fbpx .
بحث | نقد | رأي

تِس. تِس. تِست | أرشيف أوبّا للعمارة والدراسات

معازف ۲۰۲۲/۰۵/۲٤

تأسست مجموعة أوبّا للدراسات والعمارة عام ٢٠١٩ مع نهى وصبا عنّاب. تُعنى المجموعة بالبيئة المبنيّة والسياقات الحضرية، وأثرها السياسي والاجتماعي على الفضاء. من خلال البحث بين النظرية وتطبيقها، تسعى المجموعة لبناء قراءات بديلة، وإنتاج أشكال معرفية نقدية. في سلسلة مكوّنة من خمس حلقات، تنطلق الباحثتان من عمّان للبحث عن الظواهر والأحداث المدينية، علاقة العمارة بالسياسات، تضادّ المركز والأطراف وتشابكهما، تبحثان في الحدث وما أدّى إليه وما نتج عنه.

أنتجت مجموعة أوبّا للدراسة الموسم الأول من تِس. تِس. تِست وبثّته على راديو معازف. عُرَضت الحلقة الأولى والمكوّنة من جزأين بعنوان العين المسمومة في يونيو ٢٠٢١، تبعتها أربع حلقات أكملت الموسم حيث قدّمت فيه الباحثتان تفصيلات لأحداث شكّلت هويّة تعرفها مناطق عمّان بصمًا، وتربط بين مناطق طرفية والمركز الذي تحيطه.

في جزئيّ العين المسمومة، نكتشف مع نهى وصبا حكاية طلوع عين غزال، أقدم مستوطنة بشرية مُكتَشَفة في الأردن من العصر الحجري الحديث (٨٥٠٠-٤٥٠٠ ق.م). دلالات العين مجهولة. مرورًا بمناجم الفوسفات ومصانعها في الرصيّفة، تنحصر عين غزال في موقع يجمع بين محطة التقنية، المسلخ، وقف الحجاز، مناجم الفوسفات، وأراضٍ وملكيات خاصة. على الرغم من تكشّفها هذا، بقيت المنطقة غير مرئية مقابل إتمام بناء الأوتوستراد، والذي أتى ضمن خطة البنك الدولي للربط بين محافظتيّ عمّان والزرقاء، وبقيت حدودها مجال تنازع بين ملكيات خاصة ووزارة الأوقاف التي تتصادم مع محاولات استملاك دائرة الآثار للمنطقة.

تنطلق الباحثتان في الجزء الثاني من العين المسمومة من صورة جوّية تعود لعام ١٩٧٨ تُظهِر الحجر الجيري في جنوب شرق وشمال عمّان، حيث تتكاثف هذه التضاريس على امتداد الطريق المؤدّي إلى مناجم الفوسفات في الرصيّفة. بدأ تشغيل المناجم عام ١٩٣٥، حيث وُجِدت مناجم لاستخراج الحجر وأخرى للتعدين، وأصبحت جزءًا من لاندسكيب المنطقة. تغوص صبا ونهى أكثر في هذه الحلقة في مفاهيم تغيّر شكل المدينة، من الحجر إلى الكسّارة، وتغيّر الشكل العمراني في المراكز التي تؤثر على الأطراف بطبيعة الحال، بالتوازي مع زيادة حركة رأس المال الذي قدِم من الخليج في السبعينيات، وترافق ذلك مع خطط تطوير صناعية مثل مناجم الفوسفات، أو مشاريع لم تكتمل كمشروع ميجا مول.

أصدرت مجموعة أوبّا كتاب العين المسمومة الذي أتى كنتاج للبحث الذي أُجري في هذه الحلقة. غلاف الكتاب مستوحى من دليل الأردن، وهو كتيب سياحي للآثار من إصدار وطباعة جمعية آباء الفرنسيسكان عام ١٩٨٤، صدرت الطبعة الأولى عام ١٩٥٤. يحوي كتاب العين المسمومة البحث الكامل الذي أجرته الباحثتان حول منطقة طلوع عين غزال. أطلِق الكتاب للمرة الأولى في مكتبة عمّان الصغرى، ويمكن شراؤه حاليًا من داركروم عمّان.

في الحلقة الثانية، التي تحمل عنوان حيوات بديلة (العنوان مقتبس من العدد الثاني عشر من مجلة أمكنة)، تبدأ صبا ونهى بوصف مشهد من الفيلم الأمريكي ذ نِتوورك ١٩٧٦، حيث الهواء غير صالح للتنفس، الطعام غير صالح للأكل، وكل شيء متّجه نحو الجنون. في خلفية الفيلم يمكننا التماس ثيمة تتحدث عن الاستطباق (Gentrification)، أو ما يمكن ترجمته ضمنيًا إلى: التهجير المُستهدَف، ومن خلاله فهم معنى الحق في المكان. تتطرق الباحثتان لمقالة بوب بلاك الأهم: إلغاء العمل ١٩٨٥، في سياق الكساد الاقتصادي الذي عمّ العالم بعد الحرب العالمية الثانية، والذي أدّى لتبنّي سياسات نيوليبرالية. نشرت مدى مصر ترجمة للمقال في بداية أيام الحظر العالمي عام ٢٠٢٠.

