fbpx .

اقطع الخصيتين | تطور شكل الأغاني السياسية الساخرة

مينا ناجي ۲۰۱۳/۱۰/۳۰

انتشرت المحاكاة السياسيّة الموسيقية الساخرة بشكل واضح في الميديا عالميًا ومحليًا، خصوصًا على الإنترنت حيث لا خطوط حمراء سياسيّة أو أخلاقيّة أو حتى فنيّة. وتحوّل موقع يوتيوب بالتحديد منبرًا لأعمال موسيقيّة مصوّرة تتميز بالحركة والحيوية تسخر من أوضاع وأحداث سياسيّة معاصرة.

المثال الأول أغنية الرقصة المنحرفة (اقطع الخصيتينمن تأليف السلوفيني كليمن سلاكونيا، الذي تخرّج من أكاديمية المسرح بلوبيانا والمعروف باغانيه المحاكية الساخرة التي انتشرت على يوتيوب بكثافة. من أعماله الأكثر شهرة محاكاته لأغنية جانجام ستايل وتوظيفها لتسخر من التطورات السياسية في بلده. الأغنية تتحدث عن ابن موطنه الفيلسوف سلافوي جيجيك، ويمكن اعتبارها من أفضل المقدمات لفلسفته السياسية وشخصيته التي تكسّر باستمرار الصورة الأكاديميّة النمطيّة للمفكريين والفلاسفة. سلاكونيا، الذي كتب كلمات الأغنية وموسيقاها، وصف العمل بأنه إشادة بسلافوي جيجيك، مستوحاة من محاضراته، يبدو أنه يعرف عما يتكلم عنه، فهو يبدأ بسرد نكته من نكات جيجيك التي يكررها كثيرًا، وهي عن محارب منغولي يغتصب زوجة مزارع على الطريق قائلًا للمزراع أن يحمل خصيتيه لئلا يتلوثا بالتراب، وحين ينتهي ويرحل، يضحك المزارع ويقول إنه قد نال منه، لأنه قد ترك خصيتيه تتمسحان في التراب.

يستكمل سلاكونيا الأغنية بكلام جيجيك حسنًا، نحن في الحقيقة نوسخ بالتراب خِصَى من هم في السلطة / والآن يأتي الاستنتاج القذر – الفكرة هي أن نقطعهم، ويطرح في موسيقى جذّابة راقصة ومشاهد مضحكة ذكيّة – تحاكي عبثية شخصية جيجيك ولكنته المميزة – بدائله السياسيّة لهذا القطع“: الأول، الحل العنيف: الثورة والصدام فقط اقطعوا الخصيتين، اجعلوهما شلالات نياجرا، الثاني، أحيانًا عدم فعل شيء على الإطلاق هو أعنف ما يمكن فعلهوالذي يشير إلى شلّ حركة الدولة والحياة اليومية بحيث ينهار النظام. الثالث، التعاون في شبكة عالمية للمهمشين واليسار داخل النظام الرأسمالي العالمي كونوا مثل كونجفو باندا *شخصية كارتونية* – كونوا بيضًا، سودًا، آسيويين واقطعوا الخصيتين.” الرابع، صنع تغييرات بسيطة في النظام وتوجهاته الرأسمالية المهيمنة لتتراكم وتصبح حدثًا مزلزلًا يُسقط النظام: “لكن اصنعوا تغييرات صغيرة وفجأة، الخصيتين غير موجودتين هناك، هؤلاء من في السلطة ينظرون لأسفل ويقولون ‘آه، أين خصيتيّ؟ وأصواتهم تصبح عالية وهكذا وهكذا وهكذا.’ الأغنية على المستوى الفني تحاكي أغاني البوب الحديثة بموسيقاها الصاخبة السريعة المولّفة الصناعيّة وإدخال الكلام العادي عليها، وبرقصاتها الساخرة الكاريكاتوريّة الحمقاء، وتجعلك – مثل أغاني البوب تلك تدمن سماعها والتغني معها بكلماتها شبه السخيفة.

المثال الثاني قدمه باسم يوسف في الحلقة الأولى من الموسم الثالث من برنامجه الجماهيري البرنامج، وهو الأغنية الساخرة بعد الثورة المستوحاة من أغنية الأطفال جدو علي التي غناها محمد ثروت منذ أكثر من عقدين ونصف. التوزيع الموسيقي لمصطفى الحلواني سريع وحيوي، وتصميم رقصات عمرو حسني وميريت ميشيل كان موفقًا جدًا حيث الأداء السريع والطفولي يعزز من سخرية الأغنية. حتى الطبيب المصري بدأ أخيرًا يعتاد الأداء الحركي على المسرح ويفكّ تخشبه الجسدي.

