fbpx .
كلاي بي بي جي تحت الماء هيكل الحزقي معازف مراجعة klay bbj ببج
مراجعات

تحت الماء | كلاي

هيكل الحزقي ۲۰۱۸/۰۷/۱۲

عندما يطول غياب كلاي أعلم أن حدثًا جللًا سيقع بعودته. وها هو يعود منذ أيام مع تحت الماء، رابع فريستايلاته منذ إطلاق قناته الجديدة على يوتيوب التي بدأها منذ أواخر السنة الفارطة، إضافةً إلى بازوكا، كومبا، وسمرقند. بإمكاننا التعامل مع هذه الإصدارات كرباعية تتوزع على عناصر منوّعة من سردية واحدة.

تعج تحت الماء بمصطلحات وإيحاءات لها ارتباط عضوي بالواقع التونسي، وتظهر كمحصّلة أحداث توّجها كلاي بخطاب قوي على إيقاع متكرر لاذع. يقتحم كلاي بفلاش باك يتقهقر زمنيًا إلى الوراء، وتفصح الأغنية عن نبرتها منذ البداية بإشارة كلاي إلى حادثة غرق مركب المهاجرين غير الشرعيين في عرض البحر، أو ما سمي بحادثة مركب قرقنة، التي حصلت في حزيران / يونيو الفارط وراح فيها أكبر حصيلة ضحايا للهجرة السرية عبر البحر.

“ما نعرفش نعوم كيف عمر خويا أنا”

يعرج كلاي بعد ذلك على مقتل مشجع النادي الإفريقي، الشاب عمر العبيدي. وقعت القصة في أعقاب المباراة التي جمعت النادي الإفريقي بأولمبيك مدنين يوم ٣١ آذار / مارس ٢٠١٨، حيث اندلعت المواجهات بين جماهير الإفريقي والشرطة، وانتقلت من مدرجات الملعب إلى محيطه الخارجي المشارف على وادي مليان. استمرت مطاردات الشرطة للشباب الهارب، وسقط أحد المشجعين، عمر العبيدي، في الوادي الموحل تحت أعين رجال الشرطة. رغم الاستغاثات التي أطلقها، أجابه أحد رجال الشرطة ببرودة دم: “تعلّم عوم تعلّم أن تسبح“. لكن الشاب لم يكن يتقن السباحة فمات غرقًا.

حضور عمر العبيدي ليس غريبًا عن معجم كلاي الحربي، والممجد لحيه باب الجديد وفريقه المفضل النادي الإفريقي. فكلاي لطالما عبر عن انتمائه القوي للحي، متخليًا عن فكرة الوطن أو الدولة، كردة فعل على التهميش الاقتصادي وغطرسة البوليس، وكانتصار لثقافة الحيّز الجامع. سبق لكلاي في بداية رباعيته الفريستايلية مع بازوكا استعمال قاموس مماثل: “وأنا حومة ليهم متصدي كيما الصادق عتوقة” نسبة إلى الحارس الأسطوري للنادي الإفريقي الصادق عتوقة.

“يا الحنشون إيجا غرقني نهبطك شيشة تحت الماء”

يستحضر كلاي صورة غرق عمر، ويقلب الأدوار ليتوعد البوليس بمصير أشد بأسًا بهذه العبارة. الحنشون هو اسم تصغير – بغرض التهكم – من حنش، والشيشة تعني النارجيلة، لكنها تشير إلى الجنس الفموي في الاصطلاح العامي. تتكرر الجملة كلازمة على طول الأغنية، وتتشبع برمزية مضاعفة، فالحنوشة أو الأحناش هي إشارة للبوليس. درجت هذه الاستعارة في معاجم الراب منذ سنة ٢٠٠٥ مع أغنية لعباد في التركينة مع فريد الإلكسترانخيرو، والتي هاجم فيها البوليس بقوة.

في نفس الوقت، تتردد عبر مفردات اللازمة التي استعملها كلاي صدى المعاجم الكلامية التي تفيض بها جماهير المدرجات في لعبة كرة القدم في تونس. خلال السنوات الأخيرة، دأبت جماهير النادي الإفريقي على ملاسنة جماهير منافسها الأزلي الترجي التونسي بابتداع أغنية تهكمية ساخرة عنوانها: “تلعب عالشيشة تلعب، الترجي مجددًا، استخدام الشيشة مجازيًا للإشارة إلى الجنس الفموي.” يمكننا هذا التداخل من أن نتناول اللازمة من زاوية سوسيولوجيا كرة القدم التي تخضع لتشريحات مجتمعية وسياسية فريدة. فالترجي كان يمثل السلطة، وكان واجهةً قويةً للهيمنة وصلت أوجها مع الدولة البورقيبية. ردة جماهير الإفريقي كانت في تبني شعار مناقض لصيرورة الدولة المهيمنة، وذلك بابتكار مصطلح “الإفريقي فريق الشعب”. خلق التنافس أسطورة صراع أزلي بين الفريقين اللذين يتنازعان حول الكرة والمجال المديني، فباب الجديد معقل النادي الإفريقي في حين يمثل باب سويقة قلعة الترجي، عشرات الأمتار بينهما.

