.
في العام الماضي أصدرت البيت العشوائي ألبومها الأول يا عليم، لتصبح فرقة الروك العربية الجديدة المفضلة لدينا ذلك العام. كشف الألبوم المكون من خمس أغانٍ ومقطوعتين عن صوت خام مميز، ومهارات تأليفية ظهرت خصوصاً في الغناء عربي سلس وتعامل ذكي مع الإيقاع من حيث التلاعب بسرعته وحدته كأداة لبناء الأغنية بدلاً من استخدام بنى تقليدية، مما منح الأغاني صوتاً أكثر ارتجاليةً أبرز العنصر الصوفي تسمي الفرقة موسيقاها بالروك الصوفي بذكاء.
اليوم تصدر الفرقة أغنيتان تتجاوزان الكثير من مشاكل يا عليم، خصوصاً من حيث جودة الإنتاج والكثافة العمودية للصوت. تظهر الفرقة أيضاً مزيداً من الجرأة في استخدام الجيتار الكهربائي بجموح وانطلاق أكبر دون التخوف من أن يطغى ذلك على العنصر الشرقي، مع الحفاظ على الاعتماد المثمر على الطبول الشرقية التي تلعب دوراً محورياً في صوت الفرقة.
التفوق في الإنتاج والمزج في هذه الأغنية منح الفرقة حريات كبيرة استغلتها بطريقة ممتازة، ففي البداية لا يظهر القسم الإيقاعي مستقراً، إذ أن الطبقة الإيقاعية الرئيسية التي يشغلها العزف اليدوي على الطبول الشرقية لا يلزم نفسه إلا نادراً بأسطر مكررة، لينطلق بمعظم الأغنية شاغلاً طبقة صوتية لا بأس بها ومؤدياً عزفاً منوعاً ومتبدلاً باستمرار يمتاز بالسرعة والقدرة على الإطراب، بينما تتراجع الطبقة الإيقاعية الثانوية التي يشغلها البايس للخلف لتساهم بالنسيج الصوتي إلى جانب الإيقاع، أما الجيتارين الرئيسيين فيحرمان أنفسهما من أي مقاطع عزف لحني منفرد لصالح التبديل بين أسطر مكررة مختلفة، تجاور غناء قيس أو تشغل غيابه.
جاء المزج ليحافظ على الحجم الصوتي للأغنية ثابتاً خلال معظم الدقائق الأربعة عدا عن المقدمة والقفلة القصيرتين، موزعاً الصوت بشكل رئيسي بين الطبول وغناء قيس وأحد الجيتارين على التبادل، ليخلق نسيجاً صوتياً متماسكاً وثابتاً تتحرك الأغنية داخله بسلاسة، ويمنح قيس راحة أكبر عند الغناء ضمن هذا النسيج بدلاً من الغناء فوقه. كل ذلك انتهى بأغنية سهلة التدفق تستفيد من إيقاعها السريع وأصواتها المتبدلة لخلق تجربة استماع ممتعة تماماً.
من حيث بنية الأغنية تشبه الباز الأشهب أغنية يا عليم من ألبوم الفرقة الأول، حيث يؤدي الطمع الموسيقي الجيد لخلق بنية تجمع بين إيجابيات الأغاني وإيجابيات المقطوعات الآلاتية الخالية من الغناء لخلق تجربة مرضية على الصعيدين، ذلك عبر تسجيل مقطوعة آلاتية يقاطعها بشكل مرحب به مقطعات غنائيان متماثلان لحنياً، دون الاضطرار للدخول في تعقيدات المقاطع واللوازم. كذلك تختلف الباز الأشهب عن نصف الطريق بكون قسمها الإيقاعي المكون من البايس والطبل وأحد الجيتارين الكهربائيين أكثر استقراراً، بينما يظهر القسم اللحني الرئيسي متمثلاً بالجيتار الآخر وغناء قيس فوق نظيره الإيقاعي، في توكيد لتجربة أغنية / مقطوعة.
بالمجمل تتركنا الأغنيتان في حالة تشوق لما سيأتي بعدهن. تطور الفرقة يجري نحو أكثر من اتجاه صحيح، يتجاوز المشاكل التي تعثر عليها الألبوم الأول، ويعد بألبوم مقبل يصقل هوية الفرقة الموسيقية الممتازة ويستحق أياً كانت المدة التي سننتظرها.