fbpx .

إيش عليّا أنا من الناس | جلسات رجاء محمد

رامي خريس ۲۰۱٤/۱۰/۱۰

 

تعرّف الشاعر أبو الحسن الششتري، من أعيان الأندلس، على شيخٍ صوفيّ يُدعى بأبي سبعين طلبا للمعرفة والعرفان، فأمره الشيخ بأن ينزع عنه ثياب الحرير وأن يلبس ثياب المتصوّفة البالية وأن يحمل بنديرا ليُغني في الأسواق، وهكذا فعل صاحبنا: واقفاً في سوق مرّاكش مُغنيّاً على مدار ثلاثة أيّام: “شويّخ من أرض مكناس، وسط الأسواق يغنّي، إيش عليّا أنا من الناس، وإيش على الناس منّي“.

لُحنّت القصيدة في البحرين مطلع الثمانينيّات، مستوحيةً من الألحان العدنيّة (البحريّة) الشائعة في الخليج، ودامجةً الإيقاعات التي نلمس فيها التأثيرات الأفريقيّة: إذ تتناوب الجوقة على ترديد لازمة الأغنية، ويشكّل التصفيق المتواتر فيها ركيزة أساسيّة لضبط إيقاعها.

يحيل الفيديو المرفق إلى زمن الجلساتالتي وصلتنا مع بدايات ظهور التلفزة الخليجيّة في الكويت والبحرين (قبل أن يفعل النفط أفاعيله الحاسمة) منذ الستينيّات، والتي كانت تحمل دوماً روحاً مُنفتحة مُتحرّرة، مع حضورٍ مميّز للمرأة في حقول الفن والغناء والمسرح، ومع مُعالجة تقدّميّة متنوّرة للتراث العربي والإسلامي. لكن، وبدءاً من التسعينيّات، يطغى على ما يصلنا من هناك فتاوى التكفير وصرخات نشر الرعب والطائفيّة. ذلك ما يدفع للاقتناع بأنّ دعوى الإسلاميّين لـالعودة للتراثليست أصيلة، وبأنّ مهمة إعادة قراءة تُراثنا العربي الإسلامي واكتشافه لن تتحقّق قبل أن تتأسّس في عالمنا العربي شروطٌ أكثر تنوّراً وعلمانيّة. هذا قبل أن أقول، وأن أعترف صاغراً، بأنّ المغنية بسمارها المليح وخجلها الفطري وخفّة روحها الاستثنائيّة أضافت سحراً خاصّاً على كلّ الحكاية. وإيش عليّا أنا من الناس، وإيش على الناس منّي.

المزيـــد علــى معـــازف