fbpx .
تحت السيطرة | تيك توك وموسيقى صناعة المحتوى

تحت السيطرة | تيك توك وموسيقى صناعة المحتوى

عمرو عبد العظيم ۲۰۲٤/۰٦/۱۳

لسبب ما يرى البعض مناقشة تيك توك بعدسة جادة أمرًا غريبًا، لكن هناك بعض الأمور الواضحة للعيان: هناك أكثر من مليار شخص على مستوى العالم يستخدمون تيك توك شهريًا. يخبرنا هذا الرقم بأن تيك توك اليوم جزء رئيسي من استهلاك الناس للمحتوى السمعي والبصري، ولا نعني مستخدمي تيك توك وحسب. أنا لا استخدم تيك توك، لكن مجرد استخدامي لمنصات التواصل الاجتماعية الأخرى واحتكاكي المتكرر بالخوارزميات يضع المحتوى الذي يحقق النجاح على تيك توك على مرأى ومسمع مني طوال الوقت. 

كمثل أي تطور تقني يغير في طريقة استهلاك الأفراد لمحتوى معين أو يفتح نافذة جديدة لتفاعل الأفراد مع هذا المحتوى، يتغير المحتوى ديناميكيًا ليعكس التقنية الجديدة. حتى لو تجنب المستخدم تيك توك عمدًا، ففنانه المفضل ومدير أعماله وموظفي التسويق لدى شركة التسجيل التي تنشر أعماله قد يكونون من مستخدمي تيك توك، أو يدركون أن تيك توك يفتح مساحات جديدة لتسويق وعرض الموسيقى، وبالتالي مساحات جديدة لكسب المال.

قبل المباشرة في الحديث عن تيك توك ينبغي توضيح نقطة هامة؛ تيك توك مجرد امتداد لتيار أكبر من استغلال الشركات الكبرى لاقتصاد الانتباه والمساحات الرمادية في قوانين النشر والملكية الفكرية. بالطبع يتشكل كل تطور وتأثير يقدمه تيك توك للموسيقى بفعل خصوصيات تيك توك كمنصة (التقسيم العمري والديموغرافي للمستمعين، الثقافات المهيمنة على المحتوى السائد، وطبيعة خوارزمية تيك توك)، لكنه أيضًا يتشكل بفعل الامتداد الطبيعي للتطور التكنولوجي لأدوات صناعة واستهلاك الموسيقى عمومًا، وعلى الإنترنت خصوصًا. 

في ظل هذا التمييز، يمكننا تداول تأثير تيك توك على الموسيقى خلال شقين: الأول هو تأثيره على الموسيقى كعنصر ثانوي في خلفية الفيديوهات، والثاني هو تأثير تيك توك على الموسيقى كمحتوى.

الموسيقى كعنصر ثانوي

لنفترض أنني سألت شخصًا ما “هل استمعت إلى تلك الأغنية التي أصبحت تريند على تيك توك؟” بدون سياق إضافي، غالبًا سيسألني أية أغنية أقصد. كل بضعة أسابيع تظهر أغنية ما لتحقق نجاحًا على تيك توك، بعضها أغانِ قديمة تعود إلينا مرة أخرى في صورة ميم، مثل أغنية ميك يور أون كايند أُف ميوزك لمغنية الفولك روك كاس إليوت، والتي حظيت بنجاح ملموس وقت إصدارها في نهاية الستينات، لتعود العام الماضي مرة أخرى محققةً ملايين المشاهدات، وليستخدمها رواد تيك توك في آلاف الفيديوهات القصيرة. البعض الآخر، أغان حديثة لفرق لم تكن تطمح لتحقيق درجات النجاح تلك، مثل أغنية سدنو للفرقة البيلاروسية مولتشات دوما. عادت الأغنية الصادرة في ألبومهم من ٢٠١٨ بفضل تيك توك في ٢٠٢٠ لتحقق نجاحًا صاروخيًا للفرقة، وتصل لقمة قوائم الموسيقى على سبوتيفاي وتحقق مئات الملايين من الاستماعات – أكثر من عشرة أضعاف الأغنية التالية لها، مانحةً الفرقة نجاحًا ماديًا ملموسًا سمح لهم بالاستمرار، على الرغم من عجزهم عن تقديم عروض حية أثناء جائحة كورونا. قال مغني الفرقة إيجور شكتكو في مقابلة مع نيويورك تايمز: “كنت قلقًا أننا سنذبل وننتهي، لكن هذا الأمر أبقانا على السطح.” وبالطبع حين ذكر تحقيق النجاح عبر تيك توك ينبغي ذكر أغنية أولد تاون رود التي أعلنت ميلاد نجم بوب جديد وهو ليل ناس إكس.

