Mohamed Abdel Wahab Leila Mourad Mohamed Mounir Ali El Haggar Mohamed El Qasabgi محمد عبد الوهاب ليلى مراد محمد منير علي الحجار القصبجي الأغنية الهابطة معازف
عربي جديد

الهؤة المؤة الزلمؤة | عن الأغنية الهابطة

محمد سالم عبادة ۲۳/۰۵/۲۰۱۹

في كتابه الفنون والإنسان الذي ترجمه مصطفى حبيب إلى العربية، يقول الفيلسوف الأمريكي إروين إدمان (١٨٩٦ – ١٩٥٤): “الفنون الجميلة هروبٌ من الواقع، فهي تتيح للفنان أن يعمل بانطلاق في مادّةٍ طيّعة؛ وقد تكون المشكلات الفنية التي تعترض الشاعر أو الموسيقي صعبة لكنها قابلة للحل، وهو يجد في حلّها نوعًا خلابًا من الغبطة.” أما الفيلسوف الفرنسي برجسون فيرى الفن باعتباره عيانًا مباشرًا نقترب فيه من رؤية الأشياء بذاتها وعلى حقيقتها، بمعنى أنّنا إذ نطالع لوحة تشكيلية مثلًا تصوّر منزلًا أو كوخًا من الخارج، فإننا نتحرر حينئذٍ من انتظار ما يَعد به المنزل أو الكوخ من المأوى والدفء وربما الطعام وإشباع الغرائز الأخرى، وننظر إليه باعتباره هدفًا لتأملٍ جماليٍّ خالص، فنقترب من حقيقته.

في تقديري إنّ هاتَين المقاربتَين الموجزتَين تقدّمان لنا مدخلًا معقولًا للحكم على اصطلاح الأغنية الهابطة الذائع على ألسنة نقاد الأغنية العربية ومتلقيها على السواء. ما المقصود بالهبوط في الأغنية؟ وكيف يحدث من وجهة نظر صناع الفن؟ ولماذا تنتشر الأغاني التي يشير إليها صناع الأغنية ونقادها وقطاعٌ عريضٌ من الجمهور ذلك الانتشار الواسع؟ هل من جدوى حقيقيةٍ لإلصاق هذا الوصف ببعض الأغاني، فضلًا عن مبرّر نستطيع الاتفاق عليه لهذا الوصف؟

إضاءاتٌ من الدراما

في مسلسل رحلة السيد أبو العلا البشري (١٩٨٦)، قام علي الحجار بدور محسن، المطرب الطّموح صاحب المبدأ الذي يحاول تقديم أغنية محترمة ترقى بالذوق العام، ثم يتنازل في مرحلة معينة من مشواره ليحقق نجاحًا سريعًا، فيقدّم أغنية هابطة هي الهُؤّة المُؤّة الزَّلَمُؤّة. كتب كلمات أغاني المسلسل – وبينها هذه الأغنية – الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، ولحّنها الموسيقار عمّار الشريعي.

أما هشام نور فقدم في مسلسل تليفزيون في بيتي (١٩٩٧) دور مطرب شاب يفتتح مع إخوته محطة تليفزيونية تُبث من بيتهم، ويجد نفسه مضطرًا لتقديم أغنية هابطة لجذب الجمهور، فيقدّم “دبّور دخل لي من الشبّاك / ما فتحتش الشبّاك تاني.” كذلك اضطر محمد منير في مسلسل علي عليوة (١٩٩٢) إلى تقديم أغنية هابطة في سياق الدراما، هي نظرة واحدة من كلمات حمدي عيد وألحان حمدي رءوف.

حتى محمود فتحي الذي يجسّد شخصيته عبد الحليم حافظ في فيلم دليلة (١٩٥٦) يضطر إلى غناء أغنية غير راضٍ عنها: الحقّ عليه ويخاصمني، من كلمات حسين السيد ولحن منير مراد، ليجمع أي مبلغ من المال لإنقاذ حبيبته دليلة المريضة بالسّل، والتي تجسد شخصيتها شادية.

