عربي جديد

نحن عصبة الإله | تاريخ موجز لـ النشيد الإسلامي في تونس

أحمد نظيف ۱۵/۰۳/۲۰۲٤

ربما كنت في الثامنة أو التاسعة من عمري عندما سمعتُ لأول مرةٍ نشيد في حماك ربنا. كانت إجازة مدرسية صيفية أقضي فيها سحابة النهار ألهو مع الأصحاب في الشارع، أو في بيت أحدنا عندما يشتد القيظ. كنا أنا وصديقي طارق في بيتهم يومذاك، نعبث بجهاز راديو وكاسيت قديم. في كل مرةٍ نضع شريطًا من كومة الأشرطة المكدسة أمامنا تنطلق أغانٍ قديمة أغلبها لمطربين مصريين: أم كلثوم وعبد الحليم وفريد الأطرش. 

عندما وضعت شريطًا آخر عليه صورة عبد الحليم، جاء الصوت من الجهاز مختلفًا، على هيئة نشيد جماعي تبدو فيه الموسيقى شديدة الخفة، أقرب لتلاوة القرآن منه للأغاني. كان غريبًا. سألت طارق عنه، همهم بالحديث ثم سكت. كان والده في السجن حينذاك، وقد امتد به ذلك السجن الطويل بسبب انتمائه الإسلامي، حتى وصلنا المرحلة الثانوية. 

في يوم لا أنساه، كنا نتسكع غير بعيد عن المعهد، وربما كنا هاربين من الدرس، سألته عن سرّ ذلك الشريط، قال إن ذلك لم يكن غير إحدى حيل أبيه، وهي حيلة شائعة لتسجيل أناشيد وكلمات ومحاضرات محظورة من السلطة على شرائط غنائية، حتى لا يتفطن إليها البوليس. كان ذلك النشيد الذي لفت نظري طفلًا يمثل نشيدًا شبه رسمي لحركة النهضة الإسلامية.

كنا في ذلك الوقت، عند مطلع الألفية، نشهد ربيع النشيد الإسلامي: فضائيات تتكاثر كالفطر وأناشيد بلا موسيقى، ودعاةُ يملؤون الشاشات صخبًا وبكاءً ووعيدًا. كانت موضة الهواتف الجوالة في أطوارها البدائية، وقد جاءت معها برنات على هيئة أناشيد تلقاك وتلقاها في كل شارع وزقاق ومقهى. الآن عندما أنظر إلى الوراء، يبدو لي ذلك التاريخ بعيدًا جدًا؛ فقد عصفت عشرية الثورات بكل شيء ولم تبق حجرًا على حجر. 

لم تعد تلك الفواصل الجامدة التي رسختها الصحوة الإسلامية في نسختها السلفية، بين الغناء والنشيد والموسيقى والإيقاع، متماسكةً، أمام التداخل والنزوع الإسلاموي في العودة إلى إيقاع العالم بعد قطيعةٍ طويلةً، كما يصفها باتريك هايني في أطروحته حول إسلام السوق. لكن قبل أن ندرك مخلفات الصحوة، التي أدركتنا من خلال فضائيات هزيع التسعينات الأخير، كان للنشيد / الغناء الإسلامي في تونس قصة، يبدو من الممتع أو الوجيه أن تروَى؛ لأنها لم تتعلق فقط بطبيعة هذا النشيد المحلى بالموسيقى، لكنها ترجمة لتحولات الحركة الإسلامية، ككيان أيديولوجي وسياسي كان وما زال يتمتّع بحضور مؤثر في تاريخ وحاضر تونس المعاصرة، وتعبيرًا عن فكر الحركة في مرحلة من مراحله ومراحلها التاريخية.

