البريتبوب بريتبوب معازف بلور أوايسز
أجنبي قديم

دُنت لُك باك إن آنجر | عن البريتبوب ومجده العابر

رامي أبادير ۱۵/۰۸/۲۰۱۸

بدأ البريتبوب كرد فعل عنيف ضد الغرانج والثقافة الأمريكية. تميز بالتركيز على مواضيع بريطانية محلية تخص الشباب والمخدرات وصراع الطبقات، بالإضافة إلى السخرية من كل ما هو أمريكي. سجّل الألبوم الأول لفريق سويد نجاحًا جماهيريًا بمواضيعه عن المخدرات والجنس، وتحمس فريق بلور وأصدر ألبومًا بعنوان مودرن لايف إز رَبش ينتقد فيه الثقافة الأمريكية، حتى أن دايمُن ألبَرن قال في إحدى المقابلات مع مجلة إن إم إي “إذا كان البنك قد ظهر للتخلص من الهيبيز، فأنا جئت لأتخلص من الغرانج.” في ١٩٩٤، أصدر سويد ألبوم دوج مان ستار ذو الطابع البريطاني القوطي، وجاء ألبوم مانيك ستريت بريتشرز ذَ هولي بايبل كهجوم على الرأسمالية وسياسات أمريكا، في حين تميز ألبوم بلور الثالث بارك-لايف بطابع بريطاني ساخر، وكانت مواضيع ألبوم ديفينتلي مايبي لأوايسز في متناول الشباب وثقافتهم. تعد هذه الألبومات من علامات بداية البريتبوب، نجحت باحتلال قوائم المبيعات إلى جانب فرق أخرى، ما أدى إلى انتعاش صناعة الموسيقى وفتح الكثير من شركات الإنتاج أبوابها للفرق الناشئة، ليتصدر البريتبوب المجال الموسيقي ويصبح ثقافة جماهيرية، رغم أن المواضيع الذي تطرق لها، كالصراع الطبقي والتمرد والقضايا الاجتماعية المحلية، هي من المقومات النمطية للثقافات الفرعية والمضادة.

جذور البريتبوب وأهم عناصره

لا يمكن القول إن صوت البريتبوب كان جديدًا أو فريدًا من نوعه. رغم كونه جذابًا ومسليًا وسهلاً على الأذن، إلا أنه استمد صوته وجمالياته من مشاهد وفنانين سابقين أكثر تطلبًا. فعلاوة على تأثير فرق ذَ سمثز وذَ كيور وذَ إل إيز، وموسيقى المادشسر وخاصةً فريق ستون روزس، يمكن ملاحظة تأثير الجلام روك والبنك ومعالم البوست بنك، بالإضافة إلى أصوات العصر الذهبي البريطاني للروك من فترة الستينيات والسبعينيات، مثل البيتلز ورولينج ستونز ودايفد بووي وتي ركس وسمول فايسز وسلايد وذ كينكس. نلاحظ أوجه التشابه بين هؤلاء والبريتبوب في الصوت العام وشكل الفريق ودور الفرونتمان الذي عادةً ما يكون المغني بشخصية تستقطب الأضواء، وهي السمة التي غابت لفترة طويلة في مشهد الشوجايز وأحيانًا البوست بنك. هنا يتضح أهمية عنصر البوب في تلك الموجة، والحاجة إلى إحياء معالم عصر قد مضى وترك فراغًا في فترة الثمانينيات.

فيديو مجمع للبي بي سي ولندن تونايت يوضح التنافس بين الفريقين _ملاحظة: الفيديو حٌذف من يوتيوب بعد نشر المقال.

بالرغم من حصر العديد من الفرق تحت صنف واحد، إلا الفروقات قد وجدت بينهم، فيمكن تمييز صوت أوايسز عن بلور وعن سويد مثلًا، لكن بشكل عام توجد بعض العناصر المشتركة بين العديد من الفرق من حيث بناء الأغاني المتشابه، وأسلوب الإنتاج الذي يظهر في الدرامز المضغوطة وطريقة تسجيل الجيتارات التي اعتمدت على وضع الجيتار الهوائي في الخلفية والجيتارات الكهربائية في الصدارة بعد تسجيلها أكثر من مرة (أوفردابينج) بمؤثر الديستورشن، بالإضافة إلى البايس الذي لا يحتل جزءًا كبيرًا من المِكس، والإيقاع المستقر ٤/٤.