كلمات الأغنية تسخر من الإخوان وتَسلُّطهم بعد ثورة تسعى للحريات والتنمية الاقتصادية والرئيس طلع كداب النهضة كانت فكرة هباب خوِّف شعبه بالإرهاب، وتجاهلهم لمطالب الشعب عاند الشعب فنزل الشعب حلق للشعب / وكمل لعب / وساق في غباوته / ولم جماعته / ولبسنا في الشلة بتاعتهواعتصاماتهم وهروب القيادات صفوت اللي طلع فظيع عمل سكسوكة / هرب في فلوكه / كان ناقص يلبس باروكه.” كما تتكلم الأغنية من ناحية أخرى عن اللحظة الشوفينية القوميّة المضادة والإعلام ماسبش حد لو قلت رأيك تتشد تبقي إرهابي وتتمد وتبقى إخوان وعميل وجبان وكمان مسنود م الأمريكان.بهذه الإغنية التي يسرد فيها ما حدث في الفترة الماضية في مصر، يضع باسم نفسه في موقف ساخر يرفض التماهي مع أي من الطرفين.

المثال الثالث طُرح على يوتيوب في قناة هاش تي-في تحت اسم “أغنية الخيارة و دويتو نادر بين مرسي والسيسي. الأغنية محاكاة سياسية ساخرة، لكن مختلفة عن الأعمال الساخرة الأخرى التي طُرحت على يوتيوب من حيث الاهتمام بالغناء والتلحين والتوزيع. فالأغنية مؤداه بطريقة مضبوطة وبأصوات مهنيّة، وبتوزيع حرفي ينتقل بين البوب والراب والشرقي بشكل سلس وممتع.

الأغنية تستخدم بريكولاج الصورة والصوت من مخزون الفيديوهات والخطب والأفلام والبرامج والكارتونات والأغاني المصورة وأعمال ساخرة سابقة بشكل مُركّب وبارع، عن طريق التعديل الصوتي والبصري وإضافة لحن راقص مدعّم بالشتائم الصريحة وغناء ناعم للتعبير عن موقف سياسي شبيه بموقف باسم يوسف لكن أكثر راديكالية: “أنا عايز اقول للجميع لأبناء مصر الدنيا دوارة زي الخيارة / للجيش للجميع للشرطة / وفي أي وقت ممكن تلبس خيارة / أنا عايز اقول للجميع / لأبناء مصر خخخ احا احاااا.” يوجه صانع العمل رسالة لأي شخص يريد أن يستحوذ علي السلطة والقوة وحده، بأسلوب الراب: “إن كنت أخدت قلم في نفسك شفت نفسك / إوعى تفرض يابني نفسك كفي نفسك / إن كنت مرسي ولا سيسي / ممكن تاخده مصري وإندونيسيثم تقلب الموسيقى شرقيّة بنعومة: “وان كنت مش فاهم حقولك بطريقة تانية / مصر أم الدنيا / بس الدنيا فانية / وحتبقا قد الدنيا / لكن ممكن تصغر في ثانية ياااااااا سيسي.بعدها يلعب صانع الأغنية بعلاقة الصورة مع الكلام المسموع بطريقة أكثر مباشرة، فحين يقال الدين كله رفق كله فكر كله علموهي جملة قالها السيسي في إحدى خطاباته، يظهر وجدي غنيم وأيمن الظواهري المعروفين بخطاب الكراهية والعنف الذي يبثانه ويشاركان فيه، ثم يعدّل في بقيّة كلامه ليصبح اللي ميرضيش ربنا احنا حنبقا موجودين معاه بندعمه بنأيدهفي سخرية واضحة من الطرفين وما يمثلانه من تدين. أغنية الخيارة تضع مستوى جديد من الأغاني السيبريّة الساخرة بحرفيتها وإبداعها وكثافتها الدلاليّة.

المشترك بين الأمثلة الثلاثة هو الاتجاه السياسي المغاير عن السائد، الاهتمام المبدئي بالمستوى الفني، الحيوية والخفة والتشبّه بالأغاني ذات الشعبية السائدة، الإبداع في الصورة والحركة، والبذاءة وتعدي الخطوط الحمراء في المحتوى. الملاحظ في هذه الظاهرة هو أن الأغاني المعارضة أذكى كثيرًا من الأغاني الرسمية المؤيدة، وفي أحيان كثيرة أكثر فنية منها. إذا كانت الأغلبية لم تكن تعرف أو تعترف في السابق بالشيخ إمام ونجيب سرور، فالعصر الآن لم يعد يسمح بقمع الأصوات المختلفة، خصوصًا إذا كانت أكثر إمتاعًا وذكاءً.

المزيـــد علــى معـــازف