fbpx .
أريانا جراندِه أريانا جراندي معازف ثانك يو ariana grande thank you next

ثانك يو، نِكست | أريانا جرانده

رامي كريم ۲۰۱۹/۰۲/۲۸

كُتبت هذه المراجعة لمعازف باللغة الإنكليزية، ترجمها عبد الهادي بازرباشي.


عليَّ البدء بالإشارة إلى أنني مهووسٌ بـ أريانا جرانده حد الافتتان بوشمها الياباني والخطأ الإملائي فيه، والتظاهر بأنني لم أشاهد فيديو سِفِن رينجز. أنا إما أفضل أو أسوأ شخص بإمكانه الحديث عن ألبومها الجديد. على كل حال، إن كان ألبوم سويتنر (ألبومها الرابع، ٢٠١٨) يرصد حالة شهر العسل في حياة أريانا، فإن الألبوم الجديد هو أشبه بالإجهاش في بكاء أمام المرآة بعد المرور بانفصال. قد يوحي اسم الألبوم بأنه لم يعد هناك المزيد من الدموع لبكائها، لكن أغلب أغانيه تدور حول قلب جرانده المفطور.

يأتي الألبوم في وقت جذاب بالنسبة لمعجبي أريانا المهتمين بموسيقاها وحياتها العاطفية على حدٍّ سواء. تزامن ألبومها السابق سويتنر مع انتهاء خطبتها لـ بي دايفيدسن (مصدر وحي الألبوم)، والموت المفاجئ لحبيبها السابق ماك ميلر. يفرض الاثنان حضورهما على الألبوم الجديد، تحديدًا عندما يبلغ الألبوم ذروته العاطفية في أغنية Ghostin. تدمج الأغنية السردية الحالِمة بين أصوات سنث متعرجة ومتماوجة، مع كلمات تصوّر حالة أن تكون في علاقة بينما لا تزال متعلقًا بحبيبٍ سابق. تنتهي اللازمة بعودة مبهرة ومشحونة إلى السطور: “أكره نفسي لأنك لا تريد / الاعتراف بأن ذلك يؤلمك أيضًا.” لا تتحرج أريانا من التطرق إلى علاقات شخصية شائكة ترغمها على إقحام نفسها خلال ذلك.

تحاكي أغنية إن ماي هِد جلسة جلد للذات، بتحليلها الانفعالي لما وصفته جرانده في إحدى تويتاتها بأن “تكون واقعًا في حب نسخة من شخصٍ خلقته في ذهنك” و”أن تُغرم بمن أسقطت عليه تلك الصورة الذهنية وهي ليست حقيقته.” تمثل هذه الأغنية قبلة الوداع المريرة في الألبوم، حيث أريانا في أكثر حالاتها جرأةً؛ تتبلور استنتاجاتها في سطورٍ مثل: “انظر إلى نفسك / لقد خلقتك بنفسي” بينما يحرص البايس وإيقاعات التراب على إصابة الوتر المقصود.

إن كان انفتاح أريانا جرانده العاطفي قد بدأ بالتزايد منذ ألبوم يورز ترولي عام ٢٠١٣، فإنه قد وصل ذروته في ثانك يو، نِكست. في ليلة صدور الألبوم، كتبت في تغريدة: “بكيتُ بحرقةٍ هذه الليلة لدرجة شعرت معها أن عيناي تعلمان شيئًا لا أعلمه”، ولم يكن الألبوم أقل انعتاقًا وتفريغًا من البكاء. إن كان هناك أي شك في أن نجمة البوب كانت تعاني، داخل وخارج إطار شخصيتها العلنية، فإن الألبوم يكاد يقتل هذا الشك.

يتأرجح الألبوم بين القدرة على الصمود، وبين التناقض في الاحتفاء بالحب والانتحاب على آلام القلب. إلا أن غاية أريانا لا تقتصر على الانغماس في التفجُّع وحسب، وإنما الانغماس بالقدر ذاته في النشوة العاطفية التي تسبقه. صحيحٌ أن صلب الألبوم يكمن في أعمق الجروح العاطفية، لكن من السطحية النظر إلى ثانك يو كمجرد جرعة من الاكتئاب. على العكس، يقدم الألبوم لمحة على ذلك التخبط الطبيعي الذي يرافق أي علاقة رومنسية.

