دي حاجة تجن تجن”، يعني، شباب، على مين بتضحكوا؟ واضح أن الفرس ملطوش من مش برد لأبيوسف، الكلمات والشخصية والفلو.
كلا محمد رمضان وسعد لمجرد فنانان يعتمدان بشكلٍ جوهري على تعاوناتهما، لذلك كان الفرق بين الاثنين واضحًا إذ اختار لمجرد العمل مع الورقة الرابحة دائمًا جلال حمداوي، بينما راهن محمد رمضان على رابرز نص نص، بإمكاننا عد خمسين اسم أفضل منهم في الراب المصري. كلما تتسبب مقاطع محمد رمضان بإيضاح ضرر هذه الاختيارات التعاونية الضعيفة، كلما يساهم جلال الحمداوي بالتغطية عبر تمكنه من مزج المهرجانات والبوب المغاربي في ثيمة توزيعية متماسكة. بالنسبة لي، إنساي ليست أغنية ضعيفة، وتكمن أهميتها الحقيقية في التجسير بين المشهدين، وبين اثنين من أهم تيارات البوب العربي البديل.