محمد رضا شجريان معازف Mohammad Reza Shajarian Ma3azef
عربي جديد

ثورات محمد رضا شجريان الصغيرة

أحمد الزعتري ۱۷/۰۲/۲۰۱۳

عام ٢٠٠٤، فكّر محمد رضا شجريان بطريقة لمساعدة منكوبي زلزال مدينة بَم في ٢٦ كانون أول / ديسمبر ٢٠٠٣، والذي حصد أكثر من ٤٢ ألف قتيل. آنذاك، تحدّث شجريان مع المخرج مجيد مجيدي، واتفقا على تأسيس المركز الثقافي: حديقة الفن في بَم. لجمع المال اللازم لإنشاء المركز، تبرّع مجيدي بعائدات فيلمه الجديد آنذاك: شجرة الصفصاف الناحبة، بينما أقام شجريان ٣ حفلات ذهبت عائداتها أيضًا إلى المشروع.

جمع شجريان في هذه الحفلات ومبيعات أقراص الدي في دي الخاص بها أكثر من ٣٠٠ مليون ريال إيراني (٢٥ ألف دولار تقريبًا).

كان التفاعل في تلك الحفلات مؤثّرًا، كأن الحاجة الفرديّة للحزن والبكاء وجدت مبرّرها على خشبة حديقة وزارة الداخلية، أمام ٤ من أهم الموسيقيين الإيرانيين المعاصرين: عازف الكمنجة كيهان كلهر، عازف السيتار حسين عليزاده، المغني وعازف التُمبَك هومايون شجريان، والأستاذ الأكبر محمد رضا شجريان.

جرت عادة شجريان أن يستعيد أغنية طائر السحر التراثيّة في نهاية حفلاته. لكن الأغنية في حفلات بَم كانت حاسمة وضروريّة لعدة أسباب. كانت الطريقة التي هتف بها الجمهور مطالبين شجريان بغنائها ملحّة وآتية من مكان عميق في ذاكرة الإيرانيين المحبوسة. يعدّ غناء طائر السحر كل مرة مقاومةً موسيقيّةً شعبيّةً لحالة الاضطهاد السياسي والاجتماعي. كما كانت تغنّى أيام الشاه بتأويلات التحرّر من حكمه، تغنّى الآن أيضًا بتأويلات التحرر من حكم الملالي؛ وكما يتلقاها الجمهور هنا بالبكاء والشعور الغامر بالحزن. وقتها كانت إيران لا تزال مذهولةً من مقتل وجرح وتشرّد مئات الآلاف، وتهدّم مدينتها التاريخيّة. كان هذا الذهول مرتبطًا بشكل مباشر ببطء الدولة في عمليات الإنقاذ، وعجزها عن إيواء المشردين، وإهمال الناجين الذين أدمن أكثر من ٥٠٪ منهم على المخدرات.

كانت الأغنية، ولا تزال، مرتبطة بالقهر. القهر الذي يدفع برجال ونساء، في مجتمع أجبر على أن يكون محافظًا، إلى البكاء علنًا.

لكن هل نستطيع اعتبار شجريان امتدادًا لهذا النّفس التحرّري؟ بالتأكيد. أثناء الثورة الخضراء عام ٢٠٠٩، وصف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد المتظاهرين بأنهم “غبار وقمامة”. لاحقًا، احتدّ شجريان في مقابلة له على قناة البي بي سي عندما سأله المذيع عن رأيه في ذلك الوصف، ليقول [عن صوته]: “لطالما كان هذا الصوت صوت الغبار والقمامة، وسيبقى صوت الغبار والقمامة”، طالبًا من السلطات الامتناع عن بثّ أغانيه في الإذاعة والتلفزيون – وهذا ما حصل. في شهر رمضان التالي للثورة، توقّفت الإذاعة الرسميّة عن بثّ دعاء ربّنا بصوت شجريان كالعادة قبل آذان المغرب لأول مرة.

إثر الثورة، أصدر شجريان أغنية لغة النار، التي توجّه فيها إلى جهاز الباسيج الذي أوكلت إليه مهمّة قمع المتظاهرين، مغنيًا: “ألقِ سلاحك، تعال واجلس: اسمع وتكلّم. علّ ضوء الإنسانيّة يضيء قلبك أيضًا (..) السلاح في يديك يتكّلم لغة النار والحديد.”

طائر السحر

يا طائر السحر، اندب

يا طائر السحر، اندب

وأيضًا: جدّد ألمي

بتنهيدةٍ تمطر نارًا

حطّم هذا القفص واقلبه

أيها العندليب العاجز عن الطيران: غنّ أغنية حرية الإنسانيّة من قفص الصنوبر

من أنفس الحشود، املأ الأرض المفتوحة بالنار

اضطهاد المضطهد، اضطهاد الصيّاد

لقد غادر عشّي ليتضاءل في الريح

الرب، الكون، الطبيعة … حوّل ليالينا المعتمة إلى فجر

إنه ربيع جديد، تفتّحت الأزهار

الغيوم في عيني مملوءة بالندى

هذا القفص يشبه قلبي: خانق ومظلم

آهٍ أيتها التنهيدة الحارقة: أشعلي هذا القفص

يا يد الطبيعة: لا تقطفي زهرة حياتي باكرًا

انظري إلى زهرتي اليافعة العزيزة: غنّ بصوتٍ أعلى

أيها الطائر بلا قلب

لا تُطِل، لا تُطِل قصة انفصالك.

المزيـــد علــى معـــازف