لكن في الواقع، مجرد ذكر هذه الأمثلة يخبرنا نصف القصة فقط. يقع الكثير من النقاش الدائر حول هذه الأغاني ونجاحها على تيك توك في فخ التفاؤل وتكرار نفس النغمة حول أن تيك توك يسمح لأي أحد بالوصول إلى النجومية وصناعة هيتات دون الحاجة إلى شركة تسجيل، النغمة التي ترددت سابقًا حول ساوندكلاود وسبوتيفاي ويوتيوب. على الرغم من وجود درجة من الصدق في هذا الكلام، فهو يترك كلمة النجاح مبهمة. 

ربما يمكن لصغار الموسيقيين تحقيق النجاح عبر تيك توك، إن كانوا يقدمون موسيقى بوب سهلة التداول والاستماع والاقتصاص، موسيقى يمكن الرقص عليها أو تقديم ميم من خلالها. لا يعني هذا النجاح بالضرورة نجاحًا عابرًا للمنصة واللحظة الزمنية التي خلقت هذا النجاح. مثلًا، صدر ألبوم مولتشات دوما الثالث، مونيومنت، في أوج نجاح مولتشات دوما على تيك توك في نهاية ٢٠٢٠، ولم يحقق القدر ذاته من النجاح التجاري، بل لم يحقق حتى النجاح الذي يمكن توقعه عقب صعود نجم ألبومهم الأول. وفقًا لبعض التقديرات، مونيومنت بالكاد يشكل ٥٪ من مبيعات ألبومات الفرقة. 

النجاح الذي شهدته كاس إليوت على سبيل المثال في أغنية ميك يور أون كايند أوف ميوزك لن يتكرر مع ميوزك فور آيربورتس لبراين إينو، لأنه من السهل اقتطاع كورس من أغنية بوب طولها دقيقتين ونصف والحصول على مقطع ممتع، بينما يصعب استخراج مقطع مماثل من ألبوم أمبيانت أقصر تراكاته يتعدى الثمان دقائق (حتى وإن كان الغرض منه أن يكون موسيقى في الخلفية). بينما يمكننا النظر إلى قدرة تيك توك على خلق اضطراب في مشاهد موسيقية عبر قدرته على خلق هيتات وترند وراء الآخر، فهو في نفس الوقت يعيد خلق نفس الأنماط المهيمنة بدرجة أو بأخرى. 

تقدم خوارزمية تيك توك للمستخدمين ما يقوم غيرهم بالتفاعل معه واستخدامه في فيديوهاتهم الخاصة والإعجاب به، لذا يكون نصيب الأسد من النجاح لأغانٍ قصيرة سهلة ومستساغة في كثير من الأحيان. بالتالي كل الجدل حول مشهد الموسيقى ما بعد تيك توك يعني فناني البوب والجنرات المجاورة له، وليس الفنانين التجريبيين.

حتى إذا قررنا التركيز على البوب والنماذج الناجحة وحسب، يجب أن نسأل عن ماهية النجاح في خلفية موسيقى تيك توك. بفعل طبيعة الفيديوهات القصيرة والعديدة، ينتزع هذا النجاح – الذي قد يعود على الفنان بفوائد كثيرة – الموسيقى من سياقها ومن قدرة الفنان على التحكم في سرديتها.

على سبيل المثال، حينما تحول مقطع المقدمة من أغنية كندريك لامار يونايتد إن جريف إلى ميم تم نزع غناء كيندريك الأشبه بصوت الجوقة من الراب من جذوره وتم نزع ذلك المقطع من سياق الأغنية ذاتها، بالتالي حتى لو سلط تيك توك الضوء على الأغنية مرة أخرى لبرهة قصيرة بعد عام من إصدارها، فهو سلط الضوء عليها تحت شروطه وشروط مستخدميه، لتتحول لحظة شديدة الخصوصية لكندريك ومقدمة ألبوم مستر مورال أند ذَ بِج ستِبرز إلى دعابة. بينما قد لا يؤثر ذلك على كندريك مطلقًا، نظرًا لحجمه كفنان، ينبغي أن ندرك أن الفنانين الأقل شعبية لن تحظى موسيقاهم بنفس الحرية. 

سلط تيك توك الأضواء ومنح النجاح لأغنية تورني دون لو فيد لإنديلا لكن ذاك النجاح مقترن باسم أندرو تيت. تتداول الناس الأغنية باعتبارها أغنية أندرو تيت، وبالتالي حينما أسمع تلك الأغنية لا أفكر مطلقًا في سردية الأغنية، أو في آراء الفنانة، بل ما يمثله أندرو تيت وآراءه والتحقيق الجاري حول جرائمه. 

