الستر والصحة | شاه

كان شاه أحد فناني كفر الدوار الذين لم تلمع أسماؤهم وقتها في منتصف ٢٠١٩، حيث ظهر بدور محدود كمنتج عدة تراكات راب للسابع وسوبر مارو وحمزة، منها التي أنتجها تحت اسمه الأخير، الجمّال، قبل تبنيه اسمه الفني شاه. كانت موسيقاه في تلك الأعمال موسيقى تراب عادية، لا جذابة ولا يشوبها عيب واضح. يمكن أن نقول تقوم بالدور. بدأت تتضح ملامح شخصية شاه الصوتية في تراكه الفردي الأول، مقدمة ميكستايب كفر الدوار، ثم ألبومه الفردي الأول، السملات؛ الذي ظهر فيه تأثر شاه بالموسيقى الشعبية واقتباسه منها، كاستعانته بالإيقاعات الشرقية. 

قدمت تسجيلات كفر الدوار الألبوم، ما جعله يقارن بأعمال يونس ولاحقًا أبو سهر باعتبارهم يقدمون اللون ذاته. من الصعب الجزم بأن السملات موسيقى شعبية خالصة. كان السملات أقرب إلى التكنو التقليلي أو موسيقى راقصة مستلهمة من الموسيقى الشعبية، تغازل الشعبي لكن لا تندمج معه.

في إصداره الجديد الستر والصحة – الصادر نهاية آب / أغسطس الماضي، نلاحظ استحقاقه وصف شعبي. لم تعد العناصر الشعبية فيه آلاتية محدودة مثل الصاجات، لكن أصبح اللحن نفسه شعبيًا. لحن يقتبس صوته من المهرجانات أو الموالد، يتلاعب بالمزامير والأورج كآلات شعبية. يمكن القول إن شاه اختار لهذا الألبوم، الذي يصفه بأنه مقتبس من بعض الكلمات التي يكثر تداولها على ألسنة المصريين في المعجم العامي، صوتًا مصريًا. 

قد يدفعنا هذا التوجه الجديد إلى مقارنة أعمال شاه بأعمال يونس كزميل في تسجيلات كفر الدوار، لكن يتضح عند الاستماع أن لكل منهما علامته المميزة، فبينما يأخذ الأورج و المزمار الصدارة في توزيع أعمال يونس مثل هنرقص الجن الأزرق ويميل مزجه إلى لون مبتهج راقص، تتناوب العناصر المختلفة بين اللحن والإيقاع في أعمال شاه على البروز دون استحواذ أحدهم على تركيز المستمع. تستحضر أعمال شاه أيضًا شيئًا من التوتر والقلق في مزجها الداكن مقارنة بالرقص الصاخب والعزف الحيوي في أعمال يونس.

يكاد يبلغ طول الستر والصحة عشرين دقيقة، مقسومة على أربعة تراكات: الستر والصحة والفقر والجدعنة، يحاول كل منها خلق طابع صوتي للكلمة التي يعبر عنها. يتغير لون المزج ما بين الداكن في الفقر واللعوب في الصحة. يبدأ تراك الجدعنة بمزمار يذكرك للوهلة الأولى بالمزامير التي تصحب جلسات حكي سير الأبطال والجدعان كسير الهلالي والبهلوان ويكمل مع باقي الآلات ليخلق مزاجًا بطوليًا في الأغنية يليق بمن يحتفى بهم.

كعادة شاه في إصداراته الخاصة، لآلات الإيقاع والطبول دور رئيسي في المزج، تناطح اللحن رأسًا برأس. في ثلاثة من أغاني الألبوم نجد أن الإيقاع هو إيقاع أيوب الذي يكثر في الزار والحلقات الصوفية. يغيب إيقاع أيوب في تراك الصحة ليحل محله إيقاع بلدي. هناك شيء من الشاعرية في استخدام إيقاع الزارات والحلقات الصوفية التي يلتمس فيها دفع شيء من الضر وبسطة من الخير، ثم غيابه في تراك الصحة، حيث يتحقق ما يلتمس. 

في المجمل، يمكن القول إن شاه يعلم تمامًا نوعية الأفكار التي يرغب في اقتباسها من الموسيقى الشعبية. هو يبدأ بالفكرة ثم يطوع عناصر موسيقاه لما يلائمها، دون الرضوخ لضغط تقديم صوت معين. بين كل من يونس وشاه، يمكننا القول إن كفر الدوار لديها القدرة على تقديم طيف واسع ومتلون من الموسيقى الشعبية والإلكترونية دون الوقوع في فخ الصوت الموحد.