في حماك ربنا | النفس الإخواني

من روافد متعددة: شعبية وصوفية وإخوانية، تأسست الحركة الإسلامية التونسية نهاية ستينات القرن الماضي، متأثرةٍ بصعود الإسلاموية عربيًا في أعقاب هزيمة يونيو (حزيران) ١٩٦٧، وتراجع المدّ القومي. لكن الجناح الإخواني، الذي مثله رئيسها راشد الغنوشي، كان الغالب على نموذجها التنظيمي، ولاحقًا على طابعها الأيديولوجي. منذ السنوات الأولى لم تطرح الحركة إشكالية تعارض الفنّ، ولا سيما الغناء والموسيقى، مع الدين، مع تفريق أخلاقوي بين “فنّ هادف يخدم الدعوة” و”فنّ يعبر عن الانحلال.” لذلك لم تكن لها حواجز فقهية، كالتي ظهرت لدى جماعاتٍ إسلامية أخرى، ولاسيما السلفية. 

تأسس هذا الموقف لدى كل الجماعات الإخوانية من الغناء على عهد مؤسس الجماعة، حسن البنا، الذي حاول توظيف الغناء والأناشيد كأدوات تعبوية في الدعوة والحركة الكشفية، كما وضع نشيدًا رسميًا للجماعة، ألفه الشيخ أحمد حسن الباقوري بعنوان يا رسول الله هل يرضيك أنّا. ربما كان لقدوم حسن البنا من الأوساط الصوفية الأثر الأساسي في نظرته غير السلفية للفنّ، ودوره. الأوساط نفسها التي جاء منها قطاع واسع من مطربي مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين.

جريًا على هذا التقليد اختارت الحركة، التي كانت تسمى حينذاك الجماعة الإسلامية، قبل أن تغير اسمها في عام ١٩٨١ إلى الاتجاه الإسلامي، نشيد في حماك ربنا كنشيد شبه رسمي يردد في المناسبات العامة والاجتماعات الجماهيرية، وغيرها من النشاطات العامة التي تحتاج نفسًا تعبويًا وبعض الصخب. وضع كلمات النشيد قبل عقود عبد الحكيم عابدين (١٩١٤ – ١٩٧٦)، الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين وعضو مكتب الإرشاد، وصهر مؤسسها حسن البنا، والذي وضع من قبل كلمات نشيد كتائب الإخوان المسلمين العسكرية المعروف بــ الحقُّ يحشُد أجنادَه.

كان نشيد في حماك ربنا حاله حال أناشيد عابدين، شائع الترديد في ساحات إخوانية كثيرةٍ كالسودان وسوريا والأردن، وقد غناه رضوان عنان، المعروف بــ أبو مازن والمشهور بلقب رائد النشيد الحركي. تظهر في النشيد معالم الأيديولوجية الإخوانية بوضوح، والتي كانت تعبر في السبعينات عن هوية الحركة الإسلامية التونسية من خلال: أولًا تحديد مفهوم الوطن والأمة، اللذان يتجاوزان تونس ككيان مصطنع الحدود الاستعمارية إلى الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي: “عزِّروه بالحسام / كالبناء إخوةً / بين مصر والشآم / والحجاز واليمن / وثبةً إلى الأمام / فوق هامة الزَّمن.” 

ثانيًا يحدد النشيد كذلك طبيعة الحكم المراد الوصول إليه، وهو الخلافة الإسلامية ودستورها القرآن من خلال الجهاد: “وعلى شفا السيوف / نستردّ مجدنا / بالكتاب شِرعةً / والرسول قُدوةً / واليقين عُدّةً.” عبّر هذا النشيد الإسلامي القوي والواضح عن مرحلة إيديولوجية من مراحل الحركة الإسلامية التونسية، لكن التحولات التي ستدخلها الحركة خلال ثمانينات القرن العشرين لن تجعل منه نشيدًا مركزيًا، إلا أنه لم يختف أبدًا عن ألسنة وحناجر ومناسبات الحركة وأنصارها، لأنه عبر بشكل دائم عن وجود جناح داخلها مازال مستمسكًا بقوة بالروح الإخوانية الأولى، التي طبعت الحركة ومسيرتها.

