.
https://www.youtube.com/watch?v=22dM8YV_XOU&list=PLoyPtm3yeSJOvz1jIvziFgHRsv_ZhKzTs
أصدر يوسف فؤاد الملقب بالجوكر أغنية أنا السلطان في منتصف اكتوبر الماضي لتكون أول اغنية من ألبومه الجديد بنفس العنوان. جاء هذا الإصدار بعد غياب طال ليوسف إثر خروجه من كايرو تيم، وتوالت من بعده أغان الالبوم كل بضعة أيام . أحدث صدور أنا السلطان ضجة كبيرة في مشهد الراب المصري، خصوصا أن المعتاد هو إصدار أغان منفردة وليس ألبومات.
اختلفت الآراء حول الألبوم، وتعالت أصوات ليست بقليلة تعلن أن البوم أنا السلطان هو أقوى ألبومات الراب المصري هذه السنة، مقترحة بالتالي إن يوسف الجوكر هو أقوى رابر فى مصر، وهو أمر لم يتقبله كثيرون. هذه الضجة تثير أسئلة مهمة. هل الألبوم فعلاً ذو مستوى عال؟ هل استطاع يوسف الجوكر في أنا السلطان من أن يقدم ما هو جديد وأصلي؟ هل يستحق هذا الالبوم كل هذه البلبلة؟ وهل يصح أن يقال أن يوسف الجوكر من أقوى الرابرجية فى مصر ؟ للاجابة على هذه الاسئلة لا بد من القاء نظرة متمعنة ومتأنية على الألبوم.
يقع ألبوم أنا السلطان في ١٥ أغنية تمتد على ٥٥ دقيقة. بعد مقدمة طويلة تأتي أغنية أنا السلطان لتكون الأبرز فى الألبوم بسبب ما استخدم فيها من مؤثرات وعينات مناسبة لموضوع الأغنية التى تتميز بالشكل الشرقي في تركيبتها. بعد ذلك تأتي أغنية دم الظُلم بإيقاع طبلي ضعيف يجعلها أقرب الى البوب المصري. يخفق هنا القبضاي فى صناعة إيقاع مناسب لنغمات البيانو، مما يجعلنا نتساءل إن كان يوسف الجوكر يدرك أهمية الموسيقي فى الراب. تأتي الإجابة فى رابع اغنية وهي إلاجرام، التي يستخدم فيها صوت عواء الذئب كمؤثر صوتي فى البداية ثم يستمر في الخلفية مرافقاً لجيتار كهربائي فيما هو أسلوب تقليدي ومعتاد يستخدم روابط مباشرة جداً.
فى أغنيتي القطر والمحطة نجد إيقاعات وموسيقى اقرب الى النيو إيج New Age إن لم تكن ذلك تماماً. الإيقاع الطبلي هنا مستهلك وممل خصوصاً أن النيو إيج تطور بعد الموسيقى الالكترونية وظهرت منه أنواع جديدة . ليست المشكلة فى مزج الراب بأنواع أخرى، لكن المشكلة هي في اختيار هذا النوع. خلط الموسيقى الكلاسيكية مثلاً ممكن لكنه عادة ما يكون مملاً ويُخرج الاغنية من شكل الراب الى البوب راب، على عكس خلط السايكادليك بالراب الذي قد يكون مناسباً اكثر . إذاً فهو خيار غير موفق لصُنّاع الالبوم. يتكرر نفس الخطأ فى الألبوم حتى أغنية سكسكة، التي تفشل موسيقياً أيضاً لكن قد ينقذها الجوكر بأدائه كلامياً.
من الواضح في أنا السلطان وجود رغبة في الابتكار وخلق موسيقى متنوعة وجديدة، إلا أن هذه المحاولة تبوء بالفشل. ولهذا يواجه الألبوم مشكلة كبيرة في الفراغ والتكرار . لا يقاس الراب بكثافة الآلات الموسيقية بل بمدى الأبداع كما نرى في ذا نبتيونز مثلاً . الموسيقى تُضعف الالبوم حتى وإن لم يكن يوسف الجوكر هو من يغني فوقها، بل إنها تُضعف الألبوم بغض النظر عن أداء الرابر.
