.
https://soundcloud.com/neonproduction/sets/badroom-album-2019
قضى نيون (عبد الله مسعد، ١٩ سنة) أول أسبوعين من هذا العام وهو يسجل ألبومه الطويل الأول بادروم، والذي يمكن قراءة عنوانه بطريقتين: Badroom أي حجرة سيئة بالإنكليزية، وبَدروم، أي الشقق المكونة عادةً من حجرة واحدة والتي تقع في الدور تحت الأرضي (القبو). منذ عنوان الألبوم وغلافه إذًا، يخبرنا نيون أنه عالق، مكانيًا وزمانيًا. حتى أن أول فيديو لأغنية من الألبوم صُوِّر في حجرة واحدة لتمثل حالة الرهاب الاجتماعي الذي يعيشه نيون، فيما يبدأ الألبوم بنفس الفكرة: “ازيك؟ أنا زيك، واسمي نيون / من سنة فاتت كنت فى نفس البادروم.” على طول الأغاني السبعة للألبوم، يسعى نيون إلينا وإلى خارج غرفته هذه. يحاول كسر عزلته، وعندما لا يستطيع يدعونا إلى الانضمام إليه في البادروم.
يبدأ الألبوم بأغنية بادروم ٤ التي تجمع بين البوم باب والجاز، كأنها عالقة في الزمن عبر ارتباطها بأسلوبين موسيقيين ماتا قبل بلوغهما القرن الحادي والعشرين. يبدو استخدام الجاز في بعض اللحظات ساخرًا، إذ تتناقض الأسطر المنطلقة والغنية بالحركة للآلات النفخية مع مزج الأغنية المزدحم والضيق، الذي يوحي إلى مستمعيه برهاب الأماكن الضيقة. فوق هذه الإيقاعات الثمانيناتية من الكيك والسناير، يلقي نيون بارات يحاول خلالها التعبير عمّا يمر به. في لحظات، يحاول تعميم مشكلته لتغدو مشكلة جيل كامل: “ازيك؟ أنا زيك، واسمي نيون” أو “إحنا استحملنا حاجات كثير”، وفي لحظات أخرى يعود إلى حالته الخاصة، متحدثًا بسخط عن تحول الموسيقى إلى ملجئه الوحيد: “مدمنين مسكنات / هفضل أطلع كل الخره اللي جوايا فى تراكات.”
في مسافر سينا، يسجِّل نيون أفضل تعاوناته في الألبوم مع هشام رابتور، محافظًا على إيقاعات البوم باب، ومستمدًا عدة مجازات وتشابيه تقارب بين حالته النفسية والرحلة إلى سينا، مثل “أنا في النفق (نفق الشهيد أحمد حمدي الذي يربط سينا بباقي مصر)” أو “مسكتناش فبيكتبوا أسامينا / بقولك إيه؟ تعالى أهينك (التي قد تشير إلى كمائن الجيش على الطريق)”. يختتم الألبوم بأغنية طاير، التي يتحول فيها نيون إلى التراب دون التخلي عن أسلوبه الذي يحضر باستخدام عينات إلكترونية عريضة تسيطر على التوزيع. في عدة مقاطع من طاير، لا نعرف هل يخاطب نيون المستمع أم نفسه، وعلى الحالتين يبقى مزاج الأغنية محبطًا ومثقلًا وبعيدًا عن الطيران: “ومش إنت مركز كل الكون / في ناس تانيه بردو بتلمع / مش كل مرة جوا الجون / لو زعلان عادي إولع” و”لا طايل السما / ولا طايل الأرض / طاير في الهوا / طاير في صمت.”
في أغانٍ مثل سليم سحاب وخصوم، يترك نيون أسلوبه الشخصي والمميز في الكتابة، ويتجه نحو التبجح والتكسير، لكن أسطره اللاسعة تعجز عن مجاراة ملوك التبجح في ساحة الراب المصري كـ أبيوسف ومروان موسى ومروان بابلو وسواهم. هذه التراكات ليست ضعيفة، إلا أنها تخسر الكثير مما يميز نيون، ولا تستفيد على أفضل وجه من الرابرز الذين يسجل معهم.
يظل سلاح نيون الأقوى على طول الألبوم هو امتلاكه صوتًا يسهل تمييزه وفصله عن باقي الراب المصري، حيث لا يهمه مواكبة ترندات التراب العالمية، يقول ذلك صراحةً في مسافر سينا: “لقيت كله يوو يوو واي سكرررت / عيال شعرها ملون كله بيجاري الترند.” قد يكون مستواه في المزج لا يزال بحاجة إلى التطوير والصقل، إذ يحشر معظم الأصوات في مركز التراك، إلا أن أسلوبه في الإنتاج وذوقه في اختيار الإيقاعات والعينات الصوتية يبقى حاضرًا. قد لا يكون إلقاؤه الأكثر ديناميكيةً وانطلاقًا في المشهد، لكنه منسجم مع الحالة النفسية التي يحاكيها باستمرار، وهو إلقاء وتدفق تستطيع تمييز أنه خاص بنيون من أول ثلاثين ثانية في أي تراك. كذلك أسلوبه التهكمي السوداوي في الكتابة، يعتمد على صدقه ومباشرته أكثر من اعتماده على التلاعبات والخدع الكلامية. في نهاية المطاف، استطاع نيون استخراج ألبومٍ جيد كهذا من غرفته السيئة، وفي هذه المرحلة المبكرة من مسيرته هذا أكثر من كافٍ.