لا تقتصر هذه الظاهرة على تيك توك، حينما تقترن موسيقى فنان بوسيط آخر مثل فيلم أو لعبة فيديو أو غيرها هناك احتمال لا بأس به أن يغطي نجاح الوسيط الآخر على الفنان وينتزع ارتباطًا أقوى في أذهان المستمعين. لكن على عكس الوسائط السابقة والتقليدية، ليست هناك حاجة لتوقيع عقود حقوق استخدام وخلافه سواء مع الفنان بشكل مباشر أو ممثليه التجاريين. يصعب حتى مقاضاة أو أخذ إجراء لمنع ذلك الاستخدام لأنك تتعامل مع آلاف أو ملايين المستخدمين الذين قرروا المشاركة في تريند أو نمط فيديوهات معين. بهذا الشكل على عكس الوسائط التقليدية يفتقر الفنان أو مندوبوه إلى القدر الباقي لهم من التحكم في كيف تصل موسيقاهم إلى الجموع وكيف ترتبط بأذهانهم، مقابل الفتات حيث يقوم تيك توك بدفع مبالغ لا تذكر للفنانين نظير استخدام رواد المنصة لموسيقاهم.

الموسيقى كمحتوى

منذ دخول مصطلح صناعة المحتوى القاموس الدارج على الإنترنت ليصف قطاعًا من العمالة الرقمية غير المقيدة بمنصة بعينها، بدأ القلق من تحول صور وأنماط فنية إلى محتوى. يرتبط ذلك في ذهن البعض بالمفارقة بين المحتوى والفن كنقيضين. لكن تلك المفارقة هشة للغاية؛ لا يوجد على سبيل المثال ما يمنع ألبوم بوب ما من تحقيق النجاح التجاري كمحتوى والنجاح النقدي كفن، بالتالي تتجاهل تلك المفارقة واقع إنتاج المحتوى والمؤثرات المختلفة للسوق والدوافع المختلفة للصانع ذاته التي تظهر في عمله. هنا تكمن مشكلة تيك توك في تشجيعه الصناع بشراسة لاختزال عملية صناعة الموسيقى، وتبسيطها إلى محتوى بعدة طرق.

حينما ننظر إلى المحتوى شديد النجاح وواسع الانتشار reach على تيك توك، المحتوى “الفايرل” كما نقول، نلاحظ عاملًا مشتركًا، غالبًا ما يرتبط النجاح بسهولة النقل والاستخدام. مثلًا، تنجح رقصة على تيك توك بسبب قيام العديد من المستخدمين بتأديتها وتكرارها، وحينما تنجح أغنية ما على تيك توك فذلك لاستخدام مقطع ما منها في خلفية فيديوهات المستخدمين. أحد العوامل التي تضمن النجاح للمحتوى قابليته للتحول إلى ميم أو مشابهته لميم موجود بالفعل أو قدرته على استغلال نجاح ميم آخر. يتضح ذلك في عدة أمثلة من الأغاني الناجحة على تيك توك.

مجددًا يجب الحديث عن نجاح أولد تاون رود وكيف كانت شديدة النجاح كميم بالإضافة إلى نجاحها الموسيقي، وأغانٍ أخرى مثل إيه بي سي دي إي إف يو أو إتس مي أور ذَ بي إس فايف والتي يمكن غالبًا تذكر المقطع الذي كتبته منها فقط دون تذكر باقي كلمات الأغنية. إذًا، يرتبط تحقيق النجاح على تيك توك بقدرة الصانع على الوصول إلى العامل المشترك الذي يجذب أكبر قدر من التفاعل مع المحتوى. لا يحتاج ذاك التفاعل بالضرورة أن يكون إيجابيًا، كل الفيديوهات القصيرة التي عبرت عن الغضب تجاه إتس مي أور ذَ بي إس فايف ساهمت في نجاح الأغنية بشكل أو بآخر، أنا أكتب عن الأغنية في سياق نقدي لكنني أكتب عنها.

