أجنبي جديد

الاحتفاء بمتعة الحياة فعل سياسي | تأملات في الراب الحديث

معازف ۲۰/۰٤/۲۰۱٦

اقترح المقال فادي حيدر وترجمته أميرة المصري. كتب المقال بول مكجّي وظهر على بويلر روم.


وجدت نفسي الشهر الماضي وسط نقاش مطول على فيسبوك، كما يحدث كثيراً، عن موضوع الاستيلاء الثقافي الذي يدمنه المنظّرون. سرعان ما انحرف الحديث ليتناول حال الهيب هوب في يومنا هذا بشكل عام، وأخذ أحد المشاركين يوغل في تعبيره عن دهشته من أي شخص في كامل قواه العقليةيدافع عن الموسيقى بشكلها الحالي. لم تكن هذه أول مرة أسمع فيها هذه الاسطوانة، وبما أنني استمعت للراب طول سنوات رشدي، وأنا الآن أقدم من التراب، أخذت الأمر كنوع من التحدي.

من خبرتي وجدت أن هذا الرأي يتبع عادة نمطًا مألوفًا من الحجج؛ الرابرز الجدد لا يقولون أي شيء، هم لا يعرفون كيف الراب من الأصل، إيقاعاتهم زبالة، لا يوجد ما يكفي من البوم-باب[Mtooltip description=” boom-bap” /] القديم، بناطيلهم ضيقة (ثم لحظة، هل يرتدي هذا الشاب فستانًا؟)، كلها تشبه بعضها، إلخ إلخ – يعني كلام جدي وجدك. والخلاصة عادة هي أن أكبر مشاكل موسيقى الراب الآن تكمن في أن معظمه لا يشبه الراب قبل ٢٥ أو ٣٠ عامًا مضت. الرد الواضح على هذا هو: ولم ينبغي أن تشبهها أصلًا؟

استرجعت هذا النقاش في ذهني مجددًا منذ أسبوع تقريبًا وأنا أستمع إلى SremmLife، أول ألبوم يصدر لفريق Rae Sremmurd، ثنائي من المراهقين الحمقى اختاروا اسمًا يستحيل نطقه من خلال عكس حروف اسم شركة الإنتاج والتسجيل التي يملكها مايك ويل، معلمهما وشامانهما [Mtooltip description=” من Shaman” /]. أصدر هذان الاثنان ألبومًا قد يكون نموذجاً للراب الذي يثير سخط أصوليي عناصر الهيب هوب الأربعة[Mtooltip description=” عناصر ثقافة الهيب هوب المتعارف عليها: الراب، والتلاعب بالأصوات والأسطوانات (turntablism and DJing)، البريك دانس، وأخيرًا فن الغرافيتي. (المترجمة)” /] ويربكهم لأبعد حد في نفس الوقت، فهو حافل بأغانٍ عن السكر والمخدرات، وشم البودرة من فوق أجساد المتعريات، وتعليق الفتيات، والانبساط بشكل عام. تتغير سرعة الإيقاع أحيانًا من خلال محاولات لاستعراض العضلات مثل دريك، لكن في معظم الأحيان يبلغ مستوى الطاقة حدوده سريعًا ولا يتعداها. هي موسيقى عن الاستمتاع بالوقت طوال الوقت، وقد صنعت خصيصًا لهذا الغرض تحديدًا. ومع ذلك يستاء كثير من الناس، بل ويغضبون حتى، من مجرد فكرة وجود موسيقى كتلك. سنتطرق إلى ذلك لاحقًا.