“طبعاً انت فاكرني هايف صح، دسات وقلة أدب، ومبيقدرش حد، مبيعملش حساب لحد، و مبقاش بيعمل حاجة مفيدة“
بهذه الكلمات يبدأ الألبوم، يقولها يوسف الجوكر بهدوء ورصانة. لكن التراك يستمر لـ ٣ دقائق و٢٢ ثانية بعدها. في هذه الافتتاحية التي هي خامس اطول مسار في الألبوم، يحاول الجوكر شرح موقفه تجاه مشهد الراب المصري، ولكن الشرح يطول ويتكرر في حلقة وعظ مغلقة.
“انا الرهان، انا اللي مبيعملش اعتبار للانسان، مش موجود واسمي أساس الوجود، أنا صلاح الدين والصليبين واليهود“
في مسار أنا السلطان استطاع يوسف الجوكر أن يوصل للمستمع رؤيته من خلال كلمات لا بأس بها وكورس غنائي مناسب للموضوع. الموسيقى جاءت على الدرامز و السنير في سياق واحد مناسب تجعل هذه الأغنية تستحق حمل اسم الالبوم .
“هربت وكل يوم بفوت , إحساس بموت، فى الحياة تاهت مش لاقية دنيا، ومهما تصرخ بأعلى صوت، بيبقى سكوت، كل الدنيا بالنسبة لها فانية“
الكورس الغنائي ذو اللحن الجذاب هو ما يميز أغنية كسرها الهروب. رغم قوة الفكرة والقدرة على تبسيط الأمر على المستمع لكن التصوير الشعري والتشبيهات ضعيفة. فاستخدام كلمة الليل والظلم مرتين فى المقطع الأول هو تكرار غير مفيد. في الدقيقة 02:36، في جُملة “يا ترى كام بنت زيها ظلمهم الليل” تشبيه ضعيف أيضاً ومستهلك فى اغاني البوب المصري. يتبع هذين المقطع الثالث والذي هو أقوى مقطع من ناحية المعنى والأداء.
“ايه يا أصلي الدنيا ايه / ايه يا شبح الدنيا كركاديه“
“يا جو ليه عم بتفرق الوحدة العربية!! اخرسي يا ولية هى فين الوحدة دية“
تتعدد اللهجات العربية كوسيلة للسخرية من مفهوم الوحدة العربية، وتجعل أغنية زول زول أبرز أغاني الألبوم رغم ضعف التنفيذ. كان في الإمكان الوصول أغنية أفضل من هذه وخصوصا أن الكورس موفق، وأعتبره من أقوى كوراسات الالبوم، بل أقوى ما في الألبوم إجمالاً.
في أغنية اشعار يصبح من الواضح تماماً نفاد الأفكار. يلجأ الجوكر لاستخدام القوافي المستهلكة من تمثال، جبال، حبال، يتقال، محال، موال، كما يفرط في استخدام التشبيهات المتوقعة والتي تصل حد الكليشيه مثل اسم الأغنية نفسه: دم الظلم.
رغم تمتع يوسف الجوكر بالقدرة على الإلقاء والتلوين الصوتي والتلحين فى آن واحد، إلا انه لم يفعل ذلك في سبب ما وظل متمسكاً بنفس طريقة الإلقاء والأداء فى الألبوم كله دون تغيير. قد يكون غيّر بعض الشيء في أغنيتين أو ثلاثة (مثل زول زول وأنا السلطان، وربما كسرها الهروب) لكنهم لا يرتقون لمستوى ينقذ الألبوم . أنا السلطان ألبوم خال من الإبداع كلامياً وموسيقياً. لا نجد فيه تشبيهات واستعارات تذكر، وإن وجدت فهي مستهلكة وضعيفة .
مشكلة أنا السلطان الأولى هي أن يوسف الجوكر يكرر نفسه باستمرار على أساس أن المستمع لم يفهم بعد. المشكلة الثانية هى الرسائل المباشرة والوعظ. لا بأس فى ذلك إن كان متقناً ولكنه تناسى تماماً تطور ذائقة المستمعين. المشكلة الثالثة هي أن الكورسات الغنائية فى الالبوم أشبه بأغان البوب المصرى منها الى الراب، ولكن يحسب لها قدرتها على اجتذاب المستمع.
يعجز البوم أنا السلطان عن معاصرة الراب الحديث كما يفشل أيضاً في الرجوع إلى المدرسة القديمة، ويكون بذلك قد علق في فخ الاستسهال والاستخفاف بذائقة وذكاء المستمع.