أجنبي قديم

الثورة التي قضت على البيتلز

رامي أبادير ۱۰/۰۹/۲۰۱۳

يرى البعض أن البيتلز فريق روك آند رول عادي، يقوم بعزف ألحان سهلة وراقصة، ويرون احتفاء المعجبين بهم تضخيمًا ومبالغة. يتناول هذا المقال باختصار جوانب غير معروفة لفريق البيتلز وأعمالهم التجريبيّة والتقدميّة، وعلى نحو خاص عملهم الأخير. بالإضافة إلى ريادتهم لعصرهم، ولعصور تلتهم، وتأثيرهم في شتّى أنواع الموسيقى.

بدءًا من عام ١٩٦٥، ومع صدور أسطوانة Rubber Soul، شهدت موسيقى فريق البيتلز تغيّرًا جذريًا في الذوق والاتّجاه، إذ انتقلت وتطوّرت من الموسيقى السهلة الخفيفة المبنيّة على قواعد الروك آند رول، والكلمات التي تدور مواضيعها عن السّعادة والحب، إلى موسيقى أكثر عمقًا من حيث الألحان والجمل الموسيقيّة والكلمات ومواضيع الأغاني. استمرّت هذه الفترة لمدة أربع سنوات إلى أن تفرّقوا (أعلن بول ماكارتني نهاية الفريق رسميًا عام ١٩٧٠) نظرًا للخلافات التي نشبت بينهم حول مشاكل ماديّة وإداريّة، واختلاف الأذواق، وصعوبة التعاون بينهم وصراعهم على إسهامهم في تأليف الأغاني. كما ساعد ظهور يوكو أونو (زوجة جون لينون) على تفكيك الفريق أثناء مرحلة تسجيل أسطوانة Abbey Road عام ١٩٦٩.

https://youtu.be/Te5KoX3hQz4

نموذج من موسيقى البيتلز الخفيفة

تعرّف جورج هاريسون في هذه الفترة على رافي شانكر، الموسيقي الهندي وعازف آلة السيتار الذي أثّر في موسيقاهم وموسيقى غيرهم. يظهر تأثير شانكر الواضح في أغانٍ مثل Within you without you, Tomorrow Never Knows, Love you too. كما قابل أعضاء الفريق ماهيش مهاريشي المعلّم الهندي السنسكريتي الذي علّمهم التأمّل التجاوزي (Transcendental Meditation). بجانب ما سبق، كانت تجاربهم مع المخدّرات، واهتمام جون لينون بفنانين طليعيين[Mtooltip description=” avant-garde” /]، وعلاقته بيوكو أونو، من العوامل التي ساعدت على تحوّل ونضج وعمق البيتلز وإبداعهم، وتمهيدهم لأنواع موسيقية أخرى مثل السايكادليك-روك والبروجرِسيف-روك، والتجريب الموسيقي.

لمراقبة هذا التغيّر في المواضيع والألحان، نلاحظ استعانة الفريق بآلات جديدة لم يستخدموها من قبل في حقبتهم الأولى، والتي اكتفوا فيها بآلات الجيتار والبايس والدرامز والبيانو. أمّا في حقبتهم الثانية، فتظهر آلة السيتار والميلوترون والهاموند أورجن وآلات النفخ والتشيلو والكمان والسنثيسايزر الظاهر في أسطوانة Abbey Road. كما استخدموا أساليب جديدة في التسجيل والتجريب، مثل تشغيل بكرات الأشرطة بالعكس، ممّا ينتج عنه تأثير صوتي معكوس، واستخدام المؤثّرات القياسيّة[Mtooltip description=” Analogue Effects” /] على الجيتارات مثل الـ fuzz, overdrive, chorus, rotary ensemble، والتجريب بالبكرات (مطّ، ضغط، تقطيع، تسريع أو تبطيء، تفتيح أو تغميق الصوت، تكرار جزء منه، وغيرها من المؤثّرات)، وذلك على نهج فناني الموسيقى الملموسة (Concrete Music) والتي تعد حجر الأساس لنشوء الموسيقى الإلكترونيّة، في فترة الأربعينيّات والخمسينيّات من القرن الماضي، مثل: إدجار فاريز، وكارل هاينز ستوكهاوزن، وبيير شيفر، وبيير هنري، وحليم الضبع). ذلك بالإضافة إلى الاستعانة بعيّنات صوتيّة[Mtooltip description=” Sampling” /] وتوظيفها في التسجيل ودمجها مع الموسيقى. كل ذلك في ظل الإمكانيّات المحدودة للتسجيل المتوفرة في الستينيّات.

