نظرة على مهرجان برلين آتونال ٢٠٢١

بعد عامين من التوقف عاد مهرجان برلين آتونال في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، في مجمّع كرافتفرك. يشهد المهرجان معرض ميتابوليك ريفت الذي يضم ما يقرب من ثلاثين فنانًا حول العالم، بالإضافة إلى ستة أيام من العروض الحية في كلَب تريزور لثمانية عشر فنانًا.

اعتمد المعرض على استغلال خنادق كرافتفرك وأدواره وغرفه المختلفة إضافةً إلى مساحاتها الشاسعة المفتوحة، لينجح القائمون في خلق تجربة سمعية بصرية غامرة، في مبنًى كان في الأصل محطة كهرباء لبرلين الشرقية. ربما يلخّص العمل الأول للمنتجة بان دايجينج تجربة المعرض، حيث يضل الزوار طريقهم وسط كتلة صوتية من الموجات في فضاء من الإضاءة الخافتة. 

يبدأ المعرض في عمق المبنى ويعتمد تجهيز المنتجة الصينية الصوتي متعدد القنوات على أصوات كورالية ذات طبقات مختلفة تتداخل في بعضها البعض وسط ضباب يكثّف من طاقة العمل المشتتة. تستمر تجربة المعرض ككل ما يقرب من الساعة ونصف ومن أهم تجهيزاته لوحات فنية سايكدلية لواحدة من الرواد الأوائل في الفنون الرقمية، ليليان شفارتز. أنتجت الفنانة وهي في تسعيناتها، من فراشها، رسومات فاقعة الألوان وهندسية الأشكال، يعرضها المهرجان من خلال فيديوهات ذات حركات متقطعة (stop motion).

سيبريان جييار مع هيروجليفيك بيينج

واحد من أكثر الأعمال المبهرة، والتي تشغل أكبر مساحة من المعرض، تجهيز حركي ضخم من دمية بالونية راقصة للفنان الفرنسي سيبريان جييار. يعكس العمل المفاهيمي ذو الجماليات المتكاملة توقّف النشاط الموسيقي في المساحات العامة أثناء فترة الوباء، حيث ترقص الدمية وتتمايل بحركات عشوائية وهي ثابتة في مكانها ترافقها موسيقى راقصة ترج المكان بالسَب بايس للمنتج هيروجليفيك بيينج.

كما يتعاون المنتج ساسو ريباتي (فلاديسلاف ديلاي) مع معمل آدميكو في تجهيز سمعي بصري متعدد القنوات يرصد بصريًا مراحل تشكّل وتطور خلايا فردية إلى كائن متعدد الخلايا ومنظومة بيولوجية معقدة. تذكرنا الموسيقى المحيطة بأجواء ألبوم راكا الضوضائية ومشاهده الصوتية المتداخلة.

في الدور الأرضي ضم المعرض أعمالًا عديدة كان من أبرزها تجهيز لايرا براموك مع إم إف أو. يصوّر العمل حفلات رايف السيارات، حيث يجد الزائر نفسه في جراج مسكون محاطًا بأربع سيارات محطّمة تهتز ويغلفها الدخان، ويصدر من صناديقها الخلفية أطياف من الموسيقى الراقصة والضجيجية وصوت لايرا وقد مُحيت معالمها تمامًا. يخلق التجهيز المتهالك حسًا غامضًا، يختبر المستمع / المشاهد خلاله ذكرياته عن الحفلات أو ما بقي منها وقد تحولت إلى أشباح يستحضرها من حين إلى آخر. 

لايرا براموك مع إم إف أو | تصوير هيلجي موندت

يحتل المنتجان آهو سان وجوزيف كامارو مركز كرافتفرك بتجهيز صوتي متعدد القنوات يرج المكان؛ ويمكن لمتابعي المنتجيْن تمييز إسهام كل منهما في هذا التعاون المتماسك. مقطوعة غامرة من درون وأصوات سنث تفتيتية تتعارك مع بعضها البعض، وغنية بأنسجة صوتية حادة في واحد من أفضل العروض الصوتية التي سمعتها منذ فترة. في المجمل كانت تلك أكثر الأعمال التي جذبتني. 

تجربة ميتابوليك ريفت موفّقة بشكل عام وإن كان ينقصها بعض الإضاءة لكسر حدة الظلام المسيطر، وللتعرف بشكل أفضل على وصف الأعمال وأسامي الفنانين المرافقة، بالإضافة إلى عدم توافر خريطة أو دليل للمعرض أثناء الزيارة.

شمل افتتاح عروض المهرجان الحية، كل من بيريلا وزيور وتيم هيكر. غاصت بيريلا في منطقة داكنة تختلف تمامًا عن أعمالها المحيطة في السابق، بالإضافة إلى أداء راقص كان مملًا بعض الشيء. أما عرض زيور فكان حرفيًا ومليئًا بالطاقة معتمدًا على وصلة حية ممزوجة بحرفية على أربعة سي دي جي. 

كان تيم هكر الأكثر إثارة في الافتتاح، حيث قدّم وصلة درون تتخللها مقاطع نغمية بطيئة مشحونة عاطفيًا. على مدار ساعة وسط ألحان أثيرية متغيّرة نجح هكر في أسر المستمعين في حالة من الثبات. بلغ العرض قمة جماله عند تسلسل كوردات طويل المدى شبيه بخاتمة تراك فايلت مونيومنتل، ليذكرنا بأن ألبومه لاف ستريمز كان بالفعل واحدًا من أفضل ألبومات العقد الماضي.

تيم هكر | تصوير هيلجي موندت

يستمر المعرض حتى الثلاثين من الشهر الحالي، بالإضافة إلى عروض حية تشمل سبايس أفريكا وفلاديسلاف ديلاي وكاترينا باربييري وعبد الله منياوي، مع كارل جاري ونيكيسي وآخرين.