.
تحمست حال رؤية المواد الترويجية لألبوم ليجي-سي الأخير، بلاسيبو، التي أوحت بعمل مفاهيمي ذو رؤية موحدة وتصور مترابط. يستعير غلاف الألبوم ثيمة مشابهة من الأيقونة السينمائية ذَ ماتريكس، حيث يقف ليجي-سي داخل غرفة زجاجية منقسمة إلى نصفين، أزرق وأحمر. في صور أخرى على حساب الإنستجرام نراه يحمل بيده قرصين، ما يضيف طبقة أكثر غموضًا لسردية الألبوم، المُنتج بالتعاون بين تحالف باد إنفستمنت وشركة الإنتاج الفني تكوين.
أشار الغلاف الدعائي أن الألبوم يأتي في تركيبة وبنية غير تقليدية، منقسمًا إلى ثلاثة فصول، يحصل كلّ منها على موعد إصدار مختلف على مدار ثلاثة أسابيع. استراتيجية إصدار غير مسبوقة أضافت الكثير من الترقب حول العمل وبشرت بإنتاج مدروس.
يعرف البلاسيبو بأنه دواء وهمي لا يحتوي على قيمة علاجية حقيقية، لكنه يسبب تحسنًا في الحالة الجسدية أو النفسية. يكتسب المصطلح هنا أهمية مجازية في سياق تطور ليجي-سي الفني، بالمقارنة مع إصداره السابق أجزخانة الذي احتوى على ثيمة مشابهة بعنوانه وأسماء التراكات، مثل بيتادين وكمادات وروشتة، ليأتي بلاسيبو كاستمرار أكثر تعقيدًا وتطورًا.
يوحي تجاور الألبومين بسرد مقنع لحالة من النمو الشخصي. ربما يعني الاختيار المتعمد لعنوان الألبوم استكشاف ليجي-سي للقوة التحويلية للفن، كما لو أن شخصيته الفنية قد شهدت تحولًا إيجابيًا، أقرب إلى الشفاء المجازي الذي قدّمه في أجزخانة.
يستهل ليجي-سي الألبوم بتراك بكام الذي يؤسس لجو من الصدى الصوتي، مستخدمًا عناصر صوت أثيرية تعد برحلة صوتية غامرة ومثيرة، في حين يغرق صوت ليجي-سي المعزز الأوتوتيون بداخلها وسط تأثيرات كثيفة من الريفرب والديلاي. يعبر ليجي-سي إلى التراك التالي في سلاسة باستخدام نفس البنية الصوتية وتكرار نفس اللازمة في كليهما، مع تطور في منتصف التراك الثاني بوليتبرووف بفيرس محكم فوق إيقاعات بوم باب.
يتمسك ليجي-سي بصوته المعتاد الذي وضع بصمته عليه منذ اتنين بليل، مقلصًا الفوارق بين الراب والآر أند بي باستخدامه المتوازن الأوتوتيون، وبالاعتماد على عينات من الجيتار الكهربي والكمنجة كعمود فقري للبيت، مع إيقاعات درَمز رقيقة تعطي مساحة لصوته ليلعب دور البطولة. نرى ذلك في تراي بود، إذ يبدأ التراك بغمغمة خفض مداها حد عدم التعرف على الكلمات، لتقطعها كيك متسارعة. يهدأ البيت بعدها معتمدًا على عينة جيتار كالمقوّم الأساسي في خلفية التراك، ليلقي ليجي-سي بارات قصيرة بدون سياق واضح.
يفصح الفصل الأول عن أفضل تراكاته مع دخول زيرو إف، باللازمة المعدّة لتلتصق بالأذن حال سماعها. يتحدث ليجي-سي في ثقة عن عدم اكتراثه بالتدفقات اللحنية، على بيت رقيق وحالم، ملقيًا فوقه بارات ذكية بقوافٍ متقنة لا تخلو من تلاعبات لفظية ذكية: “عمري دماغي دي ما صدت / عمر دماغك دي ما صدت.”
مع دخول الفصل الثاني تتضح الصورة أكثر ونتلقى من ليجي-سي ما يعطيه عادهً، موسيقى منتجة بعناية ومفعمة بالأسلوب، تأتي هنا أكثر تعقيدًا من الناحية التقنية. يمثل الإنتاج أكثر نقاط الألبوم قوة، حيث تتخلله عناصر إلكترونية مشبّعة بطبقات سنث عميقة، تبرز تطور ليجي-سي موسيقيًا وترسخ أسلوبه الصوتي عبر الألبوم.
