.
بدأ إل كاسترو منذ فترة بتسيد مشهد الراب في تونس كأحد فحول الكتابة والأداء، واستطاع أن يوجد لنفسه أسلوبًا مزج من خلاله بين لذع أسطره وانسيابية تدفقه. تقدم لنا أغنية انت شكونك التي تلت فيليب موريس، وكلتاهما من ألبومه الجديد ١٢٣، مثالًا عن أسلوب الرابر المتقدم، وتكشف عن مرحلة من النضج الذي وصل إليه ابن منطقة الزهروني في تونس العاصمة.
يشير اسم الألبوم رمزيًا إلى تعدد وجوه إل كاسترو الأسلوبية. يظهر ذلك جليًا من الغلاف. في نفس الوقت، يمكن لنا أن نأوله كشارة انطلاقٍ يدفع بها أسلوبه نحو وجهة معينة. تفصح مقدمة فيديو انت شكونك عن مشهد ساخر يجمع إل كاسترو بصديقه الممثل جهاد الشارني وهما بصدد التندر مع دمية أوفني. يغرينا المشهد الافتتاحي للتخمين حول نية الرابر لدس موجه ضد شخصٍ ما. تتعزز تلك الإشارات في العنوان الذي اختاره الرابر: انت شكونك / قداش من واحد. لكن سرعان ما ينطفئ هوس البحث عن هوية الدس أمام قوة أسلوب إل كاسترو. يتخلى إل كاسترو عن بعض ملامح أسلوبه المعتاد الذي يدير من خلاله التدفق والبارات كآلة تحكم ميكانيكية، ويخلق توقفاتٍ قصيرة في تدفقه ليفسح المجال لنبرة تكلم عادية. يربك إل كاسترو المستمع الذي يذهب في ذهنه بأنه استعان بعيناتٍ صوتية، لكنه في الحقيقة يعدل من مستوى تدفقه على نحو مثير. يظهر ذلك جليًا في السطر: “اه زبك اش بش يفضها / حمة غراب حياتك كالياغرطة يخضها”، قبل أن يتلاعب فعليًا بعينات صوتية حقيقية في آخر الأغنية أضفت مسحةً كاريكاتورية، استمدها من فيديو انتشر عاليوتيب يصور صراعًا بين طفلين مع تعليق الأب الساخر على المعركة الحامية.
يحافظ إل كاسترو على أدائه اللعبي من خلال أسلوب الكتابة أيضًا، إذ نراه يخلق ترابطات نسيجية قوية مع نصوصه السابقة، وكأنه يراكم تراثه الكلامي الخاص به. ينبش في مستودع أغانيه السابقة أيام الزمرة، ويسترجع أسطرًا قديمة من أغيته الصادرة قبل خمسة أعوام هيستوري X بحث: “كوديا تحت الحيط والمعدة ولات مسكوكة / لنا تشوف العرض مخك يتبلوكا / سمنتوا مالشكشكوكة مين ليكم شمان الكوكا”، ليقوم بتحديثها على نحو لعوب: “كي فيراج البوكا خرجناهم مالمسكوكة / عشنا الشيخة عشنا الكوكا لين توحشنا الشكشوكة”. قلما نجد الزخم اللغوي الذي نراه مع إل كاسترو. لا نحصر المقارنة هنا بمشهد الراب في تونس فقط، وإنما بالخزان الشعري العامي أيضًا. يمسك الرابر بإيقاعية اللهجة التونسية المدينية التي تتميز بها بعض أحياء العاصمة، يمططها ويتلاعب بألفاظها ويرصفها بشكل جذاب في أسطره.
مرت العامية المدينية التونسية بمراحل صقل وإثراء كبيرة منذ تفجر العالم الافتراضي وفتح اليوتيوب ومنصات التواصل الأخرى. ساهم الراب في انتشار عديد من المفردات والتقليعات الكلامية، كذلك بعض قنوات اليوتيب القريبة من الرابرز ونذكر منها لحير يعيش أو خنشور الهربة التي شارك فيها إل كاسترو مرات عديدة، واستعرض خلالها مهاراته في ابتداع حيل كلامية جديدة. يلتقط إل كاسترو تلك الإضافات ويجعلها ضمن عجينة واحدة من نصوصه.