ماذا عن صوت الألبوم؟ حتى لو فاتك سماع الأغنيتين الشهيرتين جدًا No Flex Zone وNo Type، فإن معظم موسيقى الألبوم مألوفة بلا شك لأي متابع جاد للراب على مدى الثلاث أو أربع سنوات الأخيرة. لو أردت أن تختزل الأمر يمكنك أن تقسّمه كما يلي: خذ بضع سمات سطحية من أسلوب ينغ ثغ[Mtooltip description=” Young Thug” /] مع استبعاد الجوانب الأكثر جنوناً واستبدالها بقليل من فلسفة ليل بي، ثم أضف عليها أساسيات سيطرة[Mtooltip description=” ترجمنا Swag كـ سيطرة والتي هي كلمة مستخدمة في العامة المصرية لتدل على السواج، وسنعتمد هذه الترجمة من الآن فصاعداً” /] سولجا بوي يصاحبها صوت سافر من مكس تايبس إلى إذاعات بوب عالمية في سنوات قليلة. أخيرًا، ضع في الواجهة زوجاً من المراهقين المبتدئين الفائضين بالحماس، على غرار كريس كروس لكن مع زيادة الحشيش والاكستاسي وماركة هيني بدلًا من موضة الملابس القديمة. أو ربما كيد ن بلاي جديد مستبدلًا الضفائر الصغيرة بقصة الكابوريا القديمة. بل هناك فكرة أفضل – دع سواي لي وسليم جيمي[Mtooltip description=” أعضاء Rae Sremmurd” /] يقومان ببطولة نسخة جديدة من فيلم هاوس بارتي. يمكنك أن تأخذ هذه الأخيرة دون مقابل.

ولأن الألبوم قد صمم في ما يبدو تحديدًا بغرض استعراض ضخامة الإنتاج في أبلغ صورها، لا مفر على الأرجح من أن يرى بعض الزهاد الأصوليين أن نجاح SremmLife دليل آخر على ابتعاد الهيب هوب عن جذوره حتمياً وبلا رجعة. لكن أين تقع تلك الجذور تحديدًا؟ إن كنت من الناس الذين تعرفوا على الراب قبل ظهور بابليك انيمي واتساع نطاق إمكانيات هذه الموسيقى، أو لو كنت ما زلت تلتزم بتعريف تشك دي للراب على أنه سي إن إن السود” (حتى في عصر دون ليمون؟)، فهو على الأرجح حسب تصورك لطالما كان مدفوعًا بوازع ثوري ما. لكن هذه الرؤية تعتمد على منظور رجعي متورد يتغاضى عن أصول راب الرسالة،النوع الفرعي الذي ظهر لا كرد فعل مديني ساخط وتلقائي، بل كمحاولة انتهازية من قبل الدعاة المحليين أو المسؤولين البارزين للاستفادة ماديًا من هوسالراب وخطف أنظار الشباب أثناء ذلك، أو كمجرد تكتيك تسويقي كلاسيكي.

وفي حين أن بعض النقاد الموسيقيين المهووسين بنتاج فترة معينة [Mtooltip description=” يقصد المؤلف مقاربة مع ذواقة النبيذ” /] قد يصرحون قطعًا بأن الرسالة أصبحت نقطة محورية عندما بدأ الراب يتحدث عن مواضيع عميقة وذات معنى تتعلق بالشأن العالمي بدلًا من الاكتفاء بترديد كلمات أوتيل، موتيل، هوليداي إنإلا أنهم سيتناسون على الأغلب محاولة سيلفيا روبينسن – زعيمة شركة شوغر هيل للإنتاج – عندما فشلت في إرغام جراند ماستر فلاش آند ذا فيوريس فايف على تسجيلها (ميل ميل هو العضو الوحيد الذي ظهر في الاسطوانة). كانت روبينسن قد لاحظت أن جمهور موسيقى البانك والنيو ويف قد بدأ يقترب من الراب بحذر بعد مباركة فرق مؤثرة مثل ذا كلاش وبلوندي، ولقد قدرت حينها – وصح التقدير كما اتضح لاحقًا – أن الموسيقى قد تستفيد من كلمات أكثر حدة والتي من شأنها جذب جمهور واسع يطلق إمكانياتها التجارية المربحة.