الثمانينات | ربيع المجموعات الغنائية

مثّلت الثمانينات مرحلة صعود للإسلام السياسي في تونس. خرجت الجماعة الإسلامية من كهوف السرية نحو العلن باسم جديد هو الاتجاه الإسلامي. في المقابل كان نظام الحزب الواحد وقائده الحبيب بورقيبة يعيش أراذل عمره السياسي والبيولوجي. اكتسح الإسلاميون الجامعات، وبدت لوحة الصراع ثلاثيةً بين نظام هرِم ويسار قوي وإسلاميين صاعدين. كان اليسار التونسي قد أسس فرقه الغنائية وأغنيته الملتزمة بالنضال الطبقي والديمقراطي منذ نهاية ستينات القرن الماضي، مثل فرقة البحث الموسيقي وفرقة الحمائم البيض

أدرك الإسلاميون أن الصراع مع اليسار داخل الجامعات يحتاج أدواتٍ جديدةٍ وعصريةٍ، ليست هي مجرد الدروس التربوية وحلقات الوعظ الديني. في السودان كان الإسلاميون قد ذهبوا شوطًا كبيرًا في تأسيس حركة طلابية عصرية، وحركة إسلامية مختلفةٍ عن الحركات الإخوانية من حيث الفلسفة والمضمون، بقيادة الشيخ حسن الترابي. كان الترابي إسلاميًا، لكنه نسيج لوحده من حيث التكوين الفلسفي والتفكير الحداثي، الذي ظهر جليًا في أفكاره التقدمية حول الموسيقى والمرأة والفنون والطائفية. 

في كتابه حوار الدين والفن يقول الترابي: “في كتب فقهنا، التي حاولت أن تكون شاملة وتجعل بابًا لقضاء الحاجة وبابًا للذكر وبابًا للطاعة، لا بد من أن يكون هناك بابٌ كذلك للتعبير الفني، والجمهور أقرب إلى أن يتصالح بتدينه مع الفن من بعض الفقهاء الذين يحملون التراث كما يحمل الحمار أسفارًا، فالجمهور المسلم في ممارساته الصوفية وفي مدائحه وفي فنونه الشعبية لعله أقرب إلى فطرة التدين الفني أو الفن الديني. فلا بأس بالفن المسموع والمرئي غناءً أو رقصًا أو موسيقى إلا أن يؤدي إلى محظور من الأخلاق. ولا بالفن الأدائي تمثيلًا بالمسرح أو لأغراض الاتصال العام كالسينما والتلفزيون ولا بأس بالفن التطبيقي زينة ووشيًا في الحلي أو اللباس أو تصميمًا.” كانت مثل هذه الآراء في ذلك الوقت ضربًا من الانشقاق الديني، لكن دار الراية، المقربة من الحركة الإسلامية التونسية، طبعت هذا الكتاب ووزعته على نطاق واسع في البلاد في شكل كُتيّب للجيب.

في ذلك المفصل التاريخي، ربطت بين الحركتين التونسية والسودانية صلات قوية. تأثر الإسلاميون في تونس بالسودان على نحو كبير ومؤثر، ظهر لاحقًا في تنظيم الحركة الطلابية وفي دمج النساء داخل العمل التنظيمي وكذلك في الفنون والغناء والموسيقى. كما دفع الصراع مع اليسار، خاصة حول القاعدة الاجتماعية المكونة من الطبقات الفقيرة والوسطى، إلى تأسيس فرق غنائية قريبة من الحركة الإسلامية، تخرج من نموذج النشيد التعبوي المجرد، إلى الغناء متعدد الأغراض، والذي يعالج قضايا سياسية واجتماعية أكثر ارتباطًا بالوضع السياسي واليومي للشعب، دون أن يكون ذو خطاب وعظي مباشر. 

في هذا السياق التاريخي والسياسي ظهرت فرقة عشاق الوطن عام ١٩٨٢، بقيادة صالح حميدات وشهاب قاسم، وبعدها فرقة الشمس بقيادة عبد اللطيف النجار، ثم جاءت فرقتي أولاد الجنوب والمرحلة، وكلها فرق قريبة من التيار الإسلامي. كانت أغانيهم لا يمكن تمييزها عن أغاني الفرق الغنائية اليسارية، ذات موضوعات سياسية ونضالية، كثيفة الإيقاع والموسيقى. هذا التقارب في النوع والمضمون بين الفرق الإسلامية واليسارية ترجمه بوضوح قربهما من الشيخ إمام، الذي كان يحظى بمكانة كبيرة في الأوساط الطلابية التونسية. كان إمام ضيف الشرف عام ١٩٨٩ في مؤتمر الاتحاد العام التونسي للطلبة، وهو نقابة طلابية إسلامية.