مجد البريتبوب

وصل مشهد البريتبوب قمة مجده في عامي ٩٥-٩٦ مع صدور ألبومات لبلور وأوايسز وبالب وسوبرغراس وسويد، كما ظهرت فرق جديدة شديدة التأثر بأوايسز مثل أوشن كَلَر سين وكاست وذَ بو رادليز، وفرق أخرى مثل إلَستيكا وسليبر وكولا شايكر وسبايس وريف ومانسن، وذَ سيهورسز الفريق الذي أسسه جون سكواير بعد انشقاق ستون روزس. تحمست أيضًا بعض الفرق من خارج المشهد وغيرت صوتها لتكون أكثر ملائمة لجمهور البريتبوب، مثل فريق ذ فيرف في ألبوم إي نورذرن سول، والألبوم الثاني لراديوهد ذ بندز، وفريق لَش في ألبومه لاف لايف. كانت هناك أيضًا محاولة لحصر كل ما هو روك تحت إطار البريتبوب، فعلى سبيل المثال تم إضافة فريق مثل بلاسيبو من قبل المجلات إلى نفس المشهد، فلم يعد هناك مفر من هذه الموجة.

في أغسطس ٩٥ قررت بلور إصدار أغنية كانتري هاوس بنفس الأسبوع الذي أصدرت فيه أوايسز رول وذ إت، ليشتعل سباق الأغاني والتنافس بين الفريقين. بعيدًا عن جاذبية الأغنيتين وقوة الألبومين القادمين منهما (ذَ جريت اِسكايب وواتس ذَ ستوري مورنينج جلوري)، فقد انتهز الإعلام تلك الفرصة ليعلن عن مرحلة هامة من مشهد البريتبوب: الحصول على لقب ملك البريتبوب، وهي المنافسة التي لقبتها مجلة إن إم إي بالبطولة البريطانية للوزن الثقيل، وكأن أغنية واحدة في سباق الأغاني هى من ستحدد من الأفضل. حاول الإعلام بذلك استدعاء التنافس الذي دار في الستينيات في سباق الأغاني بين البيتلز ورولينج ستونز كاشفًا عن اصراره لاستحضار الماضي.

أضاف الإعلام الحماس المفتعل وروج للصراع على المركز الأول على أن هناك فريق يمثل الشمال، وهو أوايزس، وآخر يمثل الجنوب، وهو بلور. بينما قررت بعض الصحف أن السباق له دلالة طبقية، فـ أوايسز يمثل الطبقة العاملة وبلور يمثل الطبقة المتوسطة.

 بدى الأمر عبثيًا، واعترض عليه العديد من فناني البريتبوب في ما بعد. حلت رول وِذ إت في المرتبة الثانية على قوائم المبيعات، وخسرت أوايسز اللقب لكنها كسبت الجمهور. ألبومها الذي تبع، واتس ذَ ستوري مورنينج جلوري، حقق مبيعات ضخمة وبات علامة للفريق، ثم أعقبه الفريق بحفلتين في مهرجان نبوورث حضرهما ٢٥٠ ألف مشاهد.

لأن الموجة بدت جماهيرية شبابية ووطنية، قرر توني بلير أن يستغلها في حملة حزبه الانتخابية، كرسالة حول حسه الوطني وتواصله مع الشباب والطبقة العاملة وانتهاء عهد الحزب المحافظ. روج لنفسه بأنه يلعب الجيتار، وصرح بأنه من أشد المعجبين بالمشهد، وبالفعل استطاع احتواء جزء من المشهد أثناء حملته. كانت ضربة بلير عندما قام نويل جلاجر من أوايسز بإهدائه إحدى الجوائز التي فاز بها فريقه في البريتيتش آووردز، ثم ظهر جلاجر عام ٩٧ برفقة زوجته وآلان ماجي (صاحب الشركة المنتجة لأوايسز) في احتفالية أقامها بلير عند تنصيبه رئيسًا للحكومة. بالمقابل، أخذ البعض موقفًا متوجسًا من دعوة بلير لهم، مثل جارفس كوكر من بالب ودايمُن ألبارن من بلور ولويز ونر من سليبر.

نهاية الموجة

مع بداية عام ٩٧ وتشبع المشهد بالفرق، بدى أن هناك تغير في توجهات فرق البريتبوب ومحاولة للخروج من قالبه. فعلى سبيل المثال، كان ألبوم بلور الذي حمل اسم الفريق محاولةً لشق طريق جديد أكثر خصوصية، ومقاطعة للبريتبوب من حيث مواضيع الأغاني والصوت العام، باستثناء سونج تو التي كانت بمثابة النبض الأخير للمشهد. ينطبق نفس الأمر على ألبوم ذ فرف، آربن همنز، الذي تميز بطابع غامض وشخصي على عكس أغاني البريتبوب المباشرة. أما ألبوم سوبر فيوري أنيمالز رادييتر فقد طغى عليه السايكادليك، وانصرف بالبناء والصوت التقليدي. توّج اصدار راديوهد أوكيه كومبيوتر كل هذه المحاولات، وكشف أن هناك ما هو أبعد من البريتبوب، وأنه توجد إمكانية لتقديم موسيقى أعمق وأكثر تجريبية، الأمر الذي انطبق على ألبوم فريق سبيريتشوالايزد ليديز آند جنتلمان وي آر فلوتينج سبيس. أثبت تجاوب الجمهور مع هذه الأعمال أنه غير محصور في قالب واحد، ومتعطش لموسيقى جديدة.

