.
https://youtu.be/nTQb-xsPib0
في فيلم آفنجرز الأخير، هناك ذلك المشهد حيث يسافر أحد أبطال الفيلم إلى كافة المستقبلات الممكنة، كل واحد من الأربعة عشر مليون وستمائة وخمسة مستقبل بديل ممكن، ولا يجد فرصة للنجاة سوى في واحدٍ فقط. في نهاية الفيلم، وعلى غير العادة، ينتصر ثانوس، الشرير الخارق الذي يريد تحويل نصف الكائنات الحية في الكون إلى رماد، لأن موارد الكون – برأيه – لن تكفي الجميع. ظهرت تفسيرات لنهاية الفيلم تقترح أن هذا هو بالفعل المستقبل الوحيد الذي يقدِّم فرصةً للنجاة، المستقبل الذي ينتصر فيه ثانوس، حيث يبدو أن حله مَهما كان قاسيًا هو الوحيد الذي يضمن استمرار الحياة في المستقبل. ثانوس أيضًا هي تاسع وأحدث عينة من ألبوم أبيوسف المقبل، كل ده لسا ببتدي، وهي أغنية غنية بالمجازات والمقاربات التي تنطبق على الفيلم، وعلى شخصية الشرير الخارق الذي قد يكون أنقذ الكون بعد كل شيء.
رغم أن الأغنية قصيرة، لا تزيد على ثلاث دقائق، إلا أن أبيوسف لا يدخل على الخط حتى انقضاء ربعها – يأخذ وقته كبطل هوليوودي قد حضَّر خطبةً قبل سحب الزناد، مدركًا أن نصف المتعة في الانتظار. خلال ثلاث أرباع الدقيقة الأولى هذه، لا نحصل سوى على بعض الحبال الثخينة من البايس تتدلى في محيط صوتي واسع وداكن وكأنه الفضاء، بشكل لا يتفق مع أسلوب أبيوسف التكثيري Maximalist عكس التقليلي، أي إزحام العمل توزيعيًا وإنتاجيًا لأقصى حد ممكن الذي سمعناه في العديد من أغانيه الأخيرة، بل نسمع توجهًا مركزًا، يضع في إيقاعٍ واحد الجهد الذي كان يضعه في عشرة.
طول الانتظار وغلظة البايس يمنحان دخلة أبيوسف وقعًا مضاعفًا، قبل أن تذكرنا باراته الأولى بعضلاته في الإلقاء، والتي تثني بسهولة كلمات متباينة النهايات مثل “البراندات / الأندال” أو “استوى / تتذوق” لترغمها على الاتفاق مع أي قافية يريد أبيوسف سبك المقطع على مقاسها. بعد المقدمة، يتحوَّل أبيوسف إلى مجموعة راب، وكأنه يمتلك حجرًا سحريًا كأحد أبطال آفنجرز ويتحول إلى أكثر من نسخة من ذاته. يوزع إيقاعاته بين سينثات محيطة خجولة في الخلفية، إيقاعات تراب رصاصية تبدو كالمرادف الصوتي للحركات في اللغة العربية، نبضات فَز ثقيلة وقطرات إلكترونية مائعة، ترافق التغير المستمر لسرعة ووزن البارات التي يلقيها، والكلمات التي تأخذ ثيمتها من تشبيه أبيوسف بإله مصري مجمَّع من عدة أساطير، من “ببقى فوق ببقى طير ببقى جارح” إلى “إﺳﻤﻲ لوحده ﻳﺠﯿﺐ ھﻜﺴﻮس” مرورًا بـ “ﻳﻮﺳﻒ ﺗﻜﺮار أﻣﻨﺤﺘﺐ”، الفرعون الذي شهدت مصر خلال حكمه ذروة تقدمها الفني وسطوتها السياسية العالمية.
ينعكس الكف الحديدي المرصع بالأحجار الخارقة لدى ثانوس بمجازين لدى أبيوسف، فمن ناحية، عند سماعنا أغنية كـ ثانوس، بإمكاننا تخيل أبيوسف يرتدي مواهبه في الإنتاج وصناعة الإيقاعات والإلقاء والكتابة وتشكيل السياق، يرتديها كخواتم خارقة جمعها وصقلها على مدى السنين، لترصّع أصابعه التي تمسك المايك. من ناحية أخرى، لو وضعنا ثانوس إلى جانب جيرانها في الألبوم المقبل، عصام وأمل وفين الدوا ومش برد، بإمكاننا عندها تخيل كف حديدي مماثل على يد أبيوسف، يمكنه خلال فرقعة أصابعه تحويل خصومه إلى تُرَاب، أو على الأقل دفنهم بتراب تفوقه المجازي. لكن ربما، مثلما حصل في الفيلم، سنكتشف أن وجود شرير خارق مثل أبيوسف، هذا الخصم المستحيل الذي دفع البعض للتبجح بأنهم “تاني أحسن رابر في مصر“، هو ما حفّز النصف المتبقي في المشهد إلى دفع أنفسهم إلى أماكن متطرفة محاولين الخروج من عباءته أو الوقوف في وجهه، وما نتج عن ذلك من قفزات الجودة المتتالية التي وضعت مشهد الراب في مصر على الطريق المبشر الذي يسير عليه اليوم.