لكن ما حدث هو أن الفرق التي التقطت الكرة في هذه التمريرة تحديدًا وانطلقت بها — بابلك إنيمي وبراند نوبيان وإكس كلان إلخ — كان على الهامش. ظلوا شاذين عن القاعدة رغم نجاحهم، لكن صغر سوق الراب حينها ضخم أهميتهم، وساعدهم الناقدين الذين استحوذ على تفكيرهم مفهوم الهيب هوب كصوت أصيل لصراع المدينة الداخلي على حساب أي شيء آخر كانت الموسيقى تقدمه. أما الآن وقد وصلت الراب شعبية تجعلها قريبة من البوب دون أن تكون بوب، ودون أن تكون ليست بوب إيضاً، يخرج قسم من هذه الجماعة الاسطوانة المعتادة عن شرّ الشركات التجارية لتدعيم حجتهم، ويقومون روتينياً بقفزات استنتاج غير منطقية تفيد بأن فنانين مثل راي سرمرد أو ليل بي أو سولجا بوي أو أي شخص آخر استسلم للجماليات القائمة على السيطرةيعتمد نجاحه على جمهور عديم التمييز، يهوى التلقين ولا يعرف مصلحته.

هؤلاء الذين يعطون قيمة أكبر لدراسات ثقافية تدور حول الحنين إلى الماضي مما يعطون للتطور الفعلي، يصرون على أن هذا النوع من الموسيقى غير جدير بالاستماع والاستمتاع من قبل أي شخص في كامل قواه العقلية، إلا على سبيل المفارقة والسخرية. لا يكترثون أن محتواها معظمه غريب وخارج عن السائد على نحو بديع ويكاد يكون طليعياً في الكثير من الأحيان (ولا أن صوت طبل الـبايس في أغنية كرانك دات لـ سولجا بوي كان يمكن رفعه كما هو من Rip the Cut لـ سكيني بويز). دعنا من احتمال أن تكون هناك قيمة حقيقية، قائمة بذاتها ولذاتها، في إنتاج شباب سود للموسيقى التي يريدون الاستماع إليها ويخوَتون عليها، فقط لأن لا أحد آخر تكلف عناء صنعها. لنتجاهل حقيقة أن الراب قد بدأ كموسيقى للحفلات، وهي وظيفة لم تغب عنه قط، حتى عندما جاور الخطاب الأسود القومي المتعصب أغنية مثل Girls Ain’t Nothing But Trouble بسلاسة واستمتع الجمهور بكليهما دون أن يشعر أحد بضرورة اختيار أحدهما لما قد يعكسه هذا عنهم كأفراد.

إن كنت منزعجاً من أن مغني راب مثل إيمورتل تكنيك ما زال مغمورًا وعلى الهامش، ربما قد حان الوقت لأن تتقبل أن الأمر لا علاقة له بغسيل الأدمغة الشركاتي، وإنما بأن السواد الأعظم من جمهور الراب لم يتسن له الوقت الكافي للاطلاع على محاضرات موسيقية جافة على نهج الدراسات الثقافية. وكما يتضح من مقاطع اليوتيوب لمتظاهري فرغسن وهم يهتفون بكلمات أغاني ليل بوزي في وجه الشرطة، فإن وصف سياسيقد ينطبق على الحديث عن المكان الذي جئت منه أو كيف تمكنت من الاستمرار في حياتك، تماماً كما هو الهتاف بحمية من أجل قضية ما، أو حتى، كما في حالة Rae Sremmurd، الاحتفاء بمتعة الحياة الخالصة في وقت تسلب فيه الحياة من شباب أسود بصفة يومية. في جميع الأحوال موسيقى الراب هي موسيقى الشباب، ولطالما كانت هكذا – جميع فنانيها البارزين قدموا أفضل أعمالهم في مرحلة الشباب. وإن كان مظهر هؤلاء الفنانين وقتها كان يبدو مختلفًا، فقد يكون كذلك لأنك أنت كنت تشبههم أكثر. الراب غير ملزم على الإطلاق بعكس هموم أو قيم أو أذواق كبار السن. إما أن تقبله بشروطه أو تمضي في طريقك. وكما قال رجل حكيم مؤخراً، ليس كل شيء لكل حد.

المزيـــد علــى معـــازف