الملف

هندو-عربي | بليغ حمدي ومجيد خان

ياسر عبد الله ۱۷/۰۳/۲۰۱۸

https://soundcloud.com/ma3azef/sets/tl07axni0pg9/s-IuWzj

في القاهرة ربيع ١٩٣٢، بعد شهور قليلة من مولد بليغ حمدي في أكتوبر ١٩٣١، وضع إبراهيم شفيق رئيس نقابة ومعهد الموسيقى الشرقي تقريرًا فنيًا بشأن الموسيقى الهندية، لتقديمه في المؤتمر الأول للموسيقى العربية المنعقد آنذاك. استحضر معه أسطوانات هندية وتناول اﻵﻻت الهندية التي يمكن إدماجها في الموسيقى الشرقية مثل المزراب ستار وهي نوع من القيثار والصرانجي وهي قريبة من الفرانشيل كما كتب مراسل جريدة الصباح برسم كلمات يخلط فيه بين اﻵﻻت.[Mtooltip description=” كتاب فيكتور سحاب عن مؤتمر الموسيقى العربية اﻷول القاهرة ١٩٣٢، الدار العالمية للكتاب، ص١٥٧” /]

بعد سبعة وعشرين عاماً، في صيف ١٩٥٩ عندما كان بليغ حمدي يخطو خطواته اﻷولى نحو النجاح الجماهيري، قبل ظهور لحنه اﻷول بصوت أم كلثوم في العام التالي، شاهد مثل آﻻف المصريين مدام شوشو وهي تؤدي لحنًا هنديًا على الماندولين في الفيلم الكوميدي إسماعيل ياسين بوليس سري، وبعد عقد كامل من أغانٍ ناجحة جماهيريًا وتعاونات مثمرة مع الست ساعد خلالها هو وعبد الوهاب في صياغة اﻷغنية الكلثومية الشعبية ما بعد ١٩٦٤ المختلفة فنيًا عن الكلثوميات السابقة، أنتج بليغ حمدي نسخته الهندية الكوميدية الخاصة في فيلم أضواء المدينة، حيث غنى سمير غانم بطريقة الدوبلاج مقطعًا هنديًا مزيفًا راجي راجي مهراجا أميرة أميراي” ليرد عليه كورال الراقصات بمقطع تركي مزيف آمان آمان آمان جانم يالاللي أمان، في لوحة راقصة ﻻ هي هندية وﻻ تركية لكننا نلمح فيها ملامح الدمج بين عناصر هندية وعناصر تراثية عربية حتى لو وُصفت بالعثمانية حسب الخلط الشائع.

بعد عشر سنوات قدم بليغ حمدي مزجًا هنديًا جادًا غير كوميدي في تجربة منسية مع عازف السيتار مجيد خان الذي استمع له حين زار القاهرة، في تجربة موسيقية صدرت على أسطوانة ٣٣ لفة في باريس بعنوان Indo-Arabic variations. تنقسم اﻷسطوانة التي لحنها بليغ بأكملها إلى ست مقطوعات، في المقطوعة اﻷولى المسماة جزائرية، ربما إهداءً لوردة، يفتتح بليغ اللحن بجملة راقصة مميزة يتبعها صولوهات من السيتار أولًا ثم الناي والكمان والقانون مع استمرار الإيقاع في حوار متبادل ما بين الناي المصري والسيتار الهندي والكمان والقانون واﻷكورديون. يتبدل شجن جمل الصولوهات والحوار مع الإيقاع الراقص، لكنه وعلى غير عادة بليغ ليس إيقاعًا زاعقًا وﻻ صاخبًا، هو خلفية لصولوهات شجية. يستمر الحوار حتى ينضم له جيتار كهربي شرقي سبق أن استخدمه بليغ في كثير من اﻷلحان، ويتبادل الحوار مع السيتار لتختتم المقطوعة باللازمة الموسيقية مؤداة من اﻵﻻت جميعًا.

مثل الأولى تعتمد المقطوعة الثانية، صحرا، على الحوار بين الصولوهات لكن هذه المرة مع صخب الإيقاعات الراقصة المتبادلة ما بين إيقاعات عربية وهندية. يعود بليغ إلى صخبه المحبب له في المقطوعة الثانية بصورة تشوش فكرة الحوار اﻷوضح في المقطوعة الأولى. أما المقطوعة الثالثة، الشرق، فتفتح بإيقاع راقص يلعب على ثيمة لحنية من أغنية مداح القمر تمر بشكل عابر، ويتأخر السيتار في الاشتباك مع اللحن حتى الدقيقة الثانية ثم تتابع صولوهات اﻵﻻت بنفس الفكرة في المقطوعتين السابقتين. أما في المطقوعة الرابعة، ﻻهور، ينفرد السيتار بلحن يستعيد أجواء الراجات الهندية وﻻ يشتبك معه آﻻت أخرى حتى الدقيقة الثانية، فيدخل الكيبورد بصولو ليجيبه السيتار مع خلفية إيقاعية مستمرة حتى ختام المقطوعة المقسومة ما بين سيتار وكيبورد. في المقطوعة الخامسة الناي، يغلب الإيقاع على صوت اﻵﻻت المنفردة في حوار متصاعد ينتهي بتوظيف بليغ لموسيقى الموالد المصرية في منتصف المقطوعة تمامًا، ليحتل صوت الناي المتشبه بنايات حلقات المنشدين في الموالد في إيقاع راقص واجهة الموسيقى، في مزيج غريب ما بين السيتار وحالة المولد المصرية التي يحبها بليغ. المقطوعة السادسة، مجنونة، تبدأ فيها آﻻت الإيقاع، طبلة ورق، ثم يتبعها السيتار، ثم يلحقه القانون بعد الدقيقة اﻷولى في حوار تتابعي مثل كل مقطوعات الأسطوانة.

ربما كانت تلك التجربة الفريدة في المزج، مبينة لحدود مزج الموسيقى عند بليغ حمدي نفسه، فالمزج عنده تبادلي بين صولوهات اﻵﻻت، وباستثناء المقطوعة اﻷولى، ﻻ تبدو آثار الصنعة الموسيقية واضحة في المقطوعات اﻷخرى سوى الخامسة التي يصل فيها بليغ لذورة حالة المولد المحببة له، لكنها رغم كل ذلك، تبقى تجربة فريدة ومنسية وكاشفة.

المزيـــد علــى معـــازف