ذلك هو جوهر الحديث عن الموسيقى كونها محتوى، حينما يتلخص قياس نجاح الموسيقى في عدد التفاعلات، بغض النظر عن طبيعة التفاعلات، ومقطع لا يتعدى بضع ثوان من طول الأغنية على تيك توك يجعل الأغنية محتوى. يشجع تيك توك هذا التوجه، هناك العديد من المقالات التي تتحدث عن التوجه الجديد في أغاني البوب التي تتخلى عن البريدج ضمن بنية الأغاني، ربما لأنه أقل الأجزاء عرضة لاقتطاعه. كما يشجع الفنانون على استخدام منصتهم ساوند أون لرفع ونشر موسيقاهم، وفي النقاط الرئيسية التي تقدمها المنصة لتشجيع الفنانين تتحدث عن العائد المادي من استخدام موسيقاهم في الإعلانات والفيديوهات. في الواقع الأمر أكثر وضوحًا: أول جملة تراها بالخط العريض على موقع ساوند أون هي: “منصة تيك توك لصنّاع الموسيقى”، ليس للفنانين أو الموسيقيين. 

أصبحت حتى طريقة التفاعل والإعلان ونشر الموسيقى نفسها جزءًا من اللعبة. يمكننا إيجاد فنانين بدرجة كبيرة من النجاح التجاري، ودعم شركة تسجيل وراءهم، يستبدلون صور الاستوديو أو تدريب الفرقة بصور غرف النوم والسيارة خلال الدعاية للموسيقى، لأنها أكثر جاذبية وتشعرنا بأن الفنان “شبيه بنا”. تلعب تلك الصورة شديدة الجاذبية دورًا في الحفاظ على سردية تيك توك كمكان للفنانين الصغار، يحوّل عملية الانتشار والوصول إلى المستمعين كعملية أكثر ديمقراطية، لكن في الواقع تيك توك لم يعد مكانًا للفنانين الصغار.

مازال بإمكان الفنانين الصغار الحصول على درجة كبيرة من الشعبية عبر اللعب على فهمهم لتيك توك، لكن شركات التسجيل الكبرى والفنانون الأكبر أدركوا الدرس بسرعة. أصبحت شركات التسجيلات تطلب من الفنانين المشاركة في صناعة لحظات “فيرال” على تيك توك، وهو ما تحدث عنه إف كي إيه تويجز وفلورنس آند ذَ ماشين وبالطبع هالزي، وهؤلاء من تحدثوا بصراحة عن تعرضهم لضغوط من شركات التسجيل، تصل إلى منعهم من نشر الموسيقى حتى يشاركوا في حملة إعلانية على تيك توك. على الجانب الآخر لا يمانع العديد من الفنانين صناعة محتوى لنشر الموسيقى على الإطلاق.

المقصود هنا أن تأثير تيك توك يشارك في محو الخط الرفيع الفاصل بين الموسيقى كموسيقى، والموسيقى كمحتوى. يتعدى هذا التأثير الموسيقى وحسب، شركات الإنتاج الآن لديها فرق كاملة من الموظفين بهدف استغلال تيك توك بالطريقة المثلى وخلق التريند الجديد عليه. بالتالي لم يكن تيك توك معنيًا يومًا كملاذ الفنان الصغير. 

ربما يمكن لتيك توك الإشارة إلى ليل ناس إكس والتريند الذي صنعه، لكن علينا الإشارة أيضًا إلى التريند الذي صنعه دريك بأغنية تووزي سلايد وغيرها، لأن اللاعبين الأكبر – مثل دريك في هذا المثال – سيكون لديهم المزيد من الفرص للتعاون مع الإنفلونسرز وصناع الرقصات – مثل تووزي – لتخليق التريند. لدى اللاعبين الأكبر المزيد من المتابعين الذين يمكنهم الاعتماد عليهم أن يشاركوا في خلق تريند أو لحظة على المنصة، والمزيد من النقود لخلق المزيد من التعاونات والتريندات. ربما يحقق فنان ما نجاحًا متواضعًا إذا لاحظ أحد نجوم تيك توك أغنيته وقرر استخدامها في خلفية أحد فيديوهاته، لكن هناك احتمال أكبر أن أحد موظفي التسويق سيقدم لنجم تيك توك عرضًا ماديًا مغريًا لاستخدام أغنية بعينها.

الخاتمة

حين بدأت الكتابة بشكل جدي في ٢٠١٨ كانت أول وظيفة حصلت عليها هي كاتب إس إي أو، باختصار كنت أكتب مقالات بأسلوب يجعلها أكثر عرضة للوصول للصفحات الأولى على محركات البحث. أصابني الضجر بعد مقالتين أو ثلاث، لأنني شعرت أنني أكتب للخوارزمية وليس للقارئ. أرى نفس الشيء أمامي الآن على تيك توك. يمكن لأي فنان تحقيق نجاح باهر على تيك توك، لكن تيك توك يريدنا أن نلعب بشروط الخوارزمية. عادةً في النقد الموسيقي يتم استخدام عبارة “يكتب الموسيقى بمعادلة” للدلالة على فنان يكرر نفس الأنماط، لكن في حالة تيك توك هناك معادلة حقيقية في الخلفية تحدد أي موسيقى تصل إلى المستمعين على صفحة فور يو. لذلك لا أجد الحديث عن تيك توك باعتباره مكانًا لأي فنان مقنعًا. 