الفكرة المسيطرة على كاتب السيناريو في الأمثلة التي استعرضناها سريعًا هي أنَّ الأغنية الهابطة تمثّل طريقًا سريعةً مختصرةً إلى النجاح والشّهرة والمال. إذا قررنا أن نُشرّح الأغاني الهابطة النموذجية – إذا جاز التعبير – في هذه الأمثلة، فسنجدها تشترك في ملامح معينة:

أولًا (من حيث الكلمات): يحاول الشاعر الغنائي أن يتجنّب الصور الشعرية المحبوكة، ويقدم كلمات ترد على ألسنة الناس طيلة الوقت دون تكلف، فإذا قدم صورة، يتعمّد أن تكون غير مستساغة، قافزة فوق النسبة الذهبية المنطقية لبناء الصور.[Mtooltip description=” تعني هذه النسبة – بحسب الناقد العربي القديم قُدامَة بن جعفر في كتابه نقد الشعر – التوسّط في بناء الصورة الشعرية بين الخيال المستحيل الذي لا يمكن ربط أجنحته منطقيًا ببعضها البعض من جهة، والخيال الفقير الذي يكاد يقترب من الواقع لتكراره وذيوعه حتى فقد كلّ جِدّةٍ فيه من جهة أخرى.” /]

https://youtu.be/W2S1xmKv0as

هكذا يغنّي منير: “مش كل كل ولا أي أي / ساعات باسورَق من وانتَ جَيّ.” يعرف الجملة الأولى ويقولها كل مصري للتعبير عن التميز، والجملة الثانية كذلك كانت دارجة زمن إنتاج الأغنية في التعبير عن التأثّر بحضور الحبيبة. ربما يذكر من شاهد المسلسل كيف سَخِرَ منير في إحدى حلقات المسلسل من مفردة أَسُورَق – أي أكاد أفقد الوعي – باعتبارها شديدة الابتذال. هكذا أيضًا غنّى هشام نور للدبُّور الذي حرمه من فتح الشبّاك. هي مجرَّد واقعة تافهة تحدث لآلاف الناس كل يوم دون أن تثير فيهم الرغبة في الغناء. كذلك أيضًا ترك الأبنودي مَعِينَ خياله الذي لم يكن ينضب، والذي أنتج أغنية مثل مبسوطين في نفس المسلسل يقول فيها: “ياللي سريرك من فضة / النُّور في كفّك يتوضّا / كل الليالي حتتقضّى وترجع على دارك”. صور منسوجة بحساسية مفرطة وممسكة بقافيتها الرقراقة في أستاذية، وجنح إلى مذهب من كلماتٍ لا معنى لها “الهُؤّة المؤة الزلمؤة” وصور إمّا شديدة الشيوع إلى درجة الكليشيه “ياللي غرامك دوِّبنا / ما ترِقّ امّال حَبّة يا سيدنا”، أو جديدة تمامًا لكنّها قافزة فوق النسبة الذهبية للصور الشعرية “دا انتا قلبك سكّينة حامية / وقلوبنا أطرى من الجبنة”. تشبيه قلب المحبوبة بالسكّينة وقلوب عشاقها بالجبنة يصعب أن تستسيغه الذائقة الفنية المدرّبة، وهو مع ذلك مبنيٌّ على ألفاظ سهلة المأخذ تنتمي إلى قاموس الحياة اليومية. لا نبالغ إذا قلنا إنه تشبيه أقرب إلى القبح، مثله في ذلك مثل جملة “اعتبره قلب وراح / اعتبره قَصر جِراح / واتهَدّ ع اللي بانيه” في أغنية قلب وراح للمطربة الشعبية المصرية سميّة درويش، فرغم سهولة مأخذ “اعتبره قلب وراح” التي تضع مفردة قلب مكان كلب الشائعة في التعبير المصري: كلب وراح، إلاّ أنَّ قصر جراح تعبيرٌ ينتمي إلى ذلك النوع المستحيل تصوّره من الخيال الشّعري.