لا نشعر بانفصال في الوحدة الصوتية في التراكات التي أنتجها بولي براه وتووليت، ما يوضح الرؤية المتماسكة للعمل ككل عبر توظيف عناصر وخيارات صوتية انتقائية، مع إعطاء مساحات واسعة للموسيقى بدون اعتراض من صوت ليجي-سي كما في كوبي كاتس، الذي يشغل صوت ليجي-سي فيه أكثر بقليل من نصف مدة التراك.
يأتي تووليت لإضفاء الحماسة للفصل الثاني في تراك من إنتاجه، ببيت ثقيل معبأ بالسنث والأورج الصاخب، يلقي فوقه بارات مركزة بفلوهات حادة وصوت خشن. يدفع البيت الصاخب ليجي-سي لمجاراة أداء تووليت، ليأتي على قدر التحدي بفيرس قوي يعطينا جرعة أخرى من قدرته التقنية. ثنائية ديناميكية بين الاثنين تقدم لنا واحدًا من أفضل تراكات الألبوم، شهدناها سابقًا في تراك أنونيموس الذي صدر في أول ألبومات توو ليت مطلع العام الماضي.
نحو منتصف الألبوم بدا أن ليجي-سي قرر الانغماس في الأسلوب على حساب التجريب، إذ لا يقدم الكثير من المفاجآت على الصعيد الصوتي. تأتي محاولات التجريب مقتصرة فقط على البنى غير التقليدية لبعض التراكات كما في التراك المعنون للألبوم بلاسيبو، الذي يحتوي فقط على كورس مكرر فوق بيت ذو طبقات سنث غامرة، بينما تلعب الموسيقى الدور الأكبر في التراك وتمتزج بصوت ليجي-سي المشبع بالديلاي.
تشير الهوية البصرية للألبوم بتنقل بين درجات الأزرق الهادئة في الفصل الأول، إلى كثافة الأحمر الداكنة في الفصل الثاني، فقط ليعود إلى أعماق اللون الأزرق في الثالث. ربما أتت محاولة ليجي-سي في ترجمة تلك التحولات موسيقيًا قاصرة في أول فصلين، دون تطور واضح في سياق التراكات حتى بداية الفصل الثالث، الذي يأخذ صوت ليجي-سي فيه منعطفًا أكثر شخصية وعاطفية، بكلمات ذات نبرة تأملية تعكس ما بداخله.
في تراك ٩٩، يتأمل ليجي-سي نقطة ارتكاز تعيده إليها كلما حاول المضي قدمًا، كأنما يدور في حلقة مفرغة نقطة بدايتها مرآةُ لنقطة انتهائها. تتضح تلك الحالة من الثبات أكثر مع دخول التراك التالي، لما تغيبي، حيث نتبين أصداء أغنية بوب مصرية من مطلع الألفية، كأنما أعيد إنتاجها بعناصر أكثر تطورًا لتناسب المزاج العام للألبوم.
تأتي في الجليد لتذكرنا بليجي-سي قديم، عهدناه سابقًا في تراكات مثل بيتادين ومفيش مانع، لترسخ لتلك الحالة من العودة إلى المركز. يقود الجيتار الكهربي البيت مصحوبًا بعوامل سنث خفيفة، مع بايس كثيف. يطفو ليجي-سي فوق تلك العناصر بصوت مشحون بالمشاعر ليأخذنا في رحلة تأملية إلى ماضيه، وإلى ماضينا أيضًا.
بلاسيبو هو أول إصدار طويل في مسيرة ليجي-سي، ويمكن القول إنه أكثر أعماله إتقانًا على الصعيد الانتاجي والتصوري. تثمر تجربة الاستماع كاملة ألبومًا محكمًا ذي إنتاج محبوك. الهندسة الصوتية من الناصر وشريف عبد المجيد هي من أفضل ما شهدناه في السين المصري في السنوات الأخيرة، وقدرات ليجي-سي على توظيف العناصر الصوتية لوضع سياق موسيقي مترابط ناجحة إلى حد كبير. ربما احتاج الألبوم إلى إعادة ترتيب لتراكات أول فصلين لتغطية ثيماته بفعالية أكبر، لكن الألبوم بالتأكيد يرسخ لأسلوب ليجي-سي ويعمق تأثيره في المشهد.