منذ النصف الثاني للثمانينات وصعود نشاط الحركة الإسلامية، شهدنا ربيع الفرق الملتزمة الإسلامية، خاصة في مدارج الجامعات. ضمن سباق قوي مع الفرق الملتزمة اليسارية مثل فرقة البحث الموسيقي والحمائم البيض وفرقة أصحاب الكلمة. لكن هذا الصراع الفني خفّف كثيرًا من حدة الصراع الأيديولوجي، الذي كان يتحول أحيانًا إلى عنف مادي. 

لاحقًا شكل خروج الرئيس الحبيب بورقيبة من السلطة، بعد انقلاب ١٩٨٧، لحظة توهّج لهذه الفرق الغنائية، خاصة بعد أن سمح الرئيس الجديد، زين العابدين بن علي، بنشاط الاتحادات الطلابية اليسارية والإسلامية. كما شهدت البلاد في ذلك الوقت مساحة حرية سياسية وثقافية امتدت إلى عام ١٩٩١، واستفادت منها هذه الفرق. 

مع مطلع التسعينات بدأت فسحة الحرية التي سمح بها النظام تضيق شيئًا فشيئًا. شرع نظام زين العابدين بن علي في التخلص من خصومه واحدًا تلو الآخر، وكانت البداية بالإسلاميين، الذين شرعوا من جانبهم في خوض معركة أخيرة ضد النظام. انتهت المعركة بشتات الحركة الإسلامية بين المنافي والسجون، وأنهت معها تجربة الفرق الغنائية الإسلامية. كانت وفاة عامر دقّاش، أحد أعضاء فرقة الشمس، تحت التعذيب في عام ١٩٩١ نذيرًا بنهاية مرحلة في تاريخ أناشيد الإسلاميين في تونس.

ما بعد الانهيار | الضمور الفني والإيديولوجي

في مكان ما يقول الفيلسوف والناقد الثقافي ثيودور أدورنو: “أيّ شعر بعد أوشفيتز؟”، وأيّ غناء بعد السجن والشتات. خرجت الحركة الإسلامية التونسية مشلولةً من المعركة، مفرقة الأوصال بين منافٍ كثيرةٍ وسجون شتى. تعطل الكلام والغناء عقدًا من الزمن. كان عقد التسعينات كالحًا بلا أفق. مع بداية الألفية عادت موضة الأناشيد إلى تونس من بوابة الفضائيات المشرقية: اقرأ والمجد وغيرهما. 

يعالج كل من باتريك هايني والراحل حسام تمام هذا التحول باكرًا في دراستهما، العودة إلى إيقاعات العالم: تاريخ قصير للغناء الإسلامي في مصر [Mtooltip description=”Revue d’histoire ،2004″ /]، بالذهاب إلى النشيد الإسلامي الذي ظهر في ذلك الوقت؛ إذ كان نوعًا جديدًا من الموسيقى، يفرض نفسه كعلامة على ديناميكيات الأسلمة، مترافقًا مع تحولات أخرى في نماذج الحجاب الإسلامي والشركات الإسلامية، ضمن منطق عام من عدم التسييس.

أعيد تشكيل النشيد الإسلامي من خلال منطق السوق والثقافة الجماهيرية، في حين أعيد هذا الانفتاح على التوفيق بين المعتقدات بعد ثلاثين عامًا من الهوية المغلقة، وهو ترجمة لما يسميه أوليفي روا بـ ما بعد الإسلاموية. يضع الباحثان يدهما على تحول لافت، ترجمه نجل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بشكل واضح، عندما أسس براء الغنوشي شركة تسجيلات الصحوة (Awakening Records) في لندن عام ٢٠٠٠. قادت الشركة عمليًا التحول الأكثر جذريةً في تاريخ النشيد الإسلامي، من خلال الفيديو كليب، وكذلك الموسيقى الغربية، وقد قدمت في هذا السياق أسماءً كثيرةً مثل سامي يوسف وماهر زين وغيرهما. 