تيك توك مكان لجماليات وسردية أي فنان؛ إن كان يدرك كيف يتلاعب بالخوارزمية. يقدم تيك توك جماليات التواصل المباشر بين الفنان والمستمعين وراء الشاشة بشكل أكثر ودية؛ حين يقوم الفنان برقصة صغيرة قد يكون بالفعل يشارك المتابعين بلحظة من يومه، وربما يهدف أن يتبناها المتابعون ويصنعوا منها ترند. بهذا الشكل هو مكان يسلط الضوء على أي فنان لبضع لحظات، لكن الفنانون الأكبر يمكنهم الاستحواذ على الضوء معظم الوقت.

في نهاية هذا المقال أدرك أن نقد تيك توك في مقال كامل يجعلني أبدو رجلًا مسنًا. بالطبع هناك إيجابيات لتيك توك؛ أنا مدين لتيك توك ورقصاته بالتعرف على فنانين جدد لم أكن لأسمع عنهم بشكل آخر. حتى لو لم يكن نجاح فرقة مولتشات دوما على تيك توك بالقوة المرجوة، يجب أن أعترف أني أكثر سعادة أنه منحهم القدرة على الاستمرار. استغل الكثير من الفنانين، الذين نجحوا في تقديم محتوى مناسب لتيك توك، تلك الدفعة لإنتاج أعمال أكثر تعقيدًا. 

لا تكمن المشكلة في تيك توك وحسب؛ مشكلتي معه مختلفة؛ ليست سعة الانتباه، أو أن الأطفال يقضون الكثير من الوقت عليه، أو أنه تطبيق صيني، أو أي من تلك المشاكل الغريبة التي يناقشها السيناتورز في أمريكا. مشكلتي مع تيك توك أنه قدّم وهمًا بخلق تغيير حقيقي في بيئة صناعة الموسيقى. ما زال تيك توك شركة ربحية تهدف أولًا وأخيرًا لإثراء ومنح القوة لملاك الأسهم، وليس الفنان. يدفع تيك توك لصناع المحتوى – المحتوى الذي يجعل تيك توك منصة في الأساس – الفتات، ويتعاقد مع كبرى شركات التسجيل بهدف تعزيز هيمنتها على تلك المنصات نظير تواجد كتالوج ضخم من الموسيقى لمستخدميه. 

لا يسهل تيك توك عملية نجاح الفنانين عن طريق خلق وسائل للفنانين بنقل مستمعيهم الجدد خارج منصته، بالطبع تنتقل الأصوات والتريندز إلى منصات أخرى مثل يوتيوب شورتس أو ريلز إنستجرام لكن لا تسهل تلك المنصات انتقال المستمعين إلى منصات مثل سبوتيفاي أو غيرها بشكل سلس يشجع المستخدمين على التفاعل مع الأغنية مباشرة. ذاك في حالة أن المقطع المستخدم يوصلك إلى الأغنية والفنان، وليس إلى فيديو آخر استخدم نفس المقطع بدون نسبه إلى صانعه. كبديل لذلك يخلق تيك توك منصات فرعية مثل تيك توك ميوزك وساوند أون بهدف إبقاء الفنان والمستمعين داخل نظامهم وبيئتهم حتى لو لم يكن ذلك الخيار الأفضل بالنسبة للفنان. 

في نهاية المطاف، لم يقدم تيك توك أي وعود لنا كمستخدمين بإعادة تشكيل المشهد، لكن نحن تخيلنا قدرة تيك توك على إعادة تشكيل المشهد. ليس هناك أي دافع حقيقي لدى تيك توك لإحداث أي تأثير حقيقي يغير من المشهد والمشاكل التي تقابل الفنانين وصناعة الموسيقى، لكن كشركة ربحية لديهم كل الدوافع المتاحة لمحاولة اقتصاص شريحة من الربح الموجود وإبقاء الوضع كما هو. 

إن أردنا إيجاد حل يقلب مشهد الموسيقى رأسًا على عقب ويحقق العدالة للفنانين، حل يستحق كل هذا التفاؤل، علينا أن نتوقف عن النظر في الحلول التي تخضع لهيمنة مجموعة من المستثمرين.

المزيـــد علــى معـــازف