ثانيًا، من حيث اللحن، واكبَ الملحّن سهولة مأخذ الكلمات بلحنٍ سهلٍ بقدر الإمكان، فهبط الشريعي في الزلمؤة ومنير مراد في الحق عليه ويخاصمني وملحّن دبور دخل لي – الذي لا أعرف اسمه – بالتنويعات اللحنية إلى أدنى درجة سمحت بها قرائحهم. ربما ليس محض مصادفة أن تأتي هذه الأغاني الثلاثة من أصل أربعة أمثلة في مقام الراست، المقام الأساسي في الموسيقى العربية، المرتبط في اللاوعي الجمعي للمصريين بالتطريب والسلطنة، بينما كانت نظرة واحدة استثناءً واضحًا، فجاءت في النهاوند الكردي مع تعريجات على مقام الكُرد واستطرادات في المصاحبة الآلية في خلفية غناء منير على النهاوند الحجازي. يبدو أن الملحّن حمدي رءوف قد ترك عبء “الهبوط” بالأغنية للشاعر حمدي عيد، أو ربما هو توزيع أشرف محروس للأغنية في ألبوم ممكن هو ما صنع هذا الفارق وخلقها خلقًا آخر.

لكن يبدو أنَّ محاولة ملحّنٍ كبير الإفلات من إغراء التجريب والتنويع محاولةٌ لا يكتب لها النجاح التام، ففي الحق عليه ويخاصمني، بدأ منير مراد اللحن بمازورتين يعزفهما العود في مقام سوزناك – وهو مقام فرعي من الراست، جنس الأصل راست على درجة دو وجنس الفرع حجاز على درجة صول – ثم تتسلم الوتريات اللحن في الراست الصريح، ويظل اللحن يراوح بين السوزناك والراست الصريح، على إيقاع المصمودي الكبير الراقص طيلة الأغنية. كذلك لم يدّخر الشريعي في الزلمؤة جهدًا في زخرفة اللحن أُحاديّ المقام بأنواع الرقص صعودًا وهبوطًا على سلّم الراست في إيقاع المقسوم، ولم يبخل علينا باستثمار حنجرة علي الحجّار المتّزنة في الجوابات العالية، فكان الأثر المتولد عن الأغنية هو السلطنة بالتأكيد.

مع الشاعر الكبير أيضًا، يبدو أنَّ القصد إلى الإسفاف محكومٌ عليه بمحدودية النجاح. فنجد الأبنودي قد كتب سطرين في غاية الغرابة بالنسبة لأغنية هابطة: “الهؤة دي ليه والمؤة دي ليه؟ رايحين على فين وبيحصل إيه؟” كأننا إزاء شاعر يعبّر عن همومه المعرفية بينما يحاول أن يقنعنا بأننا أمام أغنية هابطة.

من نافلة القول أنّ أغنيتين من هذه الأربعة (الزلمؤة – نظرة واحدة) دخلتا ريپرتوار من غنّياهما، فقد أدرج منير نظرة واحدة في ألبومه ممكن، وكذلك فعل الحجّار بالزلمؤة، وكثيرًا ما تُطلب منه في حفلاته ومقابلاته التليفزيونية وغيرها.

ماذا يعني الهبوط

بالنسبة لتاريخ علي الحجّار الغنائي، فإنّ الزلمؤة بسطحية كلماتها وافتقارها أحيانًا إلى المعنى، وتأرجح صورها بين الكليشيه والإغراب المقصود غير المستساغ، فضلًا عن سهولة مأخذ لحنها الذي نفتقد فيه نقلات الشريعي المقاميّة المبهرة وجُمله التي تخلق الشّعر خلقًا آخر، تبدو شبه معدومة القيمة الفنية إذا قورنت مثلًا بأغنيته أنا كنت عيدك، التي واكب لحنها المنتقل في تعبيريّة أخاذة بين النهاوند والبياتي صورَها الشعرية المحبوكة، ربما النخبوية حتى: “تنقص نجوم السما أزيدك / الفجر يغرق آخد بإيدك / واجمع سواد الألَم في عيني / واصُبّ نبض الهوى فْ وَريدِك.”

إذن فالهبوط بالذوق العام يُقصد به أن يقدّم صانعو الأغنية للجمهور عملًا فنيًا لم يبذلوا كثير جهد في إنجازه. على الأقل، تبدو هذه – من استقراء الأمثلة السابقة – وجهة نظر عدد من صنّاع الأغنية الذين لم نعتد أن نصنّف منتجهم باعتباره أغنية هابطة.

