.
https://soundcloud.com/sefr-records/sets/besh-el-wesh-el-tani
في ألبومه الطويل الأوّل الصادر عن تسجيلات صفر، يؤكد الرابر المصري بش أن الوش التاني يفترض أن “يغطي كل تناقضاتي، يكشفها ويكرهها”. يظهر هذا بوضوح على مدى الألبوم، حيث يتصرف بش وكأنه لا يهتم لشيء، لكنه في الواقع يهتم، وهو يعي ذلك: “سايب نفسك وماسك العالم؟ جامد مش كدة؟ / المشكلة مش عندي، السؤال: هل هو قادر يستوعبني؟ / حيحزن كام يوم لما يستودعني؟” يدور ألبوم الوش التاني حول راوٍ محتار، مكسور، أقصى أذًى يمكن أن يصدر منه هو صراخه. يظهر ذلك كذلك في الأغنية الافتتاحية للألبوم، حيث يلقي بش قصيدة بالعامية من خلال مونولوج داخلي تتداخل فيه عدة أفكار تدور في رأسه، بعضها وجودية وبعضها تشكك في الأعراف الاجتماعية، قبل أن يسأل المستمع: “هل التوسل إني أشوف اللي نفسي أشوفه، ولا إني أستناه يترسم، ويتحقق؟” يستعرض التراك الافتتاحي كذلك موهبة بش في سرد قصص عشوائية بنهايات مفتوحة.
في أغنية يوسف يراب بش بغضب عن علاقته السابقة بفتاة يبدو أنها لم تفهم مدى حبه لها، وما قد يفعله لمجرد لقاءها. مع ذلك، ينكر أن العلاقة انتهت لدرجة أنه ما زال يرى أنهما معًا، على الأقل في معرض الصور على هاتفه: “شايفنا سوا الغيب موارب أنا محتاجلك وده مش عيب.” تسود الثيمة العاطفية في الأغنيات التي تحمل عناوينها أسماء مؤنثة مثل حوّا وكونديرا. يغطي الألبوم ثيمات أخرى كمحاولة لإيجاد العزاء والراحة، كما في أغنية كوباين بالاشتراك مع الرابر الفلسطيني إلوس، أو ثيمة الارتياب التي تظهر بوضوح في أغنية مصطفى خلف. تُظهِر الكلمات جانب بش الحكيم والمتدين والصابر، بالإضافة إلى جانب آخر عنيف وعدائي. باستثناء الأغنية الافتتاحية والختامية للألبوم وأغنية يا ناس، تحمل عناوين جميع الأغنيات أسماءً. يشرح بش أن الأسماء تمثل شخصيات ابتكرها هو، وتتصل بشخصيته بعض الشيء.
يتبدل أسلوب راب بش بين كونه سريعًا كما في إبليس، وبين اعتماده على الهمهمة واسترخائه كما في أغنية يوسف. يستعرض بش كذلك الكثير من القوافي الداخلية: “خبي الوش، اضرب في العش، انا مش شايفك، انت ما جيتش، يا بش.” بينما قد يظهر أسلوبه في الراب عدائيًا وسريعًا، ينثر بعض السخرية هنا وهناك لتخفيف حدّة الجو: “كله مفشوخ في أفكاره بس أنا مفشوخ بشياكة كدا.”
يمتد ذلك إلى كون معظم الأغنيات متقلبة المزاج، تتعامل مع فرض بش لمشاعره بأسلوب مبالغ وغير متوازن، حيث يهمهم منقطع الأنفاس أحيانًا وكأنه قد استسلم فعلًا. يقول في لازمة يا ناس: “أنا آسف ع الدراما / بس أنا فاض بي الكيل / يا ناس شبعت كرامة / يا ناس اتهد الكيل.” مع ذلك يكشف الألبوم عن شخصية تتطور وليست ثابتة أو عالقة في مكان واحد، فلا يبدو بش منقطع الأمل تمامًا في أغنية يوسف: “أنا مش بِرفكت لكني بسعى.”
تميل معظم أغاني الألبوم للتخلي عن صيغة المقطع – اللازمة؛ التي ربما حافظ عليها بش في أغانٍ باعثة على الاضطراب مثل مصطفى خلف، حيث تبدو كسيرة أكثر من اللازم، وتحتاج إلى تفكيك بحيث يحظى المستمع باستراحة ذهنية. على العموم، لا يحتاج معظم الألبوم إلى لازمات، بما أن معظم الأغنيات قصيرة، وأسلوب بش في الكتابة غني ومفعم بالحياة.
تشارك يدخَّن (مدير تسجيلات صفر) وراجح إنتاج الألبوم. يتأثر إنتاج الألبوم بهيب هوب منتصف الألفينات، مع القليل من أصوات اللوفاي المحيطية هنا وهناك، وتوجد أمثلة عن أغنيات يستعرض فيها بش قدرته على أن يراب على أي إنتاج. نقطة مثيرة للاهتمام في الإنتاج هي أنه يظهر كفصول، وكأنه يقسم الألبوم إلى أجزاء مختلفة تعكس الكلمات. في أغنية وإنتا مثلًا، يظهر الإنتاج تقليليًا، له إيقاع محيط ينتظم فيما يتحدث بش لنفسه عن تدمير شيء ما. الأغنية أشبه بلحظة صفاء بالنسبة لـ بش حيث يدرك أنه وصل أقصى حد للاضطراب الذهني ويحتاج إلى تجديد نفسه.
مصطفى خلف هي فصل آخر من الألبوم، حيث تبدأ الأغنية بصوت مشوش للممثل المصري أحمد زكي من فيلم ضد الحكومة، يترافق مع ضربات بيانو عالية فيما يراب بش بسرعة ليوافق شدة الإيقاع. ينتقد بش نفسه في الأغنية لكونه أضعف من أن يقتل نفسه، كما يسخّف أفعاله لكونه أناني أكثر من اللازم ولا يستحق الثقة، حيث يقول في اللازمة: “في النزلة هكون إنسان تاني / في الأزمة بكون شخص أناني.” في أغنية خضر، يُضاف إلى صوت بش ترددٌ يجعله يبدو وكأنه يتعرض لصدمات كهربائية، الأمر المضحك لدى سماع اللازمة: “لما أنساكي / بستناكي / الخوف مكهرب كل أسلاكي.”
يقدم ألبوم الوش التاني رابر شاب واعد، يقف خلفه ثنائي إنتاج وهندسة صوت غير مساوم، ويقدم الكثير من الناحية الموسيقية والأسلوبية. كما يبدو الألبوم شديد الفرادة والتميز وسط مشهد الراب المصري الحالي، فلا يحمل أي تأثرات من الموسيقى الشعبية أو التراب أو التبجح. غالبًا ما ينصرف بش عن مواضيع تابو كالسياسة، ويلازم الموضوع الذي يعرفه بأفضل شكل: ذاته.