.
على مدار ثمانية أجزاء تتكشّف تدريجيًا، يُعد إيجو دث لـ أهو سان وريزينا ألبومًا مثيرًا للتفكير، وغير مريح، دراسة حول تصاعد التوتر وسبل تفريغه. بعد ثلاث سنوات من تقديم العمل لأول مرة في مهرجان أنساوند في كراكوف، صدر الألبوم على تسجيلات سبتكست ليكشف عن ثنائي منسجم تمامًا، يُبرز كل منهما أفضل ما لدى الآخر، مع الحفاظ على صوته الفريد طوال العمل.
يقدّم أهو سان الثقل الموسيقي من خلال طبقات البايس الانسيابية التي أصبحت علامته المميزة، إلى جانب مشاهد صوتية تبدو دائمًا وكأنها على وشك الانهيار. أما ريزينا، فتنساب وتطفو بعزفها على التشيلو، متّخذةً دور الراوية التي تقود التراكات والمستمعين على امتداد الألبوم. يكمل كل منهما الآخر، ويندمجان بسلاسة مع مفهوم الألبوم، ليشكّلا معًا كيانًا صوتيًا وعاطفيًا متكاملًا.
يستكشف كل تراك في الألبوم جانبًا مختلفًا من مفهوم موت الأنا، ذلك الفقدان للهويّة الذي يُصادَف كثيرًا في طريق الوصول إلى التنوير، والانفصال بين الذات والجسد الذي يحيط بها. تُبنى الذات شيئًا فشيئًا، شظية بعد أخرى، إلى أن يتم التخلي عنها بالكامل. تعكس الموسيقى هذا المسار؛ إذ تنمو الشظايا الصوتية الصغيرة والضوضاء المتناثرة لتصل إلى مستويات طاغية، بينما يوضع المستمع في قلب التجربة، ليتتبع كل ما يحدث لحظة بلحظة. التحام وتلاشي، فراغ يليه اتساع فخم ثم خواء تام.
يجسد تراك إجريس ٣ هذا المفهوم على نحو مثالي. يبدأ بسنث باد منفردة تُشكّل العمود الفقري، لتنضم الأصوات الأخرى تدريجيًا وتتراكم واحدة تلو الأخرى. تظهر الجليتشات، ثم لحن حزين على التشيلو، وتتسلل درونز البايس، ليتحوّل الحزن تدريجيًا إلى رهبة. تصبح كل طبقة صوتية أكثر تشويشًا، أكثر نشازًا، وتظهر الكيكّات بشكل مفاجئ، فيما تتحوّل نغمات التشيلو إلى صفارات إنذار. في لحظة ما، لا يبقى أمام المستمع سوى ترك كل شيء والانجراف في هذه الدوّامة. رحلة صعبة لا يمكن خوضها بسهولة، وتنتهي في لمح البصر. في ست دقائق فقط، يقدّم أهو سان وريزينا درسًا متكاملًا في بناء التوتر.
من حيث التصميم الصوتي والبناء الموسيقي، يمكن تقسيم الألبوم بشكل عام إلى قسمين. النصف الأول، الذي يبلغ ذروته مع المقطع المحوري إجريس ٥، أكثر تأثرًا بالموسيقى الكلاسيكية، حيث تعتمد التتابعات الهارمونية واللحنية على الموسيقى الباروكية والموسيقى الكورالية. أما النصف الثاني، فيتّجه نحو تأثيرات أقل لحنية وذات طابع إلكتروني، مع سنثات أكثر حدّة ومعالجة صوتية أكثر وضوحًا وتشويشًا.
يمتد إجريس ٥ لتسع دقائق، تراك ضخم، مبني حول لحن غنائي مكوّن من ثلاث نغمات متكرّرة، يظلّ مسموعًا بينما تنمو التكوينات الصوتية من حوله إلى حالة من الهيجان. عندما يختفي هذا اللحن من المزيج، ينهار المشهد الصوتي بأكمله ويتحوّل إلى فوضى منظمة. تُشبه هذه التجربة مشاهدة نجم يحتضر، ينهار على ذاته، ثم ينفجر تحت وطأة كتلته الهائلة ليُولَد من جديد في صورة مستعر أعظم supernova. ليس من المستغرب أن يكون أحد أقرب المراجع الموسيقية التي تستحضرها هذه اللحظة هو ألبوم لايف سايكل أُف إِ ماسيف ستار للفنان رولي بورتر، زميلهما في تسجيلات سبتكست.
ينهي آخر تراكان الألبوم بنبرة تأمّلية تجمع خيوطه معًا. يُعد إجريس ٧ ملحميًا، وأكثر التراكات إيقاعًا ومباشرةً. حيث يعزف التشيلو نغمات مطوّلة فوق إيقاع ثابت من الكيك والسنير. يشكّل هذا التغيير إضافة مرحّب بها في سياق الألبوم، ويُحسن التمهيد للنهاية. يبدأ إجريس ٨ بتوتّر واضح، حيث تعزف الأوتار المرتجفة tremolo في الخلفية تحت النغمات الأساسية والسنث بادز، ثم يكتسب المقطع تماسكًا وصلابة في منتصفه، لينتهي بتضخّمات غنائية جميلة، وضجيج مفلتر، وهياكل صوتية ضخمة متشظية.
يُجسّد إيجو دث مفهومه بدرجة شبه كاملة من الإتقان. عمل واسع عاطفيًا، ودقيق للغاية على المستوى الصوتي. نجح الفنانان في ترجمة فكرة بالغة التعقيد دون أن ينطقا بكلمة واحدة، وذلك عبر تحكّم كامل بالصوت وتدفقه. تجربة استماع مرهقة ومستنزفة في بعض اللحظات، لكنها في غاية الأهمية.