.
لطالما كانت موسيقى ثنائي أوتكر تتطلب الانتباه إلى التفاصيل والاستماع المتكرر لإدراك مدى روعتها، وهذا الألبوم ليس استثناء، بل العكس. منذ ولادتها في شوارع مانشستر المليئة بالجرافيتي والمشهد الموسيقي الذي برز هناك بين أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، وحتى اليوم، يمكننا تقسيم مسيرة أوتكر تقريبًا إلى ثلاث مراحل: إصداراتهم الأولى مثل إنكونابولا وآمبر بميلوديّتها المؤثرة القريبة إلى التكنو المحيطية الداكنة، والتي وضعت الثنائي بين رواد موسيقى الآي دي إم؛ مرحلة الألبومات بين تراي ريبِتاي، كياستك سلايد، وحتى أنتيلتد، المتميزة بصوت أكثر روبوتيةً وصناعيّة، غير منتظم، مُطعّم بمواضع خلل ومعتمد على بِيتات مكسورة؛ ثم المرحلة الحالية، المعتبرة خلاصة تجربتهم والبادئة بألبوم كواريستيس. في هذه المرحلة، تعكس موسيقاهم كثيرًا من أعمالهم السابقة، بظهور أصوات وأساليب مألوفة، لكن في سياق مختلف. تناقص اهتمام أوتكر بإبراز براعتهم التقنية، وزاد تركيزهم على خلق إحساس بالمزاج والمجال المحيط، مستدرجَين المستمع إلى الغوص بشكل كامل في رحلات صوتيّة تزداد طولًا وغنى؛ من ساعتَي إكساي، إلى الساعات الخمس لـ إلسِك، وحتى جلسات إن تي إس التي بلغت ثماني ساعات، مع مقطوعاتٍ أطول فأطول.
في جلسات إن تي إس، تبدو عدة مقطوعات أطول من اللازم، مثل الدقائق الأربعة الأخيرة من مقطوعة دِبري فَنك التي قد تمتحن صبر أكبر معجبي أوتكر. تحمل بعض المقطوعات أفكارًا مثيرة بشكلها الخام أكثر مما كانت في التنفيذ، ما يجعلها تستهلك المستمع بتطورها شبه المعدوم، مثل أصوات الرنين في مقطوعة بي-كيو-بي-كيو-بي-كيو التي تبدو مثل محاولة لتكوين نغمة أو البحث عن أية أنماط يمكن تمييزها في خطاب بلغة غير معروفة. كل هذا يجعلها تجربة استماع آسرة في البداية، لكن بعد عدة دقائق من سماع تكرار الرنين الحاد، يصبح الأمر مرهقًا. قد يعتبر تنفيذهم لمقطوعة كيرفري كاونتر درونال الأكثر ذكاءً، بتخريب الطنين عبر مقاطعات متكررة تشبه التأتأة.
هناك تحف عدة في الألبوم، وإن احتاجت بعضها إلى مونتاج أكثر صرامة، بحيث تكون أقصر وأقل تكرارًا. مقطوعة تي وَن إيه وَن المضبوطة والتي تبدأ الجلسة الأولى افتتاحية مثالية، ترشد المستمع بالتدريج إلى عمق عالم صوت أوتكر. بعد بي-كيو-بي-كيو-بي-كيو ودِبري فَنك، تبدأ آي-ثري كونترول بأجواء غامضة وجذّابة، وتزيد جمالًا لدى دخول البِيت الأعرج. يبرر التطور السريع للبِيتات – المعقدة، المبنية بعناية، والمتقلبة تدريجيًّا – طول مقطوعتَين مثل المسعورة نورث سبيرال والأخرى القاسية الخشنة جونك ستيدي وَن. بينما تبرز فور إيز سِفن بكونها المقطوعة الأسهل تذوقًا في هذا الإصدار، بصوتها الذي يذكرنا بمرحلتهم الأولى. تُختتم الجلسة الأولى بالجمال الكريستالي والتأمُّلي لمقطوعة ٣٢-إيه ريفلكتد.