هذا التوازن بين الأضداد يظهر بوضوح في أغانٍ مثل Make Up وFake Smile. تُمثّل الأولى التراجع المرح الذي يتلو تصالحًا بعد شجار. تلقي أريانا السطر الأول بنبرةٍ لعوب: “أحب أن أعبث معك فقط لأصالحك” مفسحةً مجالًا أكبر للهو: “الطريقة التي تصرخ بها باسمي / تجعلني أرغب بممارسة الحب معك.” يدعم الكلمات تهادٍ مَرِح قبل أن تضبط إيقاعها بيتات تراب محسوبة. تصوّر الأغنية نهاية شجارٍ بسيط، عندما يذوب الغضب تدريجيًا وينقلب هشاشةً مكشوفة، وتصبح الشفاه المزمومة مستعدةً للقُبَل. “تعال، أفسِد مكياجي” تشير أريانا إلى حبيبها.

في الأغنية الضاربة بريك أب ويذ يور جيرلفريند … آم بورد، يظهر وجه أكثر فجورًا لـ أريانا، مستعينةً بإنتاج ماكس مارتن والسويدي إيليا سالمَنزادِه. تتخلل بارات تراب متلعثمة الأغنية التي تشكّل استراحة مغرية ولاذعة بين أغنيات الألبوم الأكثر سوداويةً. كما يُبيّن العنوان، تسعى أريانا في الأغنية لإقناع من أعجبت به بترك حبيبته من أجلها. نواياها صريحة ومباشرة، لكنها مع ذلك ليست مجرد خرابة بيوت. تقع الأغنية بين دندنات العشيقة المهمشة، وبين الـ “همممم / مممم / ياه ياه” التي ترددها في نهاية كل مقطع، مقدمةً أكثر حجة مقنعة لديها.

رغم كون Break Up أغنية مؤثرة، إلا أنها تشوش بقية الألبوم المتماسك عاطفيًا. ينطبق ذلك على أغنية 7 Rings، أنشودة الصداقة التي تخفق بإيجاد مكان ملائم لها ضمن الألبوم، أكثر مما تخفق بسبب كلماتها الماديّة الباهتة: “من قال لك أن المال لا يحل مشاكلك / لا بد أنه لم يملك المال الكافي لحلها.” في أفضل أحوالهما، تبدو الأغنيتان بليدتان عند وضعهما في الألبوم، وتقاطعان تدفق الألبوم في منتصفه ونهايته. كان من الأفضل إصدارهما بشكلٍ منفرد.

تعود أريانا الرقيقة في أغنية Fake Smile، رافضةً التظاهر برباطة الجأش أمام كونها “مرّت بأكثر مما يحتمل.” يبدأ المنتجَين هابّي بيريز وبوب وانسل بعدة تنويعات على أغنية After Laughter  لـ وِندي رِنيه، وينثران تلك التنويعات على مدى الأغنية، لخلق بنية نغمية مشبعة بالـ سول. كصدًى لخطاب قبولها جائزة امرأة العام من مجلة بيلبورد، تحتضن أريانا لحظات اكتئابها بروحٍ شجاعة ووعيٍ ذاتي. تقود إيقاعات سيمفونيّة مضبوطة السطور مقاطع الأغنية إلى نهاياتها، قبل أن يتصاعد بايس هادئ ممهدًا لتكرارات أضخم صوتيًا. تغني أريانا “سُحقًا لابتسامةٍ مزيّفة” مُشكّلةً هارموني مع البايس، الذي ينغمس في لازمة مبهجة، بينما تتردد عينات من أغنية After Laughter.

صدر ثانك يو، نِكست بعد ستة أشهر فقط من سويتنر، دون أن يحمل تطورًا أسلوبيًا واضحًا، لكن توقيت صدوره لا يزال موفقًا، إذ يناقش كل ما مرت به أريانا خلال الأشهر الستة الماضية. جمعت أريانا شرائح كبيرة من المتابعين حول العالم بسبب كونها هشة وعصية على الكسر في آن، وهذا المزيج يبلغ أكثر تجلياته تألقًا هنا. مع تنحية بعض الأغاني غير المتسقة مع روح الألبوم، تُقدّم أريانا جرانده جروحها للمستمع ثم تحاول مداواتها، محيلةً صراعاتها الشخصية إلى درسٍ عن معرفة الذات والقوة، أو على الأقل، إلى مجموعة متينة من أقصوصات الفراق.

المزيـــد علــى معـــازف