“حكومة تمخور للأسف الشعب راضي بيها / عايش مقهور جابها لساقيه”

يتخلى كلاي عن معجم الكرة ليشدد على عدائيته للدولة ومؤسساتها وحكوماتها بشكل أكثر مباشرةً. تذكرنا هذه النبرة بإنتاجات قديمة لكلاي، وتكاد تقع في فخ التكرار وتلامس السذاجة باستنساخها لمعجم البدايات في المتمردون ونو باساران، مختزلة نفس الإيحاءات والاستعارات، مع تضخيم انتمائه للحي بشكلٍ يحول كلاي من لامنتمي على صعيد الدولة إلى معتنق لشوفينية الأحياء.

“الناس باناشي وبنة طحين / الزب قداهشهم منيكين / رئيسهم شايب في التسعين ملا ويو على الزبي كيف ما قال ربيع بودن”

اعتمد كلاي على هذه الجملة  كلازمة ثانية للأغنية ليحررها من بنية مكررة على وقع أحادي. يكسر رتابة اعتماده الدائم على أيقونات سياسية مثيرة للجدل، ويستحضر ربيع بودن، تونسي مستقر في ألمانيا أثار جدلًا واهتمامًا واسعًا بظهوره المستمر على اليوتيوب بفيديوهات تهكمية ساخطة وناقدة للوضع التونسي بطريقة فيها الكثير من التحامل والنقد، واشتهر بلازمة مفادها: “ويو على الزبي” التي أصبحت محل تندر واسع.

“ماهو قلنا في مخي أزماتيك / أقبح من جلال بريك”

يستمر كلاي في استبعاد أصنامه الأيقونية ليحتفل بأبطال جدد. جلال بريك شخصية مثيرة للجدل أيضًا انتشرت فيديوهاته بين التونسيين منذ ٢٠١١، واكتسح وسائل التواصل الاجتماعي لاعتماده معجم شوارعي لا يتزلف ولا يتأخلق، مبديًا رأيه في كل شيء تقريبًا، من السياسة إلى علم الفلك ومباريات كرة القدم. كنا نعتقد أن هوس كلاي بأبطاله الديوجانيين  نسبة إلى ديوجان الذي بصق في وجه الاسكندر الأكبر وقال له اغرب عن شمسي، عرف كمثال عن النزق والجرأة الجدد سيستمر إلى آخر الأغنية، لكنه يكسر توقعاتنا ويستشهد بالهواري بومدين: “تحية لناسي في آلجي / بلاد بومدين الهواري” ليعود مرة أخرى – بعد ربي يحاسبكم – إلى الاعتماد على أيقونات مستهلكة. ما أحدث الفرق هنا هو رمزية إصدار كلاي للفيديو التي أراد منها أن تتزامن مع عيد الاستقلال الجزائري الموافق للخامس من تموز / يوليو كتحية إلى الجزائريين.

تحت الماء هو الفيديو الوحيد من الفريستايلات الأربعة لكلاي التي يظهر فيها خارج مجال حيه والمدينة القديمة. تكتمل رباعية كلاي منذ بازوكا التي رفع فيها السقف عاليًا، واعتمد بشكل قوي على تدفقه الهادر. كومبا، ثاني الفريستايلات، كانت فيها النبرة علامة قوة من خلال إلقاء كلاي الغاضب والمتهيِّئ للعراك، وكأنه ذئب جائع يريد الفتك بمن يجرؤ على الاقتراب من قطيعه. في سمرقند، ينفجر كلاي في وجه بعض الرابرز ومنهم سمارا، بعد ظهور إعلامي للأخير أساء فيه للراب حسب رأي كلاي. كان اللعب بالألفاظ في سمرقند نقطة قوة رهيبة تبرهن على أن كلاي مصنع كلاميات لا ينضب.

في أداءاته الحرة الأربعة هذه، نسمع الرجل يلاكم ويبصق أسطر راب ويحفر سردية انتماء قوية في كل مرة من خلال خطابات كرة قدم وملاكمة، وحتى في استحضاره لأبطال جدد على درجة من النزق والسلاطة. أثبت كلاي أن بإمكانه التنفس تحت الماء، والأهم من ذلك، أن لتونس راب يحميها من أحناش الشرطة.

المزيـــد علــى معـــازف