تتطرق صبا ونهى إلى الحالة التي اجتاحت أناسًا كثيرين، وهي زراعة الأسطح والشرفات خلال فترة الحظر العالمي، وكيف يمكن أن تسبّب هذه النوعية من الزراعة على الاقتصاد العالمي ومفهوم الاكتفاء الذاتي، وفي المحصّلة، نقد غياب مؤسسات الدولة التي لن يغطّيها زراعة حوض نعنع على شباك غرفة، بالتطرّق إلى أن الأزمات جزء أساسي من تداعيات الرأسمالية.

 

بالعودة إلى مفهوم الاستطباق، يبدأ الجزء الثاني من حيوات بديلة بحوار واقعي لمعمارية تتشارك سيارة أجرة مع سيدتين تتبادلان الأخبار عن انقطاع المياه وخدمات الصرف الصحي. يُثار فضول المعمارية وتسأل عن السبب، لتجيبها أن بيتهم “طَبَبْ” والذي يعني طَبَابة، أي بُنيَ رغمًا عن الحكومة، وبيوت الطَبَبْ هي التي بُنيَت فترة أحداث أيلول وكان الجيش يهدمها ويعاود أصحابها إعمارها مرارًا. يطرح هذا الجزء إشكالية تخطيط المدينة الحديثة التي تتطلب إخراج الفقراء منها، وكيف تتشكّل المراكز والأطراف الاقتصادية والسياسية تبعًا لهذه المعادلة، وعن التهميش السياسي والمادي الذي تتعرض له الطبقات الأقل.

في ٢٠١٩، أطلقت مجموعة أوبّا مشروعها الأول: بيت الأحلام، وهو عنوان الحلقة الثالثة من تِس. تِس. تِست. يتمثّل المشروع في إنشاء شركة معمارية مُتخيلة تستحوذ على مكتب تجاري في المدينة، ومن خلاله يُثار النقاش حول الممارسات الحالية في العمارة عبر دعوة مفتوحة للمعماريين والمعماريات والطلاب لتصميم بيت الأحلام الخاص بهم. يمثّل المشروع صعوبات عديدة تبدأ بإنشاء مكتب تجاري وسط التحديات اللوجستية والمحددات، وإن وُجِد فلن يكون كما جرى تخيّله. كما يوجد العبء الاقتصادي، والمعرفة التي تجعلهم غير قادرين على تطبيق ما يرغبون به. أيضًا، سيواجه المصممين عقبة تصميم بيتك كمعماري، حيث ينطوي عليه شاعرية كبيرة لأن معظم المصممين لن يكونوا قادرين على تنفيذ مشاريعهم على أرض الواقع، لكنّه سيعكس رغباتهم الصادقة وتصوّراتهم لما يمكن أن يكون.

فكّر الفريق بالحديث عن مشاريع مطوّلة عمل عليها فريق أوبّا قبل أن يتشكّل الفريق ليختتم بها السلسلة. تشكّل هذه المشاريع الخلفية النظرية والبحثية لكثير من أعمال المجموعة. البحث عن خيّام هو مشروع بحثي مستمر للأرشيف الرقمي بلوت ٤٣٦ لـ نهى عنّاب. تأتي الحلقة الرابعة للحديث عن محاولة إعادة تشغيل سينما الخيّام عام ٢٠١١ بالتزامن مع الربيع العربي، حيث بدأ الحديث عن محاولات الاستعادة والامتلاك، والانطلاق من الشخصي نحو العام والسياسي، وتوثيق أنواع مختلفة من الفشل، الذي تحوّل إلى رغبة في التوثيق كمحاولة لاستعادة أماكن أخرى. هذه الحلقة عن الأرشيف المعماري كأداة سيطرة، والعمارة كأداة انتماء، وتفسير مواقعنا في مدن ترفضنا أو تتقبلنا.

في ملف عن الحجر، عن الماء لـ صبا عنّاب، ضمن مشروع تخرج السنة الخامسة من تخصص الهندسة المعمارية عام ٢٠٠٣، طُرِح سؤال: كيف نعيد التفكير بالساحة الهاشمية كمكان عام؟ تجمع الساحة ليلًا عناصرًا يرفضها المجتمع المحافظ، عاملات جنس، مروّجي مخدرات، يشكّلون جزءًا مرئيًا من تركيبة الساحة. في الحلقة الخامسة والخاتمة للسلسلة، تتحدث صبا عن أدوات التخطيط التي طالت الساحة الهاشمية، وكيف بدأت علامات الحداثة بالظهور على المدينة في أماكن محددة من منطقة الساحة الهاشمية، واقتران التغييرات بالوضع الفلسطيني بعد فكّ ارتباط الضفتين. يبني النص قراءة حول احتفالين رسميين كجزء من خطاب السردية الرسمية من جهة، ومن جهة أخرى تقاطعهما مع المشي وصناعة خرائط تحليلية للفراغ، والتسجيل والتوثيق وإسقاط التاريخ على المكان.

المزيـــد علــى معـــازف