كان الإصدار المفصلي للموجة هو بي هير ناو لأوايسز. فحينما كان المشهد يترنح، بات الكثيرون في حالة ترقب لرد فعل الفرقة. وبالرغم من المبيعات القوية في أول أسبوع من إصداره، وتحقيق أغانيه للمراكز الأولى في سباق الأغاني، جاء الألبوم مخيبًا للآمال، ولم يلق قبول النقاد والكثير من جمهور الفريق بسبب أغانيه الطويلة وإنتاجه الموسيقي المبالغ فيه ومحاولة محاكاة البيتلز. كان هذا الألبوم بمثابة نهاية للمشهد، وتأكدت نهاية المرحلة عند إصدار بالب لألبوم ذس إز هاردكور الذي يوضح ابتعاد بالب بشكل واعي عن البريتبوب.

من ناحية أخرى زادت الخلافات بين أعضاء الفرق على اتجاهات الموسيقى وأدت إلى انشقاقها، أفلست بعض شركات الإنتاج، وظهرت فرق جديدة في الفترة ما بين ٩٨ و٩٩ مثل ترافيس وكولدبلاي وإلبو ودوفس وموجواي وجوميز، معلنةَ عن مرحلة جديدة أطلق عليها البعض ما-بعد-البريتبوب، لينتهي المشهد مثله مثل الجرانج الذي حاول القضاء عليه. وإن كان هناك قليل من التأثير للبريتبوب على بعض فرق ما بعد البريتبوب، فقد جاءت موجة إحياء البوست بنك لتعلن عن بداية جديدة للروك بمطلع الألفية، أفرزت فرقًا مثل ذ ستروكس وذ هايفز ووايت سترايبس وذ ليبارتينز وذ فاينز وآركتك مانكيز.

وثائقي قصير من البي بي سي يوضح علاقة توني بلير بالبريتبوب

لم ينته ميراث فرق البريتبوب هنا، حيث أخذت موسيقاهم أشكالًا أخرى، وتفكك ما تبقى من الفرق ثم رجعت على فترات متقطعة، ويذكر منها سويد وبلور وفريق نويل جالاجر هاى فلاينج بيردز الذي أسسه عام ٢٠١٠. لم تلق موسيقاهم حماسًا هذه المرة. بالمقابل، لم يتوقف فريق مانيك ستريت بريتشرز بعد ما يقارب الثلاثين عامًا منذ بدايته، وعاد هذا العام بألبومه رزستنس إز فيوتل بنفس صوته التسعيناتي بحثًا عن معادلة ناجحة، والتي نجحت بالفعل وجعلته في صدارة سباق الألبومات البريطاني بعد غياب دام عشرين عامًا.

ظهرت موجة البريتبوب وانتهت سريعًا. يتعامل الكثيرون معها الآن بخفة، وينتقد فنانونها تلك التسمية والقالب الذي حصرهم، لديهم شعور بالنقمة تجاه الحماس الزائد والحس الوطني الذي صاحب الموجة. قد أكون منحازًا بعض الشيء لأنني نشأت على هذه الموسيقى في فترة مراهقتي، ومازلت أرى أنها جذابة ومسلية وحماسية، لكن أتفهم بشكل موضوعي رفض الوقوع في نوستالجيا تلك الفترة. كما أتفهم أن الموجة لم تكن بالعمق الكافي (وليس من المطلوب منها ذلك) الذي قد يتيح لها الإستمرارية. من ناحية أخرى، أرفض الحس والشحن الوطني واستغلال الموجة من قبل الإعلام، الأمر الذي قد عجل من نهايتها. لكن بصرف النظر عن مميزات ومساوئ الموجة وحبنا أو رفضنا لها، فأرى أنه على المستوى الجماهيري، لم تأت موجة على مدار ٢٥ عامًا في بريطانيا بنفس القدر من التماسك والغزارة بالإنتاج والقبول الجماهيري الذين أتى بهم البريتبوب.

المزيـــد علــى معـــازف