فإذا تذكّرنا مقاربتَي إدمان وبرجسون في بداية المقال، وربطنا فحواهما بأغنية الزلمؤّة مثلًا، فإنّنا نلاحظ أنّ كلمات الأبنودي بدت كأنها أول ما جاء على خاطره. لم يقلِّب القالَب الذي يعمل فيه – وهو قصيدة عمودية متنوعة القوافي في بحر الخَبَب – على وجوهه لينحت فيه صورة يقف عندها المتلقي المتمرّس على تذوّق الشّعر، فتنتزع منه صيحة استحسان. كذلك الشريعي، يبدو لحنه أول ما ورد على خاطره وهو محتضنٌ عوده أو جالس إلى الأورج بعد استماعه إلى كلمات الأبنودي. هذا عن الهبوط من جهة المبدع. أما من جهة المتلقي، فإنّ الصّور الركيكة والكلمات المأخوذة من القاموس اليومي دون أن تخضع لإزميل الفنّان المرهف، مثل هذه الكلمات واللحن هي أبعد ما تكون عن أن تهرب بالمستمع من الواقع، بل هي بالعكس ربما تقذف به بين أشيائه اليومية المعتادة، فيجد نفسه على رخامة المطبخ بين السّكينة وقالب الجبنة، بدلًا من أن يغيب عن هذه المفردات في تأمّلٍ جماليٍّ خالص كالذي تحدث عنه برجسون.

إذًَا، لماذا تنتشر مثل تلك الأغاني؟ إذا مضينا مع الزَّلَمُؤة نموذجًا، لماذا حققت نجاحًا لم يَخبُ عبر ما يربو على ثلاثين عامًا منذ تقديمها في المسلسل؟ الأغنية “الهابطة” هي هروبٌ سريع جدًا من الواقع، لا يحاول أن يحلّق عاليًا أو أن يبتعد كثيرًا عن أشيائنا اليومية. ربّما يَحسن بنا أن نسمّيها تحليقًا منخفضًا فوق الواقع. لهذا فهي لا تحتاج إلى كثير جهد في تأمّلها وتذوّقها، وتقصد إلى متعة سريعة يستشعرها المستمع ليعود بعدها إلى واقعه. يُمثّل ذلك الجهد الكثير الذي يستطيعه صاحب الذائقة المُدرّبة، ولا يصبر عليه غيره، عبئًا بالتأكيد حتى على من يستطيعونه، لذلك يعافه الجميع في لحظةٍ ما، ويعمدون إلى أغنية التحليق المنخفض كهروبٍ مؤقَّت من الواقع لا يكلّفهم المشقّةَ التي يعرفونها. يصطدم بذلك الجهد الكثير المتأمّل لأغنية مثل أنا كنت عيدك قبل أن يرى في النهاية – خلال العيان المباشر الذي حدّثنا عنه برجسون – أفعال المُحِبّ تجاه حبيبته على حقيقتها، مجرّدةً من ظروف الحياة اليومية التي تشوّش رؤيتنا.

متعة الهبوط

في عالم الموسيقى الكلاسيكية لدينا قالبٌ يسمّى ديفرتيمنتو[Mtooltip description=” Divertimento” /]، ربما تكون الترجمة الأقرب له هي التسلية. ظهر القالب بكثرة في مؤلّفات القرن التاسع عشر، وأهمّ ما يميزه طبيعته المرحة وإيقاعه الأقرب للسرعة. أشهر من كتب الديفرتيمنتو هو موتسارت بالتأكيد، وحين نستمع إلى ديفرتيمنتو في سلّم ري الكبير[Mtooltip description=” Divertimento in D Major K-136″ /] نجده أبسط بالتأكيد من قدّاسه الجنائزي الأشهَر في سلّم ري الصغير.

كذلك لدينا نوع من المؤلّفات القصيرة في الموسيقى الكلاسيكية يُسمَّى اسكرتسو[Mtooltip description=” Scherzo” /] أي المزحة، وهو لحنٌ لعوب يجنح إلى السرعة هو الآخر، ويأتي غالبًا كحركة ضمن عمل أكبر كسيمفونية أو سوناتا، كما في الحركة الثالثة من كونشرتو الپيانو الثاني لرخمانينوف.