تتكون الجلسة الثانية بمعظمها من مقطوعات أقصر، ما يجعلها أكثر تنوعًا. بعد مجموعة من مقطوعات معقدة البنية ومعتمدة على البِيت مثل إلك-ناين سفن-رِس، سيكس أوف إيت (ميدست)، إكس-فلود وجونك تَف هاي، مع الغرائبية دَمي كاجوال بارت-تو والساحرة باستكشافاتها الصوتية فيولفيك، نصل إلى أقصر مقطوعتين في الألبوم، الرائعتين سينيستريل-إيه-بي إير وويتجِلِس كاجوال إنترفال، بالصوت الغرائبي المحيطي المريب فيهما، والذي يستحضر مساحاتٍ صوتيّة من عالمٍ آخر. تستمر الجلسة بعد هاتَين المقطوعتَين باستكشاف أجواء محيطية، بالصوت الدافئ لـ إي-زيرو، الشر في أجواء بيل إم-إيه، والسرياليّة المنذرة في أصوات تُربايل إبيك كاجوال وستبل آيدل.
تبدأ الجلسة الثالثة بـ كلَسترو كاجوال، الواقعة على خط الأجواء الخاصة والصوت الدافئ ذاته، لتتبعها سبليش ببِيتها الرشيق الملتوي. في هذه الجلسة، يبدو أن هناك تركيزٌ أكبر على الأصوات العضويّة المُعالجة، كالصوت الذي يبدو مثل أرجن في المقطوعة الافتتاحية، وما يشبه صوت صرير الخشب الذي نسمعه عبر مقطوعة تي-تي-وَن-بي-دي. تبدو آسيد موان آيدل كمقطعٍ نفخيّ، أو ربما سطور بايس أسيديّة صوت الأسيد الشهير لجهاز الـTB-303 معاد تشكيلها في وسط صوتي محيطي، تتبعها إف-إل-إتش بصوتها النافر غير المتناسق، ثم جلوس سيراميك بخشونتها شبه الوحشيّة.
تقدم الجلسة الرابعة الصوت الأكثر محيطيّة. بدايةً من الأسلوب الغريب وغير المريح لـ فرين كاجوال، مرورًا بالأمواج الصوتيّة المرهبة لـ ميراج، الميلوديّة الدافئة لـ كولمن ثيرتين، المزاجية والظلاميّة لـ شيمريبل كاجوال، وانتهاءً بـ أول إند. تُشكل أول إند البالغ طولها قرابة ساعة ختامًا عبقريًّا ليس فقط لهذه الجلسة، بل للألبوم كاملًا. بالطنين المطوّل الواسع، الفخم والمحيطيّ الصوت، المتطوّر بإيقاعٍ جليديّ، والمُذيّل بصدًى ضخم قليل التردد، ما يوحي بفضاءٍ أبديّ. أما بريد أندرنيث فتأتي كنغمةٍ مهيبة ثقيلة الوقع تكافح ببطء للوصول إلى السطح، لتصبح مسموعة بوضوح في الدقائق العشرة أو الخمسة عشرة الأخيرة. ختامٌ لائق بهذا المشروع الضخم.
أوصي بألبوم جلسات إني تي إس بالتأكيد. قد يؤدي طوله إلى تجربة سماع شاقةً، وربما توجّب تقصيره، لكن هناك كم من المحتوى المذهل يجعله مستحقًا لكل هذا الوقت. هناك تدفقٌ مدروس بعناية بين المقطوعة والأخرى، وبين الجلسات الأربع. ضمن كل جلسة هناك افتتاحية أكثر هدوءًا وتقليليّة، فواصل محيطيّة مثل استراحات أو جسور بين المقطوعات الأكثر اعتمادًا على البِيت، وختامٌ أكثر تهاديًا وتأمليّة بشكل عام. عبر الأربع جلسات هناك تقدمٌ تدريجي، بدايةً بنغمات ناعمة وهشّة تغيب في الخلفية، أو توقفها / تقاطعها أصوات وبيتات مُطعّمة بمواضع خلل. كالعادة مع أوتكر، من الأفضل الاستماع بسماعات الرأس لتحقيق أعلى إفادة من تجربة الغوص في استكشافاتهم الصوتيّة. هذه موسيقى لتنسى نفسك معها.