.
عندما واجه برنامج هابي دايز Happy Days أوقاتاً عصيبة من حيث معدلات المشاهدة في الثمانينات، قام بطل البرنامج فونزي Fonzie من أداء هنري وينكلر Henry Winkler في إحدى الحلقات بالقفز فوق سمكة قرش. أصبح مصطلح القفز فوق القرش Jumping The Shark مُعتَمَدَاً في صناعة الترفيه للإشارة لأي حركة بائسة لزيادة المشاهدات. آلِكس كامِرون هو رجل استعراض، يغني بالطريقة التي يتحرك بها في فيديوهاته: بصوتٍ متراقص درامي أمام خلفية إيقاعية ثابتة من السينث. في ألبومه الأول، يجد آلكس نفسه أمام معدلات مشاهدة منخفضة وجيل جديد يخبره بأن صلاحيته قد انتهت، يجد نفسه أمام القرش ويقول: أأقفز أو لا أقفز؟
رغم أن هذا الألبوم هو الأول في مسيرة آلكس، إلا أنه يبدو كعملٍ وداعي، ينعى به كامرون نفسه الزائفة، نفسه التي كانت يوماً ما الرجل الأول في عالم الترفيه، قبل أن يتقدم به العمر ويتخلف عن صيحات هذه الصناعة. يبدأ الألبوم بـ نهاية سعيدة Happy Ending، أغنية حميمية لم يرافقها فيديو، لكننا نستطيع بسهولة ترجمة تعرجات صوت كامرون ونهايات جمله المبتورة لرقصة استعراضية لاس فيجاسية متشنجة، كما نستطيع تخيل أسطر السينث الديناميكية كبروجكترات زرقاء تتسلل خلفه وتلاحق الغبار في الهواء الثقيل لكايزنو ما: “راتبي التقاعدي ليس سيئاً / لا أزال ملك هذه البلدة / لا شيء يعيب سيارتي البيجيرو (…) حبيبتي، لم تنظرين إلي هكذا؟ / لست أبحث عن شفقة / ولستِ مضطرةً لأن تكوني بهذا التعالي (…) شوقك تنامى فيَّ، حبيبتي / لنذهب إلى تشايناتاون / ونحصل على نهايتنا السعيدة (…) إذا لم تفتحي لي أبوابك، حبيبتي / سأذهب إلى تشايناتاون / سأذهب إلى نهايتي السعيدة”.
يتقن آلكس رسم مشاهد مماثلة توثق انهيار حياة كانت عظيمة، ومرحلة ما بعد الانهيار الأشد عنفاً، فيتابع ذلك في أغنية بشع جداً Real Bad Lookin' التي تسبقه فيها إيقاعات السينث المترنحة لتهيئ المشهد: ساعة متأخرة في بار رخيص مظلم تطوفه رائحة عدائية، ثم يعتلي آلكس المنصة ليرسم بورتريهات شخصين في البار، امرأة تصف نفسها بشدة القبح، تشرب بعنف وتستقبل مؤخرتها القرصات بلا مبالاة، ورجل ثري خرج للتو من صفقة كسبت له ١٥ ألف (دولاراً): “أشعر بالعظمة الآن، بكم الواحد من هذه السيجار؟ / أريد التنفس كتنين، وكأن صدري موقدٌ للقار / اسمع، حوِّل الفاتورة على البطاقة، لا أحمل نقوداً الآن / تصنيفي الائتماني خمس نجوم، لماذا قطعت بطاقة الائتمان! / طيب، هذا المكان حقير، من سمح لك بمخاطبتي باستهتار؟ / ألا تعرف من أنا؟ أغنى وأغبى رجلٍ في البار!”.
بهذه القدرة على السرد ذو الطابع الاستعراضي، والمتشبع حتى النخاع بمصطلحات صناعة الترفيه وروح هذه الصناعة ورائحتها، يؤسس كامرون ألبومه ذو الثمان أغانٍ على أسطر سينث إيقاعية متراقصة وملونة، تنبض وتختفي كأضواء نيون ريشية ووردية في ملهىً ليلي، ثم يكسو الألبوم بغنائه الإيقاعي المركز وجمله ذات النهايات المبتورة أو البدايات المفاجئة وكأنها أشكال هندسية حادة الزوايا، قبل أن يفرشه بهوية متفردة ومتمكنة في السينث روك، تتنقل بين الأسطر المكررة لمقاطع عزف منفردة إيقاعية، كالسولو الذي يندلع وسط أغنية بشع جداً بصوتٍ زغب وحميمي، أو ذلك الذي يظهر بخجل في الثلث الأخير من هي لي She’s Mine بصوتٍ أكثر إيقاعيةً وتراقصاً، قبل أن ينفتح في نهايته كصندوق باندورا مفرجاً عن أسطر سينث تتداخل وتتقافز في أرجاء الأغنية. عبر كل ذلك يقدم كامرون نفسه منذ البداية كمنافس شرس في مشهد السينث الروك، المشهد الذي تتنامى أهميته مؤخراً بسرعة كأحد أهم مشاهد الروك الفرعية.
العودة The Comeback هي رابع أغاني الألبوم لكن موقعها السردي يحولها لخاتمة ملائمة، يروي فيها كامرون قصته الكاملة، كيف أخبروه بأن الشباب اليوم غير مهتمين بمشاهدة كهل يغني ويتراقص، كيف أن التلفاز انتهت صلاحيته ولن يمنح فرصةً ثانية، وكيف أن عليه الانسحاب من بقعة الضوء. يتقبل آلكس هذا الخبر كما يتقبله أي أحد، بحالة إنكار يليها الغضب، يخبرنا كم كان صعباً عليه الحصول على برنامجه في البداية، وكم سيكون من الأصعب أن ينتزعه أحد منه: “أحمد، محاميي، لا يقبل إلا الربح / أحمد يرتدي بدلة وربطة عنق، أحمد ما عنده مزح / سيحل عليكم ككابوسٍ قضائي، أدفع إقامته بفندق الريتز / سنستعيد برنامجي”، لكن أحمد يعود خالي الوفاض، وكذلك زوجة كامرون التي ذهبت تتوسل عمل زوجها. يصل آلكس إلى آخر مراحل الخسارة: القبول، يجرجر نفسه إلى حديقة عامة في وقتٍ متأخر، يجلس منتشياً ومسامراً أشلاء حياته، يقول: “لن أقفز على القرش لمجرد استعادة برنامجي / لدي الكثير من الحب مخزن داخلي / الكثير من الألم الذي لن تفهموه”. لكن آلكس، لم كل هذه الدراما مان؟ لا أحد يريد إلغاء برنامجك.
أغانٍ تقدم للألبوم: She’s Mine, The Comeback, Happy Ending, Real Bad Lookin’
* أصدر آلكس الألبوم لأول مرة بشكل ذاتي سنة 2013، وأعاد نشره هذه السنة عبر تسجيلات Secretly Canadian.