ألا يمكننا اعتبار الزلمؤة بمثابة ديفرتيمنتو بين أعمال الشريعي وأغاني علي الحجار؟ الهُوّة كبيرة بالطبع بين البساطتين أو المزحتَين المصرية والأوربية، لكنّها مجرد انعكاس للفرق بين طابع الموسيقى المصرية الذي تغلب عليه البساطة الميلودية، وطابَع الموسيقى الأوربية الكلاسيكية المُغرِق في تعقيده الهارموني والكنترابنطي.

ما أعنيه بالضبط، هو أنه ليس هناك مانع منطقيّ من أن يغنّي الإنسان لموقفٍ شديد التفاهة مرَّ به، كدخول الدبور من شباكه. الواقعُ أنَّ الإنسان الذي لا يحترف الفنّ ربما غنى لمثل هذا الموقف بشكلٍ عابرٍ بالفعل، فماذا لو سُكِبَ الموقف ببساطته هذه في قالب شعري آزرته موسيقى بسيطة كما في أغنية هشام نور؟ في تصوُّري إنّ طبيعة الحياة تفرض أن يكون هناك دائمًا تأرجُحٌ بين البساطة والتعقيد، والسطحية والعُمق.

الجدوى الوحيدة الباقية لوصف الهابطة، إذا نحن أصرَرنا على إلصاقه بالأغاني شديدة البساطة، هي سهولة المصطلح واعتيادنا عليه. لكنّ المُفردةَ ذاتها محايدة، قد نُحمّلها حُكمًا بالقيمة، فيكون معنى الأغنية الهابطة هو السيّئة التي لا يجب أن نستمع إليها، وربما يتعين علينا أن نُجرّمها، وقد نجرّدها من ذلك الحكم فيكون المعنى ببساطة هو أغنية التحليق المنخفض التي لا تطمح إلى أكثر من متعة سريعة يشارك المتلقي فيها صنّاعَ الأغنية. الواقع أننا إذا فضَّلنا تجريد المصطلح من حُكم القيمة، سنجد أنفسنا نَبسط الوصف ليشمل أغاني قديمة دأبنا على تصنيفها ضمن متن الأغنية المصرية المحترمة، رغم أنه ينطبق على كلماتها وصف الهابطة بحسب معاييره المتداولة، مثل اضحك كركر لليلى مراد من كلمات أبو السعود الإبياري ولحن محمد القصبجي، وخَيّ خَيّ من كلمات حسين السيد ولحن وغناء محمد عبد الوهاب.  

يبدو أنَّ طبيعة الأمور تفرض أن تظلَّ أغنية التحليق المنخفض موجودةً تراوح مكانها بين تفاصيلِ الواقع، ولا سبيل إلى اقتلاعها من أفق التجربة الفنية. هذا فضلًا عن نسبيّة الحُكم من الأساس، فما قد يبدو هابطًا لأحدنا لا يبدو كذلك لآخر بالضرورة. صحيحٌ أنَّ التصنيف ضرورِيّ ومنتجٌ للمعرفة في آن، لكن يجب ألّا ننسى أن الاختزال المخلّ[Mtooltip description=” أي اختزال الفروقات والتقاطعات بين صنفٍ وآخر بمجرّد خطٍّ فاصل بينهما” /] هو مَطِيَّة التصنيف دائمًا وأبدًا، فيكفي أن نرى دَبُّور دخل لي من وجهة نظر لا تسمح إلّا بأن نرى تفاهة الموقف الذي تعرضه لكي ننفي عنها صفة الفنّيّة، متجاهلين ما يتحقق فيها من الإيقاع الراقص مؤازرًا النغم وصوت هشام نور الذي يدفعنا لنسيان همومنا ولو آنيًا والانخراط في الرقص.


هذا المقال مَدين جزئيًّا لمنشور بعنوان: أنا عايز كلمات .. كلمات تافهة، من مدوّنة فُرجة.

المزيـــد علــى معـــازف