ضمن هذه التحولات ظهرت في تونس نزعات إسلاموية جديدة، غير مرتبطة بالحركة الإسلامية، وقد تجلت في عدد من المنشدين مثل الفنان الشعبي “التائب” فوزي بن قمرة، الذي عاد إلى الغناء من باب النشيد الإسلامي عام ٢٠٠٨. كذلك ظهرت إذاعة للقرآن، كانت تبث على نحو متواصل أناشيد وأغانٍ صوفية. بدا في هذا المفصل التاريخي أن النظام قد أرخى قبضته عن الشأن الديني، لا سيما خلال الاحتفال بمدينة القيروان كعاصمة للثقافة الإسلامية، التي كسر فيها الحاجز بين النظام ورموز الإسلام السياسي، بعد أن كان الشيخ يوسف القرضاوي ضيف شرفٍ يرافقه الداعية الصحوي السعودي، سلمان العودة. كان ذلك مدفوعًا بنوازع سياسية يقودها صهر الرئيس بن علي، صخر الماطري، الذي كان يريد استغلال تلك القاعدة الاجتماعية المحافظة المتروكة لخدمة طموحاته السياسية في خلافة صهره الهرِم.

ثم جاءت ثورة ٢٠١١، وبعثرت كل النوايا والمشاريع. عادت الحركة الإسلامية إلى الساحة، قويةً، كأنها لم تختف يومًا. لكن العودة الشعبية والسياسية ترافقت مع تحلل فكري كان واضحًا. لم تعد الحركة إخوانية مئة في المئة، ولم تنجح في نحت هوية فكرية جديدةٍ. مكثت ممزقةً بين القديم والجديد، ثم غرقت في السياسة اليومية. كانت السياسة غالبةً عن كل ما سواها، فلم تنجح في العودة كحركة شاملة بل كحزب سياسي. 

خلال السنوات الثلاث الأولى من بعد الثورة، حاول قدماء فناني الحركة والمقربين منها إعادة إنتاج الماضي، من خلال إعادة ترديد أغاني مرحلة الثمانينات، لكن الفشل كان ذريعًا. كانت أغانٍ بلا جمهور؛ فجمهورها أصبح من الشيوخ والعجائز الذين حطمتهم عقود الشتات. بدا واضحًا في تلك الفترة (٢٠١٤ – ٢٠١٦) أن صراعًا بين جناحين داخل الحركة دائر حول طبيعتها الإيديولوجية: جناح يريد العودة إلى المنابع الإخوانية وجناح يريد الفكاك من تلك الجذور نحو نسخة أكثر براجماتية وحافظة في الوقت نفسه.

في مؤتمر الحركة العام في ٢٠١٦ أعلن رئيسها راشد الغنوشي عن طلاقٍ بينهم وبين الإسلام السياسي. رغم ضعف التأثير السياسي لذلك الطلاق المعلن، إلا أن آثاره على ثقافة الحركة، فكرًا وموسيقى وفنًا، كان واضحًا. أصبح الفنان الرسمي للحركة فرحات الجويني، مغنٍ شعبي وقائد فرقة متخصصة في إحياء حفلات الأعراس. كان اختيارًا نفعيًا، فقد حاولت الحركة الاستفادة من شعبية الفرقة وصاحبها، وفي الوقت نفسه معبرًا عن نظرتها للجمهور، الذي لم يعد قاعدة اجتماعية ملتزمة ومحافظة، بل مجرد جمهور انتخابي يطرب للأغاني الشعبية. 

كانت الخطوة الأكثر جراءةً ورمزيةً عندما استبدلت الحركة نشيدها شبه الرسمي، في حماك ربّنا، بأغنية فرحات الجويني علّي يا حمام النهضة. كانت أغاني الجويني خفيفة خفة الأيديولوجية الإسلامية السائدة، هشة هشاشة البناء الفكري للحركة.

المزيـــد علــى معـــازف