Revolution 9 هو عمل تجريبي من أصوات ملصقة (Sound Collage) متأثّر بأعمال ستوكهاوزن وفاريز، ساهمت فيه يوكو أونو. يصف جون لينون الأغنية بأنّها: “رؤيتي الخاصة للثورة عن طريق الأصوات.” جاءت الأغنية ضمن أسطوانة The White Album الذي أُنتج عام ١٩٦٨. كان يُعد تسجيل وإنتاج هذه المقطوعة والأعمال المشابهة وقتها أمرًا صعبًا، نظرًا للإمكانيّات المحدودة، وصعوبة التحرير الصوتي (Sound Editing) على شرائط البكرات، والتعامل مع الأجهزة القياسيّة ومحدوديّة المسجّلات في وقتها التي كانت تتيح تسجيل أربعة مقاطع فقط كحد أقصى.

بعد ستين عام من ظهور الموسيقى الواقعيّة، أصبح بالإمكان، وبدون امتلاك خلفيّة موسيقيّة أو تقنية، الجلوس على السرير وتسجيل مقطوعة مطابقة لـ Revolution 9 وأعمال ستوكهاوزن، وذلك عن طريق برنامج رقمي على الكمبيوتر المحمول يملك عدد لا نهائي من المقاطع المتاحة للتسجيل ويتميز بسهولة التحرير الصوتي، لكن سيظل فارق الجودة والأصالة واضحًا.

آلة الميلوترون واضحة في بداية الأغنية وخلالها، كما تظهر آلات النفخ والسيتار والتشيلو والكمان وتشغيل بكرات الشرائط بالعكس

قام الفريق، على مدار الحقبة الثانية، بإنتاج سبعة أسطوانات، لكنهم بدءًا من منتصف عام ١٩٦٦ توقّفوا عن أداء العروض الحيّة. ويعدّ عرض السطح (Apple records: headquarters rooftop)، العرض الأول لهم بعد مضي عامين و نصف عام على توقفهم عن العروض، وقد كان العرض الأخير للفريق.

اجتمع الأعضاء الأربعة في الاستوديو لآخر مرة في صيف ١٩٦٩، وذلك قبل أن يترك جون لينون الفريق ليؤسّس بعد ذلك مع زوجته مشروع فريق Plastic Ono Band، وقبل أن يعلن بول مكارتني عن انتهاء البيتلز رسميًا عام ١٩٧٠. تعتبر أغنية Because العمل الأخير للفريق، بلحن يعدّ من أنضج الألحان التي وضعها جون لينون. الأغنية هى وليدة الصدفة، حيث كانت يوكو أونو تعزف لحن Moonlight sonata لبيتهوفن على البيانو. وبعد أن انتهت من العزف، طلب جون منها أن تعيد عزف اللحن ودائرة تآلفات المقطوعة (Piano Chords) بالعكس. من هنا نشأت الأغنية.

اشترك جون لينون وبول ماكارتني وجورج هاريسون في الغناء، وتم تسجيل صوت كل منهم ثلاث مرات (overdubbing) لإعطاء حجم أكبر لأصواتهم وإبراز التناغم (Harmony) بين الجمل الموسيقيّة والنغمات المختلفة التي يقوم كل منهم بغنائها؛ ورغم أن جون لينون مؤلّف وملحّن الأغنية، إلا إنه رأى إن توزيع الأغنية سيء للغاية على عكس بول وجورج اللذان رأيا أنّها أفضل أغاني أسطوانة Abbey Road، والتي حقّقت أكبر نسبة مبيعات للفريق.

ما يميّز الأغنية والأسطوانة أيضًا استخدام البيتلز لكيبورد موج (Moog Synthesizer)، الذي كان يعد وقتها آلة جديدة وباهظة الثمن تقوم بتخليق عدد لا نهائي من الأصوات، والذي قام باختراعه روبرت موج، ويستخدم في الموسيقى الإلكترونيّة وفي فرق البروجرِسيف والإندستريال روك وأنواع أخرى من الموسيقى.

كانت مشاركة جون لينون في الأسطوانة الأخيرة متواضعة، وذلك بسبب انشغاله بزوجته وقيامه برحلات عديدة معها. تعد زوجة لينون إحدى الأسباب الرئيسيّة لتفكيك الفريق، إلى جانب شعور جون لينون بسيطرة ماكارتني على الفريق وفرض آرائه وانفراده بتأليف الأغاني، وهو نفس الشعور الذي شعر به جورج هاريسون تجاه جون لينون، ما جعل استمرار الفريق مستحيلًا.

يومها، قال بول مكارتني أن أسطوانة Abbey Road أكثر أعمال البيتلز بهجة. كانوا يشعرون بأنّه آخر عمل يجمعهم.

المزيـــد علــى معـــازف