.
الكليب يبدأ بـ“تفه… نياع” من داخل طائرة عائدة إلى لبنان، وينتهي بعبارة “لبنان… بحبّك“، قبل أن تظهر المغنية بلباس عسكري لتعلن ثورة الكلينك.
هذا هو العمل الجديد لميريام كلينك، عارضة الأزياء اللبنانية التي تحوّلت أخيراً إلى عالم الغناء والاستعراض. انتشر العمل بسرعة فائقة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليستحوذ على عدد كبير من التعليقات السلبية إجمالاً، والتي تظهر كلينك كمن يتعاطى بخفة (وربما بقلة حياء) مع مواضيع وطنية ومصيرية.
والواقع أنّ الكليب هو عبارة عن كلام بدائي حول الأوضاع السائدة في لبنان من حرق الإطارات وانتشار السلاح وانتهاك حقوق الإنسان إلى الهمّ البيئي والهجرة والدين العام وانتهازية الزعماء والانقسام الحاد بين اللبنانيين وهشاشة لبنان أمام انعكاسات مشكلات الدول المحيطة، وصولاً إلى الطائفية والعنصرية والأفكار المسبقة بشأن أصل الإنسان وفصله:
“انت من وين؟ وبيّك مين كان؟ عطيني العنوان.
البيئة لوين؟ وحقوق الإنسان؟ سلاح وين ما كان! ما تخربوا لبنان!”.
وكلّ ذلك تؤدّيه كلينك بإغراء لا يحاول إخفاء إيحاءاته الجنسية، في أماكن تصوير تتراوح بين الطائرة والطبيعة والمقبرة والبيوت المهجورة، وبتسجيع مفتعل لا يزيد بدائية الكلام إلا بدائيةً.
يمكن لمشاهد الكليب أن يصنّفه في خانة الابتذال، إن في مضمون الكلمات التي تبدو تجميعاً لأحاديث الصالونات والخطب الرسمية، أو في طريقة الأداء التي تقترب من البورنوغرافيا السوفت. لكنّ قراءة مغايرة للكليب تبدو ممكنة أيضاً، ومفيدة لتفسير الإقبال عليه.
فما تقوم به كلينك يكتسب أهميته من كونه نوعاً من المحاكاة الساخرة (بارودي) التي تعيد إنتاج الخطاب السياسي السائد خارج إطاره المعهود، لتفضح تهافته. فما من عبارة واحدة في أغنية كلينك يمكن وضعها في خانة “غير اللائق سياسياً” أو الPolitically Incorrect. لكنّ كلّ ما يحيط بعباراتها من أداء ولباس يمكن تصنيفه بغير اللائق. وهذا ما يجعل من محاكاتها أكثر قوّة. فهي في ذلك لا تختلف في شيء عن معظم اللبنانيين، الرسميين منهم وغير الرسميين، الذين يطلقون العبارات اللائقة نفسها، لكنّ كلّ ما يحيط بعباراتهم من أداء يجعلها مجرّد عدّة لفظية لأعمالهم غير اللائقة.
فكلينك حين تعرّي أجزاء من جسدها، تعرّي أيضاً الخطاب السياسي اللبناني السائد، الرسمي أساساً لكن الشعبي أيضاً، الموالي والمعارض، الـ ٨ والـ ١٤ وما بينهما.
“ألوان وأعلام/ أفكار عنصرية.
التقسيم بلبنان/ موضة عصرية.
أسماء الكراسي/ مصداية براسي.
سياسي من الكرسي/ ما عم بيقوم.
تفه، خلص/ ما تحرق دولاب.
بليز عم قلّك/ ما تخلّ بالآداب“.
أداؤها لجملة “بلدي مقسوم بأخبار السياسة” وهي تتمايل بابتذال مرتدية بدلة رقص، إنّما يفضح ابتذال هذا الانقسام نفسه. وحين تقول “لبنان… بحبّك” مع إطالة الألف وقبلة إغراء، إنّما تكشف عن زيف تلك العبارة. ناهيك بالحديث عن الكراسي والزعماء وهي تتغنّج على سيارة رسمية بلون الزهر الفاقع. حتّى إعلانها للثورة في نهاية الكليب يبدو محاكمةً مسبقة لإمكانيّة التغيير. لكنّنا لسنا أمام عمل عبثي. بالعكس تماماً، نحن أمام عمل يجعل من العبث المحيط بنا، مادة فنية وسياسية.