.
في ظل فقر البوب الكبير مؤخرًا وندرة إصدارات مؤثرة ترتقي مستقبلًا للمرتبة الكلاسيكية، يأتي ألبوم تشارلي إكس سي إكس، برات، ليحتل تريند الصيف، مغرقًا تيك توك وإنستجرام بسلسلة من الفيديوهات والفلاتر. زادت شعبية الألبوم بين الإيجاب والسلب عند تبني مرشحة الحزب الديموقراطي كمالا هاريس جماليات برات في حملتها الانتخابية بعد تويتة تشارلي إكس سي إكس “كمالا إيز برات.”
برات مصطلح استحدثته تشارلي، لا يختلف كثيرًا عن مصطلح هوت جيرل سامر الذي أطلقته ميجان زي ستاليون منذ خمس سنوات؛ الفتاة المرحة التي لا تعبأ بشيء، على سجيتها وتريد فقط أن تقضي وقتًا لطيفًا وتحفّل. رغم اقتران المصطلح بوصف الطفل المدلل، فما يميّز برات لدى تشارلي هو عنصري التشتت والفوضى، إضافةً إلى أنها “ربما تقول بعض الأشياء الغبية في بعض الأحيان.” يعبّر ألبوم برات عن تلك الحالة على المستوى البصري المتمثل في غلاف بسيط أخضر وخط رديء، على أغلب الظن جرى تنفيذه في بضع دقائق.
موسيقى الألبوم وكلماته خفيفة وصيفية ذات تأثير مؤقت، قادرة على تغطية موسم قصير، قد تعلق لمدة قصيرة مع المستمعين وتغرق السوشال ميديا وبالفعل تتصدر إصدارات البوب. ما يميّز الألبوم هو فقر ما حوله وليس جودته التي بدت شبه معدومة. لجأت تشارلي إلى مزيج من أصوات الهايبربوب، لم تحد عن أصوات إيه.جي كوك وسوفي، وأعادت صياغتها في معظم تراكات الألبوم على إيقاع فور أُون ذَ فلور ليظهر الألبوم أكثر استساغة من إصداراتها السابقة مثل تشارلي وبوب ٢.
الغريب في الأمر هو انحراف تشارلي إلى ذلك الخط السهل، فجمهورها كبير وقد تعوّد على موسيقى أكثر إثارة وتحدٍّ وذات قدر لا بأس به من التجريب في السابق، بالتالي هي ليست في حاجة التبسيط. ربما في ظل هوس الثقافة الجماهيرية بتصنيف البشر على حسب فئتهم العمرية، بصرف النظر عن الثقافة أو المنشأ أو الطبقة ووصول الأمر إلى هذا الاختزال الليبرالي، أرادت تشارلي التأقلم على “ما يريده الجيل زد” واستهلاكه لمحتوًى بسيط وسريع.
رغم احتوائه على بعض اللحظات الجذابة مثل في فون داتش، والتي وصلت إلى أفضلها في التراك الإضافي مع بيلي آيليش، افتقر الإصدار إلى البانشلاينز المطلوبة التي تواجدت بقدر ما في إصداراتها السابقة، كما بقى مدى صوتها محدودًا. إنتاجيًا اقتصر الأمر على أخذ موسيقى كراش وتبسيطها على إيقاع رتيب وطبقات سنث قليلة.
يعكس برات حالة البوب والموسيقى الإلكترونية الراقصة مؤخرًا، الاستسهال وعدم الاكتراث وطغيان شكل الإديتس والتراكات السريعة العابرة في الموسيقى الراقصة. إضافةً إلى الاهتمام بالشكل والصورة أكثر من الموسيقى وانعدام الحس النقدي والنقد الذاتي، الاستسلام للضغط المجتمعي للإعجاب بكل ذلك، بل والشعور بالاستحقاق تجاه كل ذلك. ما يؤكد على ذلك هو تعاطي الصحافة الموسيقية الاحتفائي تجاه الألبوم، كما لو كان لسان حالهم هو محاولة إقناع أنفسهم أنه ما زال هناك موسيقى بوب جيّدة، لكن الحقيقة هو أن السقف بات منخفضًا.
نجاح الألبوم جماهيريًا متوقع، فقد اعتمدت تشارلي بالفعل على الفرقعة وتصدير الشكل لملء الفراغ الموسيقي في الألبوم، ولم يتطلب اللعب على المشاعر المقترنة بـ “غير الكول الآن هو الكول” مجهودًا كبيرًا. لا يجب أن نكترث كثيرًا للإنتاج الجيد، لا يجب التجديد وطرح أسئلة كثيرة حول ما يمكن معالجته أو حتى تصوّره أو الطموح إليه، طالما من الممكن أن نبذل أقل مجهود ممكن، ونلجأ إلى الهروب والإسراف في الملذات بشكل شديد الفردانية. مش عايزين دوشة، مش عايزين وجع دماغ، عايزين برات.
تكتمل جماليات تشارلي كليًا عند إسقاطها سياسيًا. بالفعل تتماشى عقلية تشارلي في ألبومها الجديد مع الواقع السياسي، فليس هناك شيءٌ أكثر كرينجًا وعارًا من دعمها لكمالا هاريس، بل وقبول حملة كمالا لتويتة تشارلي وتصديقهم على أن كمالا برات. بذلك يصل الواقع السياسي لأكثر دولة تأثيرًا في العالم إلى القاع بين جماليات ميمز خضراء، بيبي ذَ فروج المتهالك بين مؤيدي اليمين الأمريكي في مواجهة كمالا برات التي تعد امتدادًا لهيلاري كلينتون ونسويّتها البيضاء العنصرية والداعمة للإبادة، تمثيل معبّر للغاية عن الواقع الليبرالي وانسحاق الملايين له.